العمارة والتشييد > التصميم المعماري

تاريخ بناء الجسور الخشبية والحجرية

أكثر المواد استخدامًا في إنشاء الجسور هي الخشب والحجر والحديد والبيتون المسلح. دعونا نتحدث في جزئنا هذا عن أقدم هذه المواد؛ الحجر والخشب.

الجسور الخشبية والحجرية:

يُعد الخشب مادةً ضعيفةً على أحمال الشدِّ والضغط، ولكنَّه منتشرٌ على نطاق واسع، وهناك أبحاثٌ مستمرةٌ لتقويته لينافس الحديد، ويُستخدَم الخشب حاليًّا في الجسور التي تحمل حمولاتٍ خفيفة.

أما الحجر فيُعَدُّ مادةً قويةً جدًّا على الضغط وضعيفةً على الشد ويستخدم في الجسور القوسية وفي ركائز الجسور.

العصور القديمة:

بُنيت العديد من الجسور قديمًا والتي اندثرت لاحقًا، مثل جسر "قيصر" الذي بُني على نهر الرين منذ 50 سنة قبل الميلاد، ويُعدُّ أحد أكبر الجسور الأولى التي بنيت في العالم. وما تزال بعض الجسور قائمةً حتى اليوم مثل جسر Kapellbrücke في لورانس الذي بني في الفترة ما بين 1300 و1330.

كانت الجسور في العصور القديمة بسيطةً وغير مكلفة لأنَّ المواد التي صُنعت منها كانت متوفرة بكثرة، وكانت تُشيَّد على يد العمال والجنود، وتُعلَّق على نحوٍ بسيط و تحت أحمالٍ قليلة.

تدعى أحد أشهر طرق تشييد الجسور -التي ما زالت معروفةً حتى الآن- clapper bridges؛ وهي بلاطاتٌ نحيلةٌ وطويلة تستند على ركائز من الصخور الضخمة، وقد انتشرت هذه الطريقة كثيرًا في الصين.

ويُعَدُّ جسر بوست في ديفون إنكلترا مثالًا عن هذا النوع من الجسور.

عهد الرومان:

تكوَّنت معظم الجسور التي بنيت في عهد الرومان من جائزٍ بسيطٍ مصنوعٍ من أخشاب الشجر الساقطة التي ترتكز على ركائز خشبية مكومة، ويُعَدُّ جسر "بونس سوبليشس" أحد  أكثر الجسور القديمة المعروفة المسجلَّة في عهد الرومانيين، وقد بُني بين عامي 616 و660 قبل الميلاد في عهد أنكس ماركوس؛ الملك الرابع في روما. ونجا هذا الجسر عن طريق عدة تصليحات حتى وقت قسطنطين في الربع الأول من القرن الأول بعد الميلاد.

اكتشف الرومان قديمًا نوعًا من الإسمنت الطبيعي يدعى "بوزولانا"، واستُخدم هذا الإسمنت في صبِّ الركائز على الأنهار.

وقد استخدم الرومان قديمًا شكل الأقواس في الجسور على نطاقٍ واسع لأنَّ قدرته على تحمل الضغط أكبر كثيرًا من الجسور العادية في حالة المجازات الطويلة، لكن كان من الصعب إدخال الركائز في التربة الصخرية، ولحلِّ هذه المشكلة ابتكر الرومانيون طريقة الـ cofferdam وهي عبارة عن غرس أنابيب في التربة في قاع النهر وصفِّها حلقيًّا وربطها بجوائز أفقية لتدعيمها وحمايتها من ضغط المياه، ثمَّ صب هذه الأنابيب بالبيتون المصنوع من إسمنت "بوزولانا".

أكثر الجسور الموجودة في روما والصامدة إلى الآن هي الجسور ذات الأساس في الصخر؛ مثل جسر سانت أنجلو في روما على نهر التيبر، الذي يصل عمره إلى أكثر من 1800 سنة.

ومن الجسور الباقية حتى الآن؛ جسر هنا بالقرب من هنا في فرنسا، بطول 270 م، ويتألف من ثلاثة مستويات من الأقواس نصف الدائرية التي يبغ ارتفاعها 50 م.

في الحضارات الشرق آسيوية: 

كانت الجسور في الصين ترتكز على تربةٍ طينية، أي كانت هذه الجسور معرضةً لأنواعٍ مختلفةٍ من القوى الشادة والضاغطة، ولهذا اعتمدوا على الجسور القوسية حتى تعطي مقاومةً ضد السهم.

