التوعية الجنسية > الصحة الجنسية والإنجابية

هل يؤثر ما ترتديه في تعداد النطاف لديك؟

تُعدُّ قضية الإنجاب والخصوبة من القضايا المحورية في حياة كثيرٍ من الناس، ومن الجدير الانتباه لأنَّ أمراض الرجال تتساوى -نسبةً في إحداث العقم- مع أمراض النساء؛ إذ يؤدي تركيز الحيوانات المنوية وعددها وحركتها عند الرجال عاملًا مهمًّا في تحديد فرص الإنجاب. وليس من السهل دائمًا تحديدُ سبب انخفاض عدد الحيوانات المنوية لدى الفرد، فربما يرجع السبب إلى نمط حياة الشخص (مثل الاستهلاك المفرط للكحول أو التدخين)، أو عدم التوازن الهرموني، أو لأسباب وراثية أو عمرية. 

ولكن، هل يمكن أن يكون لملابس الرجل دورٌ في ذلك؟

توصلت دراسة طبية نُشرت في أيلول 2018 إلى أنَّ نوعية الملابس الداخلية لدى الرجال لديها تأثير في صحتهم الإنجابية. وبحسب الدراسة، فإنَّ الرجال الذين يرتدون السراويلَ الداخلية الواسعة والمعروفة باسم " البوكسر" يملكون تركيزًا أعلى للحيوانات المنوية مقارنةً مع الرجال الذين يرتدون الملابسَ الداخلية الضيقة.

 وتشير نتائج هذه الدراسة -التي أُجريت في عيادة الخصوبة بمستشفى ماساتشوستس العام- إلى أنَّ بعض أنماط الملابس الداخلية قد يكون لها تأثيرٌ في صحة الرجل الإنجابية عن طريق التأثير في الخصيتين.

كيف جُمعَت العينات في هذ الدراسة؟

 جمع الباحثون 656 عينةٍ من السائل المنوي لأزواج كانوا يبحثون عن علاج للعقم في الفترة بين عامي 2000 و2017م، وكان جميع المشاركين بين سن 18-56 ويتمتعون بصحة جيدة دون سوابق جراحية لقطع الأسهرين، وعمدَ الباحثون إلى سحب عيناتٍ من الدم والسائل المنوي وسألوهم ما إذا كانوا يرتدون الملابسَ الداخلية الضيقة أم الواسعة، أو أنَّهم لا يرتدون ملابسَ داخلية على الإطلاق؟

ما الأساس الذي اعتمدت عليه الدراسة؟

تتطلب الحيوانات المنوية ظروفًا خاصة؛ تتمثل بدرجة حرارة أقل من درجة حرارة الجسم من أجل أن تنمو على نحو صحيح، ولهذا توجد الخصيتان خارج الجسم في كيس الصفن الذي يحافظ على درجة حرارتهم مهما ارتفعت درجةُ حرارة الجسم، بحيث يقرِّب الخصيتين من الجسم عندما يكون الطقس باردًا جدًّا ويبعدهما عندما يكون الطقس حارًا جدًّا. واعتمدت الدراسة على هذا الأساس؛ فالملابس الداخلية الضيقة تسبب ارتفاعَ درجة الحرارة مما يؤثر في الحيوانات المنوية، في حين لا تسبب الملابس الداخلية الواسعة احتباسَ الحرارة وزيادتها.

ماذا أظهرت النتائج؟

أظهرت النتائج أنَّ أكثر من نصف المشاركين (53%) يرتدون الملابسَ الداخلية الواسعة "البوكسر" وكانت هذه المجموعة تتمتع بتركيزٍ أعلى للنطاف في السائل المنوي وعددٍ أكبر، إضافة إلى تركيز أقل للهرمون الحاث للجريب (FSH) عند هؤلاء المشاركين؛ وهو هرمون يشير إلى أنَّ الجسم الذكري يحاول التراجعَ عن الضرر من التعرض لدرجات حرارة مرتفعة للغاية. إذ كانت عينات السائل المنوي لدى الرجال الذين يرتدون "الملابسَ الداخلية الفضفاضة" أعلى نسبةً في تركيز الحيوانات المنوية بمعدل 25% مقارنةً مع الرجال الذين يرتدون الملابسَ الداخلية الضيقة. إضافة إلى ذلك، كان عدد الحيوانات المنوية أكثر بنسبة 17%، ونسبة الحيوانات المنوية الحية التي تتحرك بنشاط أكثر بـ 33% في كلِّ عينة من القذف.

وقد حلَّل الباحثون عيناتِ دم من قرابة 300 شخصٍ من المشاركين، ووجدوا أنَّ الرجال الذين يرتدون "البوكسر" يملكون مستوياتٍ منخفضة للهرمون المنشط للجريب المعروف بـ (FSH) بنسبة 14% مقارنةً مع الرجال الذي لم يرتدوه.

الجدير بالذكر أنَّ (FSH) يؤدي دورًا مهمًّا في خصوبة الذكور بتنشيطه لعملية تصنُّع النطاف وتمايزها وهو ما فسره الباحثون بأنَّ الجسم لديه آليةٌ خاصة لتعويض النقص الدائم في عدد الحيوانات المنوية وتركيزها نتيجةَ ارتداء الملابس الداخلية الضيقة عن طريق زيادة إنتاج هذا الهرمون المؤثر في الخصوبة.

إذًا؛ هل هذه الدراسة كافية؟

على الرغم من النتائج المقنعة ودقة هذه الدراسة التي تنبع من حجم العينة الكبيرة ومعايرة النتائج بحسب المتغيرات العديدة التي جُمعت من قبل المشاركين وتقييم الوظيفة الخصيوية على نحو واسع؛ فإنَّ هذه الدراسة لديها عديدٌ من العيوب:

أولًا: نظرًا لأنَّ الدراسة شملت فقط الرجالَ من الأزواج الباحثين عن علاج للخصوبة؛ فقد لا يكون من الممكن تعميمُ النتائج على الرجال من عموم الناس. ومع ذلك، كانت نوعية السائل المنوي للرجال في هذه الدراسة جيدةً مقارنة بالمعايير المرجعية الدولية حسب منظمة الصحة العالمية.

ثانيًا: كما هو الحال بالنسبة إلى جميع الدراسات التي تستند إلى استبيانات يكون حلُّها على مسؤولية المشارك؛ فإنَّ الخطأ في القياس يمثل مصدرَ قلق.

ولكن، وعلى الرغم من أنَّ الباحثين ليسوا على دراية بدراسات تتحقق من صحة نوع الملابس الداخلية المبلَّغ عنها ذاتيًّا؛ فليس لديهم أيُّ سبب للاعتقاد بأنَّ هذا السلوك سيُبلَّغ عنه على نحو غير صحيح من قبل الرجال.

ثالثًا: لم يقتصر أخذُ عينات الدم على وقت الصباح؛ ونتيجةً لذلك، فقد فات الدراسة الارتباطَ مع هرمون التستوستيرون أو الهرمونات الأخرى ذات التباين اليومي الكبير على الرغم من التعديل الإحصائي لوقت سحب الدم.

أخيرًا، لا يزال الإرباك المتبقي ممكنًا بسبب نقص المعلومات عن أنماط الحياة الأخرى القابلة للتعديل التي يمكن أن تغير حرارةَ الصفن أيضًا، فالدراسة تجاهلت عديدًا من العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في إنتاج الحيوانات المنوية، مثل نوعية قماش الملابس الداخلية وحتى الخارجية؛ فماذا عن لبس جينز ضيق جدًّا فوق لباس داخلي فضفاض؟ ناهيك عن الحصول على معلومات إضافية أكثر دقة عن سلوك كلِّ مريض مشمول في الدراسة.

وخلُصت هذه الدراسة إلى أنَّ الملابس الداخلية الضيقة تسبب أذيةً للخصيتين عن طريق الحرارة، ومن ثمَّ تُنقص من عدد الحيوانات المنوية وتركيزها؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الهرمون الموجه للأقناد الذي يرفع بدوره من الهرمون الحاث للجريب على نحو ثانوي.

وما نزال بحاجة إلى دراسات أخرى على جمهرات بشرية مختلفة للتحقق من تلك النتيجة..

المصدر: هنا