البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

الانتحال والانتحال الذاتيّ

يُعرَّف الانتحال (Plagiarism) بأنّه استيلاءُ شخصٍ ما على أفكار شخصٍ آخر أو أعماله أو نصوصه المكتوبة أو بياناته أو أسلوبه اللغويّ أو أيّ عملٍ  إبداعيٍّ آخر واستخدامه غير القانوني لها في أوراقٍ بحثيّة دون تحديد مصدرِ العمل الأصلي أو مؤلفه أو الإشارة الصحيحة إليه في ذلك؛ بقصد نسبِ تلك الأعمال وتقديمها بوصفها ملكيّة خاصّة له جزئيًّا أو كليًّا. ويعني هذا المصطلح في اللاتينيّة (الخطف plagere وسرقة الأشخاص plagiatum)، ويختلف عن التحريف الذي يُشَكُّ فيه بصحّة العمل، هذا وقد عُرِّف الانتحال بدقّة وفقًا للرابطة العالميّة لمحرّري المجلّات الطبيّة (World Association of Medical Editors (WAME بأنه "نسخُ ستّ كلماتٍ متتالية من مجموعةٍ متواصلة مؤلَّفةٍ من 30 حرفًا".  ووُصِفت كلمة "الانتحال" أوّل مرّة باللغة الإنجليزية عام 1601 من قِبَل المسرحيّ بن جونسون إذ وصفَ شخصًا مذنِبًا بالسرقة الأدبية.

يُدرَج الانتحال بوصفه أحد أشكال سوء السلوك العلميّ التي تتضمّن تلفيق النتائج، وتحريف البيانات، وتفسيرها الخاطئ، واستخلاص استنتاجاتٍ محدّدة، ويمتدّ ليشمل انتهاكًا للخصوصيّة وخرقًا لحقوق التأليف والنشر.

وتختلف أشكال الانتحال وأنماطه بين:

- سرقة الأفكار الجديدة والنظريّات: يُجري الكاتب المُنتحِل أبحاثًا بناءً على هذه الفكرة أو النظرية ويعرضها كما لو كانت خاصةً به دون اعترافِه بمصدرها.

- انتحال النص: يُعرف هذا النموذج أيضًا بالكتابة "copy-cut-paste" أو "word-to-word" ويحدث عندما يأخذ الكاتب فقرةً كاملةً من مصدرٍ آخر ويُدرِجها في ورقته البحثيّة.

- التواطؤ (Collusion): طلبُ كتابة فقرةٍ من ورقةٍ بحثيّةٍ من شخصٍ آخر كما لو كانت خاصةً به.

- كتابة الرُّقَع (Patchwriting): نسخُ أجزاءٍ من عملٍ آخر وتغيير بضع كلماتٍ أو ترتيبها لتبدو كما لو كانت أصيلة.

- الانتحال الذاتيّ (Self-plagiarism): يحدثُ عندما يستخدِم الباحث أجزاءً كبيرةً من بحثه في ورقتَين بحثيّتَين مختلفَتين تستخدمان النتائج نفسها أو الرسوم البيانيّة التوضيحيّة نفسها دون الإشارة إلى ذلك. ويُعرف هذا النوع من الانتحال أيضاً باسم البيانات المتكررة (redundant data). ويخالفُ ذلك مبدأ النشر وقواعده في المجلات العلميّة التي تشترطُ نشرَ مقالاتٍ أصيلة (Original)؛ ما يعني حداثة كلّ قسمٍ في المقال وعدم نشرِه سابقًا من قِبَلِ أيّ جهةٍ كانت. لذا عند استعمال شخصٍ ما أعمالَه السابقة المنشورة في مقالٍ جديدٍ فإنَّ قواعد المجلات تُنتَهك، ولكن قد ينشرُ المؤلِّفون في بعض الأحيان سلسلةً من المقالات عن مشكلةٍ بحثيّةٍ واحدةٍ ومن الشائع جدًّا أن يستخدِم المؤلِّف نتائجه السابقة بوصفها أساسًا لنتائج جديدة. إلّا أنّ  إجراءً بسيطًا قد يكون كافيًا لتجنُّب هذه المشكلة وهو الإشارة إلى ما نُشِر سابقًا أو طلبُ إذنٍ من الناشر إذا كان المؤلِّف بحاجةٍ إلى استخدام الرسم التوضيحيّ الدقيق من عمله السابق، وخاصّةً أنّ ملكيّة الأوراق البحثيّة تنتقلُ بعد نشرِها من المؤلِّفِ إلى دار النشر مثلًا؛ حسب نوع تصريح النشر والحقوق المستخدمة في كل حالة، فلا يحقُّ له إعادة استخدام بياناته ما لم يذكُر الجهة الناشرة بوصفها مصدرًا لها -في هذه الحالة مثلًا- وذلك بموجب قواعد شروط التأليف والنشر التي وافق عليها قبل نشر ورقته البحثيّة. 

