الموسيقا > موسيقيون وفنانون سوريون وعرب

مقابلة مع الفنانة لبانة القنطار ... صوت سورية العالمي

من أب متذوّق للموسيقى بالفطرة، وأُم أحبّت الغناء بالوراثة..جاءت لُبانة القنطار . المُغنية الأوبرالية الأولى في سورية والعالم العربي . ترقص لبانة على أوتار القلب، وتتراقص أوتار حنجرتها الذهبية بدورها ما بين الصوت الأوبرالي الفخم و المقامات الشرقية الأصيلة .

حين سألنا لبانة القنطار عن البدايات، أجابتنا بأنها لا تذكر مرحلة من مراحل عمرها دون وجود الغناء والموسيقى كجزء أساسي، حيث كانت الموسيقى المستحوذ الأكبر على اهتماماتها. تقول لبانة: "البدايات باكرة جداً، و هناك تسجيلات بصوتي قام بها أصدقاء للعائلة وأنا بعمر الثلاث سنوات . الغناء والموسيقى هما مكونان أساسيان في شخصيتي ".

عن تعامل عائلتها مع موهبة الابنة، تعتبر لبانة نفسها "محظوظة". "عائلتي التي لم تكتفي بـِمساندتي ودعمي في قراراتي المتعلّقة بالغناء، بل أنشأتني في منزل يقدّر الفنون بشكل عام ويعتبرها ميّزه" .

نظرة الفخر الّتي كانت تلوح بعيني والدها ما زالت لبانة تستذكرها بسعادة بالغة، تلك البسمة التي يرفقها بعبارة : "إنّها ابنتي الفنانة" .

تكمل: "أمي تعتز بأنها من أورثتني جمال الصوت ، لأنها من عائلة ( الأطرش ) وقريبة أسمهان وفريد ....كما أن أخوتي جميعا يمتلكون أصواتاً جميلة. اعتدنا في سهراتنا العائلية على الغناء كفرقه أنا وإخوتي وخصوصا شقيقي مازن الذي تعلّم عزف العود بمفرده، كذلك شقيقتي إيناس التي تهوى الغناء لفيروز، و شقيقي يزن ( صاحب الصوت الشبيه بـ جورج وسوف) .

استمر دعم العائلة و تشجيعها، دفعتني للسفر بهدف إكمال التحصيل العلمي في أوربّا، الأمر الذي عزّز لدي ذلك الشعور بالتماهي مع الموسيقى، وجعل ثقتي بقرار اختيار الغناء كمهنة أمراً أكثر منطقية ".

ولأن هاجس الغناء رافقها دوماً وهي صاحبة الصوت الشبيه بجوهرة لم تُكتشف بعد، تتالت العروض لإنتاج أعمال غنائيه، لكنّها ببساطة لم ترى نفسها في أيّ منها .

إلى أن جاء اليوم الذي شكّل نقطة تحول في حياة لبانة القنطار، ومدخلاً إلى عوالمها المفضّلة، كان ذلك حين أخبرها حميد البصري الأستاذ في المعهد العالي للموسيقى عن افتتاح المعهد قسماً للغناء الأوبرالي، مشجّعاً إياها على التقديم لامتحان القبول، ومساعداً إيّاها في التحضير من خلال تعليمها مبادئ القراءة الموسيقية ( الصولفيج ) ولتبدأ معها رحلة الدراسة التي شكّلت إحدى أكثر المراحل إمتاعاً في حياتها كما تصفها لبانة نفسها، حيث وجدت نفسها في الميدان المناسب الذي سمح لها بالتعمق في الدراسة بشكل أكاديمي، والتي ساهمت في تشذيب مقدراتها الصوتية، بشكل أبهر لجنة الامتحانات في السنة الأولى. الأمر الذي دعا الموسيقار صلحي الوادي إلى دعوة الشابة في سنتها الأولى إلى الانضمام إلى الفرقة السيمفونية الوطنية .

