الطب > سلسلة الصدمات

الصدمة الإنتانية

يعرّف الإنتان sepsis بأنه خروج استجابة الجسم عن السيطرة للإصابة بعدوى شديدة؛ وهي استجابة جهازيّة لوجود العضويّات الممرضة أو مفرزاتها (كـالذيفانات) في مجرى الدم؛ إذ تتظاهر بوهن وعرواءات، وتسرّع لمعدّل ضربات القلب، وإذا استمرّت بدون معالجة ستخرّب تلك الذيفانات الأوعية الدموية الصغيرة مسببًا تسرّبًا للسوائل إلى النسج المحيطة، فيؤثر ذلك على قدرة القلب على ضخّ الدم بكميّات كافية إلى الأعضاء الحيوية.

فينخفض ضغط الدم إلى مستويات منخفضة خطيرة، وتتطور إلى حالة مهددة للحياة تُعرَف بالصّدمة الإنتانيّة*؛ إذ ترتبط الشذوذات الخلوية، والدورانيّة، والاستقلابيّة بخطر وفاة أكبر مقارنة بالإنتان وحده، ويبلغ معدّل الوفيات 20% بالنسبة للمرضى المصابين بإنتان، و 60-80% بالنسبة للمرضى الذين تطور لديهم صدمة إنتانيّة.

ولوحظ في دراسات عديدة ارتفاع خطر الإصابة بالإنتان لدى المرضى في المستشفيات، ووُجِد أن الصدمة الإنتانية تكون أشيع لدى الأفراد في طرفي العمر (صغير العمر، وكبير العمر)، ولدى المصابين بأمراض أخرى.

وأكثر الجراثيم شيوعًا المسببة للإنتان لحديثي الولادة هي العقديّات اللبنيّة (عقديّات مقيّحة من مجموعة B) إضافةً إلى الإشريكية القولونيّة E.coli، ولكنها أقلّ شيوعًا بالنسبة للأطفال؛ إذ تعدّ العقديات الرئويّة والنيسريّة السّحائيّة والعنقوديّات المذهّبة، وبالنسبة للبالغين يتطوّر الإنتان في عدوى:السبيل البولي، والتنفسي، والبطن لدى الإصابة بجراثيم عديدة منها: الإشريكية القولونيّة، والكلبسيلّا، والإمعائيّات، والزوائف الزنجارية، والمتقلّبات، والعقديّات الرئويّة، والمقيّحة، والعنقوديّات المذهّبة، ويُعدُّ كبار السن أكثر عرضة للإنتان؛ بسبب ضعف قدرتهم الفيزيولوجيّة على التصدّي لعدوى معيّنة، وبسبب إصابتهم بأمراض أخرى معظمها مؤثرة على قدرة أجسادهم على الدفاع.

و تعدّ أيضًا الإصابة الشديدة بالفيروسات والفطور وبعض الطفيليّات مصدرًا للإنتان.

باختصار؛ يمكن أن يتطور الإنتان نتيجة للإصابة بعدوى عند أي شخص؛ ولكنه أكثر شيوعًا وخطورةً لدى من يمتلك عوامل الخطورة، مثل: داء السّكري، وأمراض الجهاز البولي التناسلي، والصفراوي، والمعويّ، والأمراض التي تُضعِف الجهاز المناعي كالإيدز، واستخدام القثاطر الوريدية أو البولية لفترات طويلة؛ وابيضاض الدّم (اللوكيميا)، والاستخدام الطويل الأمد للصّادات الحيويّة، واللمفوما، وعدوى حديثة، وعمليّة جراحيّة حديثة، أو إجراء طبّي حديث، والاستخدام الحديث للستيروئيدات، وصغر العمر أو كبر العمر؛ والإصابة بجروح أو حروق، والمرض الشديد كالإقامةِ بوحدة العناية المشدّدة.

الأعراض والعلامات:

يمكن أن تؤثّر الصّدمة الإنتانيّة على أي عضو في الجسم كالقلب، أو الرئة، أو الكلية، أو الأمعاء، وليُشخَّص المريض بالصدمة الإنتانيّة يجب أن يكون لديه احتمالية، أو تأكيد الإصابة بأحد العضويات الممرضة، إضافة إلى ما يأتي من علامات:

- الحاجة إلى الأدوية للحفاظ على ضغط دموي انقباضي  مساوٍ، أو أعلى من 65 ملم زئبقي.

- كمية كبيرة من حمض اللبن في الدم، على الرغم من تلّقي المريض لكميّة السوائل المناسبة (ارتفاع قيمة حمض اللبن؛ أي عدم تلقي الخلايا كميّة مناسبة من الأكسجين).

 أعراض الصدمة الإنتانيّة: 

- برودة وشحوب الأطراف.

- حرارة مرتفعة، أو منخفضة مرافقةً لها  قشعريرة.

- الدوخة.