بُني جسر great stone bridge الذي يدعى جسر "شاوشو" بواسطة لي شون بين عامي 589 و618، وكان هذا الجسر بسيط الاستناد بـ37 م، وارتفاع قوسه قليلًا مقارنةً مع امتداده ليتحمل حمولاتٍ أكبر، مع رابط مفرَّغٍ بين الدعامات والبلاطة لتقليل الوزن، لكنَّ هذا النوع من الجسور أصبح نادرًا.

العصور الوسطى: 

اشتهر في هذا العصر الجسور القوسية، إذ قلَّل شكل بلاطة الجسر الحمولات الأفقية المطبقة على الدعامات، وأحد أشهر الجسور القوسية في تلك الفترة هو جسر لندن القديم الذي أُنجز في العام 1209.  خُطِّطَ الجسر من 19 قوسًا وبامتداد 12 م لتصلَ أطوال الدعامات إلى 6 م، ولكن لم تُصمَّم المجازات بالطول المطلوب نفسه؛ ممَّا أدَّى إلى صيانة الجسر على نحو متكرر، وصمد هذا الجسر 600 عام.

عصر النهضة: 

اتخد المعماري الإيطالي أندريا بالاديو هنا من الجوائز الشبكية قاعدةً له؛ إذ استعملت سابقًا في بناء بعض الجسور التي وصلت إلى 30 م وبقيت الجسور الأطول مبنيةً من الحجر.

تبنَّى مصممٌ إيطاليٌّ آخر يدعى "بارتولوميو أماناتي" هنا فكرة القوس من العصور القديمة، وربط بين الزاوية في رأس القوس مع الصعود الشاقولي للقوس من الركائز، بشكلٍ بيضوي نسبة ارتفاعه إلى عرضه قليلة جدًّا وأصبح معروفًا باسم Basket Handle، وانتشر منذ ذلك الحين بسرعةٍ كبيرة.

كان جسر سانتا ترينتا في فلورانس للمصمِّم أماناتي مؤلَّفًا من قوسين، واستُعمِل جسرًا للمشاة والسيارات حتى دُمِّر في الحرب العالمية الثانية، ليُعاد بناؤه من القطع الأصلية المتبقية.

صمَّم إيطاليٌّ آخر يدعى أنطونيو دا بونت جسر Rialto في فينيسيا، ويتألَّف الجسر من قوسٍ مزخرف بطول 27 م وارتفاع 6 م. وقد تغلَّب أنطونيو على مشكلة التربة الناعمة بزرع 6000 وتدٍ داخل التربة تحت كلٍّ من الركيزتين، وصفَّ الطوب  بعدها ابتداءً من كلِّ ركيزةٍ صاعدًا على نحوٍ منحنيٍ باتجاه الضفة الأخرى حتى يتصل كلا الطرفين مع بعضهما.

ومازال هذا النوع من الجسور مستخدمًا حتى عصرنا الحالي.

الجسور  ذات الجوائز الشبكية:

استمرَّت الجسور المصمَّمة من الخشب في القرن الثامن عشر بتحقيق أبعادٍ جديدة، وخصوصًا تلك التي تستخدم الجوائز الشبكية الخشبية؛ إذ استخدم البنَّاء السويسري هانز غروبينمان  هنا; في عام 1755 جوائز شبكية لدعم الجسور الخشبية ذات الامتداد الذي يتراوح بين 51 و58 م. وبنيت العديد من الجسور في الولايات المتحدة الأمريكية من النوع نفسه، إذ طُوِّر أحد أفضل تصاميم الجسور باستخدام  الجوائز الشبكية الطويلة من قبل ثيودور بور، من "تورينغتون - كونيتيكت" وفق رسم بالاديو، وشاع أيضًا نمطٌ جديدٌ من جسور الجوائز الشبكية؛ هي الجوائز المرتبطة مع القوس في الولايات المتحدة الأمريكية ، وظهر تصميمٌ آخر ناجح هو الـ “lattice truss”  وهو عبارة عن جوائز شبكية أفقية علوية وسفلية مربوطة بألواحٍ قطرية.

أنشئت الجوائز الشبكية القديمة دون معرفةٍ سلبقة بطبيعة عمل كلِّ عنصرٍ من الجائز الشبكي، لكنَّ أول من حلَّل عمل الجوائز الشبكية هو الأمريكي سكوير ويبل هنا الذي صمَّم مئات الجوائز الشبكية؛ إذ نشر نظريته  في عام 1869 والتي تنصُّ أنَّ الجوائز الشبكية تنقل الأحمال وتقلِّل من كمية المواد المستخدمة، وانتقل الاستخدام لاحقًا من الخشب والحجر إلى الحديد والفولاذ.

انتظرونا في محطةٍ أخرى نعرِّفكم فيها إلى الجسور الحديدية والفولاذ.

المصادر: 

هنا

هنا

هنا