في سؤالنا للبانة القنطار عن ومضات مهمّة من مسيرتها القصيرة زمنياً من جهة، و الزاخمة بإنجازات موسيقية مبهرة من جهة أخرى، أشارت في البدء إلى أولى مشاركاتها الغنائية "مع الفرقه السمفونيه الوطنيه بقيادة صلحي الوادي ولأول مرة في سورية" . تقول لبانة القنطار : "هي لحظات مؤثّرة بالنسبة لي. كنت أعي تماماً هذه المسؤولية وأريد لهذه الخطوة أن يكتب لها النجاح، انطلاقاً من إيماني بأن الموسيقى الكلاسيكية والغناء هما من أعظم ما تركه التراث الإنساني من إبداع ولا يجوز لنا أن نكون بمعزل عنه، كما كنت فخوره لأنّني كنت جزءاً من هذا التحول ومن المساهمين فيه" .

منعطف آخر هام في إنجازات لبانة القنطار يتجلّى في أول عمل أوبّرالي قدّمته في تاريخ سورية، ولنا أن نتخيل عظمة هكذا إنجاز إنطلاقاً من كونها الخطوة الأولى كذلك من أهمية العمل المقدّم وهو ( دايدو واينياس ) للمؤلف الانكليزي "هنري بورسيل" والّذي حقّق نجاحاً مبهراً خصوصاً في عروضه على مسرح بصرى العظيم. كان هذا العمل فرصة ذهبية أدت إلى ترشيح الفريق الانكليزي المشرف على العمل للبانة للحصول على منحة دراسية في الكلّية الملكية البريطانية .

عن هذا المنعطف الهام في إكمال الدراسة خارجاً تصف لبانة القنطار تلك الفترة في حياتها المهنية قائلةً : " تعرفت على مطربين و أساتذة من مدارس مختلفة، كما أتيح لي مشاهدة الكثير من العروض للمرّة الاولى على أهم المسارح ودور الأوبرا في انكلترا، إضافةً إلى ذلك عملت مع أهم مغنّي الأوبرا من خلال ورشات العمل والدراسة مثل Sara Walker ".

عام 1996 كان عاماً هاماً و مؤثّراً على المغنية لبانة القنطار حيث شاركت بالتشجيع من الأستاذ صلحي الوادي في مسابقة بلغراد. تصف لبانة القنطار شعور الرهبة الذي تملّكها حين همّت بالإقدام على هكذا مسابقة للغناء الأوبرالي على مستوى العالم. فهي في هذه اللحظة تمثّل سورية. الرهبة تبدّدت لاحقاً فرحاً غامراً حين حصلت جائزتين الأولى وفق اختيار الجمهور ، والرابعة في اختيار اللجنة. "كانت مشاعري لا تُوصف لأنّ خبرتي لا تتجاوز الأربع سنوات في دراسة الغناء ورغم ذلك استطعت التفوق على مغنّين أوروبيين تُعتبر الأوبرا جزءاً من ثقافتهم وموسيقاهم " .

محطة أخرى مهمّة حين قرّرت الانتقال إلى أوروبا للدراسة ( هولندا ) ليأتي بعدها ترشيحها من قبل استاذتها maysrta Mya Bessilink للمشاركة في أهم مسابقه للغناء الأوبرالي في أوروبا وهي مسابقة (الملكه اليزابيث )في بروكسل والّتي تُقام كل ٤ سنوات ولجنة التحكيم مكونة من أساطير الغناء الأوبرالي وقيادة الاوركسترا في القرن العشرين ". Joan Satherland "Martina Aroio" leonten Prize. حصلت حينها المغنّية لبانة القنطار على الجائزة الخامسة من بين ٣٠٠ متسابق وأمام هذه اللجنة كان بمثابة انعطاف كبير في حياتها المهنية والعملية.

فيديو تسلّم الجائزة

أين تكمن صعوبة قوة الأداء الغنائي الأوبرالي وهل يحتاج إلى تدريب معقد أكثر من بقية انواع الغناء؟! سؤال قد يخطر على بال الكثيرين ممن ليس لهم علم أو خبرة في الأوبرا، ليأتي الجواب من لبانة بسلاسة : "تكمن الصعوبة أثناء الغناء في الحفاظ على الوضعية الصحيحة لكل المكوّنات التي تساهم في إخراج الصوت والرنين طوال فترة الغناء، وفي جميع الأحرف الصوتية ليتم دمجها لاحقاً بشكل انسيابي مرن مع توضيح كامل للغة التي تغني بها ، ولجعل هذا ممكناً يجب أن تكون متقناً لآلية التّنفس المعتمدة على الحجاب الحاجز وعضلات منطقة البطن السفلية لتشكل قوة طبيعيه لدفع الصوت وإحداث الرنين الصحيح في الصدر وفي الرأس بعيداً عن التشنج ، لأن أي خلل في توازن هذه العملية يحدث تعباً وضغطاً على الحبال الصوتية .

هي قدرة على استعمال الجسم كآلة من حيث التقنية وكروح من حيث الأداء .. وبعد تمكن المغني من امتلاك أدواته ، كاللغة ، التّنفس ، عدم التشنج ، الوضعية الصحيحة للفم ونطق الأحرف ، والرنين للأحرف الصوتية يأتي التمثيل على المسرح للشخصية ، والقدرة على المتابعة الغنائية مع الاوركسترا " .

قد يجيد الكثير مِنّا الغناء، إلّا أن الخوض في عالم الغناء الأوبرالي شيء مختلف تماماً . عن هذا الأمر توضّح لبانة القنطار بقولها : "كثير من المغنيين اللذين التقيت بهم أو قمت بتدريسهم ، امتلكوا الصوت والتقنية ولكن ليس لديهم المقدرة على التمثيل والإقناع بالشخصية التي عليهم تقديمها ، أو لديهم الصوت والتقنية وليس لديهم الإحساس الموسيقي أو قدرة متابعة الريتم (الإيقاع ) مع الاوركسترا ، أو لديهم الصوت الرائع ولم يستطيعوا فهم آلية الغناء والتنفس، كما هنالك الّذين لديهم صوت متواضع ولكن يغنّون بطريقه صحيحة وتنفس صحيح وحضورهم على المسرح وإمكانياتهم في التمثيل جيّده. خلاصة الأمر أن لِكل شخص نقاط ضعف ونقاط قوه يعمل المدّرس عليها من خلال التدريب، وهنا الأمر عرضة للنجاح أو الإخفاق، هذا يعتمد على العوامل جميعها الّتي ذكرتها وأهم من ذلك قدرة الطالب نفسه على تبني المعلومة وتطبيقها وفهمها" .

التخصّص في الغناء الأوبرالي يتضمن تخصصاً في التمثيل والرقص مما يجعل العبء أثقل على الفنان . متى تجدين متعه أكبر في الغناء وحده أم بالغناء مع العناصر الأخرى للاداء الأوبرالي ؟

. أجابت لبانة القنطار : "كما ذكرت سابقا أن مغني الأوبرا هو ليس مغنياً فقط إنما مغنياً يغني " الأوبرا " لأن مجموعه الإعمال الغنائية هي مقاطع من عمل أوبرالي مسرحي .. لها موضوع وقصه وحبكة درامية وشخصيات تتفاعل مع بعضها البعض ... فإذا اجتزأت القسم الدرامي المسرحي من عملي كمغنيه ،أكون قد قدمته بشكل منقوص، لذلك حتى لو قدمت الأعمال الغنائية على شكل مقطوعات من أوبرا يحاول المغني وضع الجمهور في حالة الشخصية التي يغنيها قدر المستطاع . أما بالنسبة لي فكانت احد أغنى اللحظات في حياتي عندما كنت أغني وأمثّل في آن معاً وكان ذلك في دور Violetta في أوبرا la traviata للمؤلّف الايطالي الشهير :Verdi على مسرح Bremen Theater في ألمانيا ، شعور بالتماهي مع الموسيقى والحدث والشخصية والمؤلّف وكاتب الكلمات وكل من حولك لتجسيد لحظه إبداعيه فنيه متكاملة الشروط ".

مقطع من أوبرا la traviata

قد يتساءل كثيرون من محبي الأوبرا: هل كل من يغنّي الأوبرا يتكلم اللغة التي يغني بها ؟

تقول لبانة: "ليس من الضروري إتقان التحدث باللغة ولكن الضروري جدا أن يكون اللفظ واضحاً وصحيحًا بدون تغيير وقع اللغة على الأذن ( بدون أكسينت ) لذلك من أهم صفوف التدريس للغناء الأوبرالي هو diction للغات وأهمها ، الإيطالية ، الألمانية ، الروسية ، والفرنسية . ومن أحد أهم الأسباب في فشل الكثير من المغنيين في العمل هو عدم وضوح اللغة التي يغنون بها .. لأنهم أسقطوا أحد أهم العوامل للعمل الدرامي الغنائي وهو اللغة" .

أما عن أعمالها الأوبرالية المفضّل، و لونها الغنائي العربي المفضل . فالمغنّية لبانة القنطار تحب الأعمال الأوبراليه التي كتبها المؤلف الإيطالي Jiacomo Putccini مثل Maddam Butterfly ، Manon lescue ،لما تحمله من عمق درامي موسيقي كما تحب أعمال المؤلف الإيطالي Verdi وأعماله Tosca و Aida لتنوعها وغنى الجمل التعبيرية . أما أكثر الأعمال تفضيلاً لديها فهو " ملكة اللّيل" Queen of The Night من أوبرا المزمار السحري لموتسارت.

والذي ترى في غنائه تحدّياً لنفسها في إظهار المقدرات الصوتية . تصفه بقولها : "هذا الدور يعتبر من أصعب ما كتب لمغنيي السوبرانو وقد كتبه موتسارت لطبقة السوبرانو الدرامي المرن Dramatic Coloratura Soprano وهذا التصنيف للأصوات يعتبر نادراً لأنه ومع المحافظة على غنى وضخامة الصوت وطبيعته الدرامية .. هناك مقدره ومرونة في الغناء والتلوين ضمن مساحة الصوت الكبيرة " .

لبانة القنطار تغني ملكة الليل من أوبرا المزمار السحري لموتسارت

الغناء الأوبرالي جديد على الذائقه العربيه فهل لاحظت ازدياداً في العمليه التراكميه للإقبال عليه كأحد أهم فنون الأداء ؟

"طبعا كان هناك إقبال متزايد في تعاطي الجمهور مع هذا الفن . حيث أن ازدياد عدد المتقدمين للتخصص في مجال الغناء الأوبرالي كان يتضاعف كل سنة في امتحانات القبول للمعهد العالي للموسيقى . وأيضاً في حفلات الفرقة السمفونيه الوطنيه كان لفقرة الغناء الأوبرالي خصوصية وإقبال من قبل الجمهور بشكل ملحوظ .كما كنا نطالب دائما من الجمهور بعد كل عرض أن نقدم عرضا كاملا للأوبرا ويتساءلون عن مواعيد العروض القادمه. وهذا كان بازدياد في كل سنه" .

للوهلة الأولى قد يظن البعض أن المغنية الأوبرالية تفضل الإبحار فقط في عالم الأوبرا، لكن تجدر الإشارة أن للبانة القنطار الفضل في تأسيس قسم الغناء العربي في المعهد العالي للموسيقى في دمشق . تستطرد لبانة تعليقاً على ذلك . "بعد دراسة تجاوزت ال١٠ سنوات من التدريب والتعمق .. ومن خلاله ازداد النضوج الفني والرؤية الموسيقيه إضافة على أنني اكتسبت في المحصلة الصوت المدرب القادر على غناء أصعب الأعمال الغنائية لكبار المؤلفين العالميين .. وكلما وقفت على المسرح أشعر كم هي الموسيقى توحد هذا العالم حيث جعلت مني أنا ابنة السويداء وجبل العرب أتوحّد وأتماهى في الغناء وبكل جوارحي .. وفي نفس الوقت أشعر بحميمية التعبير والكلمة كلما غنيت موسيقانا وتراثنا .. كالطير المهاجر عندما يعود بكل أمان إلى عشه ووطنه حيث الدفء ... لذلك قررت أن أمزج هذه المعرفه لخدمة الغناء العربي وتكريسه كجزء هام من دراسة الموسيقى العربية من خلال تعلم أصول وقواعد الغناء العربي" .