- انخفاض في ضغط الدّم خصوصًا عند الوقوف.

- انخفاض، أو انعدام النتاج البولي.

- خفقان القلب.

- زيادة في معدل ضربات القلب.

- تهيّج وتخليط وتململ ونُوام.

- ضيق التنفّس.

- طفح جلدي، أو تغيّر في لون الجلد.

المضاعفات:

قد تنتهي الصدمة الإنتانية بقصور الجهاز التنفسي، وعدم قدرة القلب على ضخّ الدم الكافي إلى الجسم، إضافة إلى الأذية أو الفشل الكلوي، ويمكن أن تتشكل خثرات دموية في الذراعين، والساقين، وأصابع اليدين والقدمين؛ ما يسبب ضررًا نسيجي قد يؤدي إلى تموُّت (غنغرينة). 

التشخيص:

يُجرى اختبارات عديدة دموية مخبريّة للبحث في: وجود دليل على العدوى، ومشكلات تخثريّة في الدّم، وتوافر حيوي ضعيف للأكسجين، واضطراب توازن شوارد الدّم، واضطراب في التوازن الأساسي-الحمضي في الدّم، وعسر/ فشل وظيفة عضو معيّن.

وقد يُجرى أيضًا بالاعتماد على الأعراض:

فحص البول: للبحث عن عدوى السبيل البولي.

فحص مفرزات الجّرح: إذا أصيب الجرح بعدوى معينة، تُفحص المفرزات لتحديدها.

فحص المفرزات التنفّسيّة: إذا كان سعال المريض مخاطيًّا يُفحص المخاط لتحديد هويّة الجرثومة المسبّبة للعدوى، إضافةّ إلى الإجراءات التصويريّة: كـصورة شعاعيّة بسيطة: إذ تظهر الإصابة بذات الرئة، أو وذمة رئويّة، وتصوير مقطعي محوسب: تجعل رؤية التهاب الزائدة الدوديّة، أو البنكرياس أكثر سهولة، وتصوير بالأمواج فوق الصوتية: للبحث عن عدوى المرارة والمبايض، والتصوير بالمرنان المغناطيسي MRI: للكشف عن عدوى النسج الرخوة.

العلاج:

 التشخيص المبكّر والعلاج الفوري مفتاح أساسي لعلاج الصّدمة الإنتانيّة؛ إذ تعد حالة إسعافيّة يجب علاجها فورًا، وتستدعي إدخال المريض إلى وحدة العناية المشددة والمراقبة الدائمة؛ إذ تُنفَّذ الإجراءات المناسبة لإنقاذ الحياة من تثبيت وتصحيح لوظيفة القلب والتنفّس، ويشمل العلاج:

صادّات حيويّة: إذ تُعطى وريديًّا، وقد تُغيَّر بعد معرفة سبب العدوى.

سوائل وريديّة: تعطى وريديًّا مباشرةً.

مقبّضات وعائيّة: ذكر سابقًا، إن بقي ضغط الدم منخفضًا حتى بعد تلقّي كمية السوائل المناسبة، حينها يعطى المريض هذه الأدوية لرفع ضغط دمه، إضافة إلى رعاية داعمة تتضمّن التزويد بالأكسجين، وتبعًا لحالة المريض فقد يتطلّب استخدام أجهزة التنّفس، وغسيل الكلى إذا كانت متضرّرة نتيجة الإصابة.

وقد يحتاج المريض لعمليّة جراحيّة لاستئصال مصدر العدوى، كالخرّاجات أو الغنغرينا (الأنسجة المتموتة)، أو النسج المصابة. 

وقد يستخدم أيضًا جرعات منخفضة من الستيروئيدات القشرية، والأنسولين؛ للمحافظة على مستويات سكّر الدّم إضافة إلى المسكنّات والمهدّئات، وهناك أدوية جديدة تعدّل من الاستجابة المناعية؛ إذ يكون لها أهميَّة في تخفيف الضرر العضوي.

الوقاية: 

إضافة إلى التشخيص السريع، والعلاج الفوري، يعدّ التلقيح ضدّ العوامل الممرضة عاملًا أساسيًّا في الوقاية؛ إذ وجدت دراسة من مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC بأن أكثر الإصابات شيوعًا ذات الرئة؛ لذلك يُعدُّ التلقيح عاملًا أساسيًّا لتجنّب الإصابة.

وتبين أن نسبة عالية من المرضى المصابين بالإنتان هم مرضى المشافي أو المرضى الذين زاروا مركزًا صحيًّا، فلابد من بذل الجهود للتقليل من العدوى المكتسبة في المشافي؛ إذ تُعدُّ هذه خطوة مهمة في سبيل تحقيق الوقاية.

*تُعرف أيضًا بـ: صدمة تجرثم الدّم، وصدمة الذيفان الداخلي، وصدمة إنتان الدّم، والصّدمة الدافئة.

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا

5-هنا

6-هنا

7-هنا