وعرَض (Roig (2002 تصنيفاً للانتحال الذاتي ممثّلًا بأربعة أنواع:

- نشرٌ مكرّرٌ لمقالٍ واحدٍ في أكثر من مجلّة.

- تجزئة الدراسة الواحدة إلى عدة منشورات (salami-slicing).

- إعادة صياغة النص نفسه.

- انتهاك حقوق التأليف والنشر.

أسباب الانتحال:

• سوء التصرف: يعتقد العديد من الباحثين أن أخذَ فقراتٍ كاملة من أوراقٍ متعدّدةٍ وإدراجها في كتابتهم يعدُّ أمرًا مقبولًا طالما ذُكِرت في قائمة المراجع في النهاية، ولكن في الواقع؛ سنحصلُ بنتيجةِ ذلك على مقالٍ جديدٍ يحوي أجزاءً كبيرة بأسلوب "النسخ واللصق"، وهو ما شُمِل في تعريف الانتحال، لذا تُرفَض المقالات المقدّمة بهذا النمط من قِبَل المجلات أو قد تُسحَب بعد نشرها.

• مهارات الكتابة غير الناضجة وغير الكافية: تخضعُ لغةُ الكتابة العلميّة للتطوُّر مع مرور الوقت، وتشكِّلُ القراءة المُفرِطة للمراجعاتِ والأوراقِ البحثيّة وممارسة الكتابة العلميّة أكثر الأدوات أهميّةَ لاكتساب هذه المهارة، حتى تُصبِح كتابة المقالات البحثيّة تجربةً ممتعةً بمرور الوقت.

• الانتحال المتعمَّد (المقصود): يُعدُّ النسخُ المقصود لعمل الآخرين بأجزاءٍ كبيرة من المقال وعرضه كما لو كان له هو نفسه بقصد تعمُّد خداع القارئ سرقةً مُتعمَّدة. 

• سوء إدارة الوقت والضغط الهائل على الباحثين وأعضاء هيئة التدريس لنشر دراساتهم ومُتابعة توجُّهات الترقية والتقدّم الأكاديميّ والتمويل البحثيّ والتي تستلزمُ النشر المكثّف بأيّ ثمن وهو أحد أكثر الأسباب الحقيقيّة للانتحال، إضافةً إلى الطموحات الشخصيّة للأفراد ذوي التعليم الضعيف، والضغط المالي، فيجد الباحثون أنفسهم ملزَمين بنشر مقالاتٍ بحثيّةٍ للحصول على التمويل وإثبات الكفاءة الأكاديميّة والحفاظ على حياتهم المهنيّة والحصول على وظائف أفضل في التسلسل الهرميّ لوظائفِهم.

وأيًّا كان نوع الانتحال أو سببُه فإنّ الباحثين والأساتذة في الأوساط الأكاديميّة يدرجونه تحت بند عدم الأمانة وسوء السلوك العلميّ والاحتيال الأكاديميّ، ويُقسَم وفقًا لحجمه إلى شكلين: 

ثانويّ: لا يستَشهِد بأجزاءٍ ضئيلة من النصّ بدقّة نتيجة عدم النضج الأكاديميّ، ورئيس: يشمل استعمال أجزاءٍ كبيرة من مصدر آخر وتقديمها كما لو كانت خاصةً؛ بهدف تعمُّد الخداع، لذلك تختلف العقوبات بين الشكلين، وتتراوح بين الإيقاف عن العمل إلى فقدان المصداقيّة والنزاهة والحظر من النشر في المجلات العلميّة، مع التركيز على اتخاذ إجراءاتٍ أكثر حدّةً ضد الأشكال الرئيسة منه.