أما عن الغناء الشرقي ، ففي سؤالنا للبانة القنطار إن كان معتمداً على الفطرة والذائقة فقط أم أن له مدرسة وقواعد، إن وضعنا في الحسبان أن التطريب يعتمد في كثير من الأحيان على الارتجال اللحظي . تجيب :

"الموسيقى العربيه والغناء قواعد وأصول يختلف إتقانها بين مغنٍ وآخر وموسيقي وآخر .. فعندما نصف الموسيقيين العمالقة مثل محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وسيدة الغناء العربي أم كلثوم بأنهم من يمثلون المرحله الحقيقية الذهبية من الموسيقى والغناء العربي ليس لأنهم موهوبون بالفطره فقط .. بل لأنهم امتلكوا أدواتهم التي مكنتهم من ترجمة أعمالهم وإبداعاتهم ...أما فيما يخص الارتجال فعلى الرغم من كونه يبدو كحاله من التأليف اللحظي .. لكنه عمليه تراكمية من الخبرة والمعرفه في الغناء وبراعه في اختيار الجمل الغنائيه، والانتقالات بين المقامات ، ليس كل من يقرأ النوطة الموسيقيه هو موهوب وليس كل من لا يقرأ النوطة والنص الموسيقي هو جاهل أو قليل الموهبه .. لنكن واضحين حول هذا الامر .. الدراسة هي التي تصقل الموهبه ،وتسد الثغرات المعرفيه ، وتنمي عند صاحب الموهبه القدرة على احتواء موهبته وتطويرها وتعمق رؤيته الإبداعية" .

من المعروف أن الغناء العربي ليس واحدا في المنطقه العربيه ، فهو يختلف بالأسلوب والطابع من دولة إلى أخرى فهل هذه القواعد جامعه لكل الاساليب وما مدى مرونتها بحيث تحافظ على خصوصية كل لون ؟

"تختلف أساليب الغناء من بلد لآخر حسب الموروث الشعبي والبيئي وعبر تأثره واكتسابه من موسيقى الشعوب المجاورة . التعبير عن المعاني في اللغة هي هدف الملحن في الأسلوب التعبيري، أما جماليات الغناء فلا يجب أن يعلو صوتها على صوت المعاني المراد توصيلها، ويكفي منها القدر الذي يضمن للتأليف الفني أن يكون ضمن ألوان الغناء، وليس مجرد خطابه أو إلقاء تمثيلي" .

وفي عودة إلى الغناء الأوبرالي، تعريجاً على مدارسه و أساليبه وفي معرض السؤال عن مدى اختلاف الأوبرا باختلاف المرحلة التاريخية الموسيقية . تخبرنا لبانة عن تطور الأوبرا بقولها :"تطورت الأوبرا تاريخيّاً انطلاقاً من المدائحيّات، بدعم ومبادره من الكنيسة الغربيّة مهمتها إقامة جوقة دينية من المؤلفات التي تنشدها هذه المجموعة وكانت أحياناً متعددة الالحان وبمرافقة مجاميع غنائيه ( كورال ) ولإضفاء نوع من التأثير المسرحي انتقل أداؤها إلى باحات الكنائس ثم إلى الساحات وفي القرن الخامس عشر ظهرت المنصة بظهور التمثيليات الدينية . …يمكن أن نعتبر المدائحيات على أنها أول أشكال المسرح الموسيقي، الذي تحول إلى "أوراتوريو" (ابتهالية) وإلى "أوبرا" (مغناة) ويمكن القول بأنها مقدمه للأوبرا ولكن ذات موضوع ديني تقدم في الكنيسة عوضاً عن المسرح أما في البلاط وقصور النبلاء في القرن الخامس عشر والسادس عشر فقد ظهرت عروض تتميز بالثياب الفاخرة وعجائب الديكور الذي لا يتعلق بالرسم وحسب بل بالنحت والهندسة، وبفواصل موسيقية، وقد ساهم أعظم فناني العصر كـ "رافائيل" و"برامانته" و"اريوسته" بتنفيذ الديكورات، كما كانت ألوان الأزياء تختار بعناية (على الأغلب فاتحة) كما كانت هناك تعاليم للحركة على المنصة وتعاليم النطق واللفظ والإضاءة المناسبة واستخدام المرايا، كما واستخدمت أوركسترا موسيقية ودرست علاقات دخولها مع الكلام أثناء العرض المسرحي.

وتعتبر المسرحية الأوبرالية دافني (1597) لـ:جاكوبو بيري، الأوبرا الأولى، ولكن المؤلف الأول العظيم للأوبرا كان كلاوديو مونتيفيردي (1567-1643) ما لبثت الأوبرا بعدها إلا أن انتشرت من فلورنسا، البندقية وروما... من إيطاليا إلى بقية أرجاء أوروبا: شوتز في ألمانيا، لولي في فرنسا، وبورسيل في إنكلترا، كل هؤلاء ساعدوا في إنشاء التاريخ الموسيقي الوطني على أية حال، وفي القرن الثامن عشر، استمرت سيطرة الأوبرا الإيطالية على معظم أرجاء أوروبا.

وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان موتسارت من أكثر الشخصيات تأثيرًا على الأوبرا آنذاك، ابتدأ موتسارت بأوبرا سيريا، ولكنه اشتهر بمسرحياته الأوبرالية الكوميدية الإيطالية، خصوصًا زواج فيغارو، دون جيوفاني. أوبرا المزمار السحري تعد من أشهر أعمال موتسارت وتعد أيضًا من العلامات الواضحة للتاريخ الألماني في الموسيقى.

كان القرن التاسع عشر ذروة أسلوب بل كانتو مع ملحنين أمثال، جواكينو روسيني، غيتانيو دونيزيتي، تعتبر أواسط القرن التاسع عشر إلى أواخره العصر الذهبي للأوبرا، حيث كان فاغنر في ألمانيا وفيردي في إيطاليا. استمر هذا العصر الذهبي خلال حقبة (الفيريزمو )في إيطاليا مرورًا بالأوبرا الفرنسية وعبورًا إلى بوتشيني وريتشارد شتراوس في مطلع القرن العشرين. في ذلك الأوان، ولدت طرق أوبرالية جديدة في أواسط وشرق أوروبا، تحديدًا في روسيا وبوهيميا. شهد حينها القرن العشرين تجارب عديدةً للأوبرا مع أساليب جديدة لملحنين أمثال شوينبيرغ وبيرغ، سترافينسكي، وفيليب غلاس " .

عن فرقة الغناء العربي التي أسستها حدّثتنا لبانة فقالت : "كنت قد قمت بتعليم الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقى لعدة سنوات ومن خلال استماعي للأصوات التي كانت تتوافد على القسم وجدت أن هناك العديد منهم لا يملك هذا الشغف ليكون مغني أوبرا وإنما لعدم توفر مدرسه لتعليم الغناء العربي التحقوا بقسم الأوبرا ... هذا المبدأ رفضته تماماً، لذلك كان إنشاء قسم تعليم أصول الغناء العربي واجباً وضرورةً في المعهد العالي للموسيقى، وكانت النتائج مبهرة حقيقة حيث لمع العديد من الفنانين من خلال هذا القسم ومنذ افتتاحه مثل ليندا بيطار ، أيهم أبو عمار ، ميس حرب ، بيان رضا ، سومر نجار ، شذى الحايك، إيناس لطوف ، همسة منيف ، ريبال الخضري، عبد الهادي الصباغ. لذلك كان لا بد من خلق تجمع غنائي يظهر هذه الطاقات الفنيه الغنائيه وعدم حسرها ضمن نشاطات وامتحانات المعهد العالي فقط ، لذلك كانت فرقة الغناء العربي بمساعدة الموسيقي وعازف العود الاستاذ كمال سكيكر الذي كان الموسيقي الفاعل في توزيع وتدريب وقيادة الفرقه ويعتبر من الموسيقيين المهمين اللذين لمعوا أيضاً من خلال هذه الفرقه" .

أما عن إمكانية جمع الأسلوبين الغنائيين الشرقي والأوبرالي في عمل واحد . تجد لبانة "في ذلك نوع من إضافة بعد درامي تعبيري جديد لكلا النوعين من الغناء ويحدث الآن في عالم الموسيقى الكثير من التحولات والتجارب التي تنطوي ضمن هذا السياق. ومثال على ذلك بافاروتي حيث قدّم العديد من عروضه مع مغني البوب أو الجاز في حفلات كبيرة و يتم التوزيع الموسيقي للاوركسترا ودمج فرقة الجاز أو البوب ضمن التشكيل الاوركسترالي. ومن حيث الغناء هناك تجارب ناجحة ومميزه كانت قد أغنت المكتبة العربية الموسيقية مثل أغنية يا طيور للملحن محمد القصبجي وغناء أسمهان والتي استطاعت أن تغير صوتها تارة لتستخدم الصوت المستعار مقلدة صوت الطيور وتارة لترجع لغناء الحنجرة المستخدم في باقي الأغنية وأيضا أغنية أنا قلبي دليلي لليلى مراد والتي كان الكورال فيها يصدح بشكل جماعي مضيفاً للأغنيه تعبيراً عن حالة جمعيه تخدم موضوع الاغنية ... ووظف بشكل جميل " .

لبانة القنطار تغني "يا طيور"

عند سؤالنا عن وضع الغناء العربي في ظل الدعم الإعلامي المريع للإسفاف الفني وعدم وجود مؤسسات كافية لدعم الموسيقى ذات المحتوى الفني والإبداعي الجميل. علّقت لبانة القنطار بقولها : "أجد الوضع خطيراً جداً وقد بدأ الانحدار حقيقة منذ زمن ونحن نحصد النتائج الآن ... وكما تفضلت إنه زمن الإسفاف الفني ... لطالما عملت على تبنيه والترويج له جهات تتحمل المسؤولية الكاملة أمام التاريخ بأنها السبب وبأنها المسبب لذلك ... وليس صحيحاً انه لا يوجد جهات مؤسساتية بل على العكس هذه المؤسسات لها اليد الاولى في تردي الحالة الفنية بشكل عام وهذا لا ينطبق فقط على الموسيقى والغناء ... لقد غيبت هذه المؤسسات الاعمال المهنية الجدّية عن الساحة الفنيه وهمشتها .... لم تعطهم الدعم المعنوي أو الاعلامي أو المادي بل كانت في بعض الاحيان عقبة حقيقية أمام تقدمهم ... مع العلم وللامانة ومن خلال عملي كأستاذه للغناء بأن المواهب الجديه الحقيقية كثيرة ومهمة جداً لذلك يجب أن تكون المرحلة القادمة هي مرحلة للبناء ولإعادة الألق لهويتنا الفنية الغنية والمتنوعة"

من المعروف أن أعداد المقبولين في المعهد العالي للموسيقى في دمشق دائماً قليلة جداً، فهل ترين أن هذا أمر إيجابي أم أنه يحرم كثيراً من المواهب من فرصة التخصص الموسيقي؟

هذا صحيح وذلك لأسباب عدة منها أنه في كل سنة دراسية يفتح صف دراسي واحد يكون مجموع طلابه لا يتجاوز الأربعين طالباً ... تحاول اللجنة اختيار المتميزين من جميع الاختصاصات وتوزيعها على هذا العدد ، أو مثلاً لقلة عدد الاساتذة لبعض المواد ... لذلك وبعد مناقشات لهذا الموضوع ارتأينا أن يفتح صف إضافي تحضيري للطلاب اللذين لم يسعفهم الحظ في امتحانات القبول وتخصيص أساتذة للعمل معهم وتحضيرهم للسنة القادمة بالشكل المطلوب.

عند السؤال عن أحلام حقّقتها وأحلام ما زالت قيد التنفيذ تقول لبانة القنطار :

" كان لدي أحلام كثيرة تتكسر تباعاً وطوال فترة وجودي في سورية وقبل الحرب والأحداث الجارية ... للأسف هناك عوامل عديدة تمنعك من تحقيق أحلامك على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام "

وحين سألناها عن نيّتها في العودة لسورية في حال توقف نزيف الدم لتشارك في إعادة البناء ،بدت حماستها ونيّتها على العودة "سورية بحاجه لابنائها في جميع المجالات وهذا واجب علينا جميعاً ... وأتمنى لذلك الحين أن نكون قد تعلمنا من أخطائنا ونعي أن سورية الجديدة سيبنيها أبناؤها الشرفاء وستبقى منارة للثقافة والعلم وبوابة التاريخ كما كانت.

فريق مبادرة الباحثون السوريون يشكر الفنانة لبانة قنطار على الوقت الذي خصصته لهذه المقابلة

نترككم مع بعض من أجمل ما غنته لبانة القنطار من الأوبرا والغناء العربي

سليمى

موشح ملا الكاسات

Rusalka للمؤلف دفوراك

Con onor muore

مادام تحب بتنكر ليه

ليت للبراق عيناً

Le spectre de la rose للمؤلف بريليوز