الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

المضافات الغذائية وتأثيراتها في الصحة

لجأ الإنسان منذ القِدم إلى الطرائق الطبيعية لحفظ غذائه، إذ استخدمت العديد من الشعوب القديمة الملح، التوابل والمركبات الناتجة عن حرق الأخشاب في حفظ اللحوم والأسماك، سواء عن طريق التدخين أم التمليح أم التجفيف أم بعض الطرائق الأخرى. ولكن نظرًا إلى تزايد عدد السكان على سطح الأرض كانت هناك حاجة ماسّة لإنتاج كميّاتٍ أكبر من المواد الغذائية مع ضرورة الحفاظ على صلاحية هذه المواد الغذائية لأطول فترة ممكنة حتى تتوفر في كُلِّ زمانٍ ومكان، لذا استُخدِمَت المضافات الغذائية.

إذًا، ما هي المضافات الغذائية؟

المضافات الغذائية هي موادٌ ذات منشأ كيميائي (صناعي) أو طبيعي تضاف إلى الأطعمة لأهداف معينة، كحفظها من التلوث وعوامل الفساد أو تستخدم موادَّ ملوّنة أو منكّهة، أو لتزيد كثافة المنتج.

وتعدّ هذه المضافات سلاحًا ذا حدّين فعلى الرغم من فوائدها التي ذكرت سابقًا في حفظ الأغذية وإعطائها النكهة والقوام المناسب، إلا أّنَّ لها تأثيرات سلبية تناولتها مجموعة من الدراسات.

وجد علماء أعصاب من جامعة جورجيا رابطًا بين المضافات الغذائية الشائعة الاستخدام والسلوك القلق، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة  Scientific Reports. وعلى الرغم من أنَّ هذا الرابط اكتُشف لدى الفئران فقط حتى الآن، يتوقع الباحثون أنَّ هذه النتائج تنطبق على البشر أيضًا، ويمكن استخدامها دليلًا لتفسير اضطرابات السلوك. والمضافات التي أُجريت الدراسة عليها كانت عبارة عن مستحلب صنعي –وتحديدًا بوليسوربات 80 polysorbate 80 وكروبوكسي ميتيل سيللوز carboxymethylcellulose- تضاف إلى الحلويات والكعك والخبز والسمنة لتحسين تماسك المنتج وإطالة مدة صلاحيته. وتبيّن أنَّ هذه المواد تؤثّر في الحالة الالتهابية في الجسم ويمكن أن يطال تأثيرها الدماغ والسلوك؛ إذ وجد الباحثون أنَّ هذه المضافات قد تسبب التهابًا خفيفًا في الأمعاء عن طريق تغيير جراثيم الفلورا المعوية، ويبدو أنَّ لهذه الجراثيم علاقة بالجهاز العصبي المركزي عن طريق ما يدعى بـ "المحور الدماغي المعوي"، وقد يكون هذا المحور هو المفتاح لفهم آليّة تأثير المضافات الغذائيّة في السلوك. فمن المعروف أنّ الالتهاب يحرّض عادة الخلايا المناعية على إنتاج جزيئاتٍ قد تؤثر في الأنسجة في مناطق أخرى من الجسم بما فيها الدماغ، والأمعاء تحتوي على فروع للعصب المبهم الذي يشكل طريقًا مباشرًا لنقل الالتهاب إلى الدماغ.

وربطت ورقة بحثية أخرى نُشرت مؤخرًا في مجلة  Frontiers in Pediatrics بين المضافات الغذائية والداء الزلاقي celiac disease؛ وهو مرض مناعي ذاتي يستمر مدى الحياة يصيب شخصًا من كل  مئة شخص، يحرض فيه الغلوتين المتناول الجهاز المناعي على مهاجمة الأمعاء. إذ يضاف الترانس غلوتاميناز Transglutaminase -أنزيم ميكروبي- عادة إلى الأغذية عند تصنيعها، ويمكن أن نجده في الكثير من الأغذية كالألبان واللحوم والأطعمة المخبوزة. ويتجلّى عمل هذا الأنزيم في ربط البروتينات مع بعضها لذا فهو يحسّن تلاحم المنتج ويطيل مدّة صلاحيته. وهو الأنزيم ذاته الذي يُنتج في أجسامنا ويستهدفه الجهاز المناعي في حال الإصابة بالداء الزلاقي. وتكمن المشكلة أنَّ تأثيره لا يقتصر في تحسين تماسك المنتج وإطالة مدة صلاحيته، بل يغيّر بنية السلاسل الببتيدية في بروتين الغلوتين فيصبح هضمه أصعب من قبل الجسم، وتتعرّف الخلايا المناعية الموجودة في جدار الأمعاء على هذه الببتديات على أنها أجسام غريبة وتعمل على استجابة مناعية التهابية ضدها فيزداد خطر الإصابة بالداء الزلاقي، يحدث ذلك فقط عند الذين يحملون الزمرة النسيجية  HLA-D. وبما أنَّ أجسامنا تنتج هذا الأنزيم بصورة طبيعية فلم يتوقع العلماء أن وجود كميّة إضافية منه قد تشكل مشكلة، لكن تبيّن أنّها تخلّ بالتوازن وتغير البنية.

وفي النهاية يجدر بالذكر أنَّ للمضافات الغذائية ضوابط معينة وقوانين تحكم استخدامها وتحدّد الكميّات المسموح بها، ففي حال زيادة كميّتها عن الحدود المسموح بها فإنّها قد تؤدي إلى مضاعفات صحيّة خطيرة، لذا تضع منظمات الأغذية القوانين الخاصة بالمضافات الغذائية، ففي الولايات المتحدة الامريكية مثلًا لا يمكن استخدام أيّة مادة مضافة غذائية إلا بعد موافقة إدارة الاغذية والأدوية FDA التي تعدّ الجهة المسؤولة عن إعطاء الموافقة على استخدامها وتحديد الكميات المسموح بها منها. ويعمل العلماء جاهدين على دراسة تأثيرات المضافات الغذائية.

المصادر: 

هنا

هنا

 

الدراسات المرجعية: 

هنا

هنا