وتتضمّن عواقب الانتحال والانتحال الذاتيّ بعد التأكُّد من حدوثِه:

- يُلزَم المؤلِّف بسحب المخطوطة المُناقَشة سواءً أكانت منشورة أم كانت في المراحل المختلفة قبل النشر.

- يجبُ أن يوافق المؤلِّف المُشارِك على سحب المنشور في حالة التأليف المُشتَرَك حتى لو لم يكن سوء السلوك والانتحال متعلِّقاً به.

- تُمحى المنشورات التي ثبُت انتحالها من القائمة الخاصة بمنشورات الكاتب من قِبَل لجنةٍ مفوّضةٍ بذلك، وتوضَع إلى جانبها إشارة تَرَاجُع او سحب (التي تعني سحبَ مقالٍ بعد نشره عند اكتشاف سوء السلوك في البحث)، ولا تُزال المنشورات بالكامل من موقع المجلة الإلكترونيّ أو قواعد البيانات، إنّما يبقى عنوان المنشور وأسماء مُؤلِّفيه وانتماءاتهم مع إضافة المصطلح "تراجُع" بجوار عنوان المقال؛ ممّا يضرُّ بشدّة بسُمعة المؤلِّفين.

- البدء بإجراءات الانتقاص من الدرجات العلميّة (الماجستير أو الدكتوراه) في الجامعة إذا أُنجزَت اعتمادًا على أطروحة أو رسالة علميّة خاطئة.

- تُعلَم المؤسسات العلميّة والمنظّمات ذات الصلة -وخاصّةً المموِّلة للمشاريع العلميّة- بسوء السلوك العلميّ للكاتب إذا كانت مرتبطةً مباشرةً أو في حال شَغَل الكاتب المتّهم منصبًا قياديًّا أو كان عضوًا في أيِّ هيئة لصنع القرار.

هل يُمكن أن تكشفَ المجلّات الانتحال؟

نَشرَت لجنة أخلاقيّات النشر (Committee on Publication Ethics - COPE) -وهي أكبر لجنة تضع مبادئ توجيهيّة لأخلاقيّات النشر في العالم- العديد من الإرشادات للمؤلفين والمحررين، ونشرَت عام 2006 مخططاتٍ لمُساعدة محرّري المجلّات العلميّة على التمييز بين الأشكال البسيطة والكبيرة من الانتحال. وتجدُرُ الإشارة إلى أن عواقبَ اكتشاف الانتحال لمقال منشورٍ بعد طباعته لا تطالُ مؤلّفي المقال فحسب، بل يُمكن أن تهدّد سُمعة مُراجِعيه (Reviewers) ومُحرِّريه (Editors) والمؤسسة التي ينتمي إليها هذا المؤلِّف. 

وقد كان اكتشاف العمل المسروق يقع في الماضي على عاتِقِ المحررين، وكان يعتمِد أساسًا على الخبرة الشخصيّة، فلكلِّ مؤلِّف أسلوبُه الخاصّ في الكتابة، ممّا يُمكن أن يُسهّل التعرُّف على أعمال المؤلِّفين المختلفين من قِبَل المحرِّرين والمراجعين الخبراء. وفي الآونة الأخيرة؛ زاد تواتُر حالات الانتحال عامّةً بفضل تطوُّر المعلومات وتقنيّات الاتصالات، التي سهّلت في الوقت نفسه كشفَها باستخدام برامج متاحةً لكشف الانتحال في المنشورات العلميّة، وبعض خدمات هذه البرامج مجانيّة وبعضها تجاريّ، أبرزها: 

(eTBLAST ،Turnitin ،iThenticate ،Safe Assign ،Cross Check) وغيرها.

الانتحال هو أسوأ المشكلات وأكثرها شيوعًا في الكتابة العلميّة، وتُمثّل زيادةُ الوعي بها حجرَ الأساس في منعها باتباع إرشادات الاقتباس والاستشهاد السليم هنا وكتابة المراجع هنا والتدريب على مهارة الكتابة العلميّة باستمرارٍ والتعبير بكلماتٍ وأسلوبٍ خاصّ، إضافةً إلى التحلّي بجوهر أخلاقيّات البحث العلميّ؛ الثقة والأمانة العلميّة؛ لإحداث التقدّم العلميّ الدائم.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا