الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

لدائنُ راقصة مُعادٌ تشكيلها كهربيًا

بعد عقود من البحث وإجراء الدِّراسات عن كيفية عمل عقولنا وطبيعتها وكثير من الأمور التي نحن على يقين منها اليوم، توصّلنا إلى أنَّ العقل البشري يتمدد بداخل الدماغ بشكلٍ ما، نتكلم هُنا عن تمدّدٍ أو نموٍّ يمكن قياسه وملاحظته ورصدُ نشاطه بدقةٍ كما يبدو هنا في هذه الصورة.

ويبدو جليًّا أنه عقلنا "يتغير"؛ أي يتبدل شكل سطحه، وتعريجاته والمسافات بين أركانه أو بالأحرى تطرأ اختلافاتٌ فعليّة على منحنى "غاوس" الذي يصف هندسيًّا طبيعة سطح جسم ما، مثل الآتي:

 κ=κ1κ2=1/r1r2, 

حيث K هي رقم "غاوس" الخاص بهذا السطح، وK1,K2 هما الانحناءات الرئيسة فيه، وR1,R2 هما نصفا قطري هذين الانحنائين.

ولكن ليس بالضرورة تطبيق ما قد يقوم به هذا العضو المُذهل -حتى في عمليّة نموّه- على بقية المواد التي نتعامل معها يوميًا؛ إذ إنَّ القيام بعمليات مثل الثني أو الضغط أو السحب على جسم مادةٍ ما، أو تغيير خصائص جسمها وشكلها، لا يعني بالضرورة قدرتنا على الاستفادة منها بصورة أفضل. 

أي بمعنى آخر: لا يمكننا تغيير مُنحنى غاوس الخاص بكثيرٍ من المواد بصورة كاملة، وهذا بدورِه يمثّل عدم إمكانية الاستفادة منها بصورة مُثلى.

إنَّ المشغلات الميكانيكية التي تُصنع من مواد مرنة يستحيل الحصول منها على هيئات مختلفة، ومنه فإنَّ قدرتنا على الاستفادة من مِثل هذه المواد تظلّ محدودة ومقيَّدة كذلك.

وفي دراسةٍ بحثية جديدة كشف لنا كلّ من دايفيد كلارك وإحسان حاج اسماعيلي -وهما أستاذان في كلية الهندسة والعلوم التَّطبيقيَّة في جامعة هارفارد- أنَّ ذلك بات  ممكنًا اليوم بشكلٍ ما، وذلك عن طريق إدخال الحقول الكهربائية الداخلية المتغيرة مكانيًا من خلال طريقة تصنيع تضمن توزيعها بصورةٍ متماثلةٍ في طبقة تلو الأخرى اعتمادًا على أقطابٍ لها شكل أنابيب بالغة الدقة، أي أنه عند توصيلها بمصدر جهد كهربي وسريانه إلى الأقطاب الداخلية، يمكن تغيير شكل جسم هذه الكتلة؛ كما أن التغييرات في الشكل جميعها تزول عندما تتم إزالة الجهد الكهربي. 

بهذه الطريقة يمكن استخدام مجموعات وفئات جديدة كليًّا من المشغلات الميكانيكية وغيرها من عناصر التحكم داخل منظومات التشغيل؛ بل وابتكار تقنيات جديدة اعتمادًا على هذا السلاح العلمي الجديد.

قد يبدو الأمر بسيطًا عند اختزاله في هذه الكلمات المبسطة التي سطرناها لكم، ولهذا إليكم بعض الوسائل والمعايير التي احتكم الباحثون إليها في أثناء دراستهم تلك: 

ببساطة، يبدو أنه خلال الفترات القادمة سيكون بإمكاننا الاعتماد في عمليات التشغيل والتحكّم بناءً على هذه الإمكانية الجديدة، والاستفادة من كثير من نتائج هذه الدراسة المُذهلة!

ويمكن إنتاج سلالات كبيرة والحصول على كثير من الأشكال المتنوعة من اللدائن والمواد الليّنة التي لطالما اكتفينا بطبيعة شكلها وخصائصها الخارجية.

من خلال تطبيق مجال كهربائي على كتلة رقيقة من مادة لدِنة من خلال مجارٍ وزعت وصممت بشكل فريد لإمرار مجال مغناطيسي ملائم، ها نحن اليوم بصدد إحداث ثورة في عالم تكنولوجيا التحكّم والمشغلات الجديدة، مثل العدسات القابلة للضبط والمشغلات اللمسية.

ولأنه لا وجود للكمالِ في هذه الحياة، فإنه للأسف هنا لم يكن من الممكن تطبيق هذه التقنية الحديثة على اللدائن غير الموصّلة للكهرباء؛ إذ لم يتوصل الباحثون إلى طريقة للتأثير في مُنحنَى "غاوس" الخاص بهم أو تغيير خصائصه بالشكل الذي يسمح بخضوع هذا النوع من المواد المجالات المغناطيسية المتضادة بعد إمرار التيار الكهربائي فيها، وبالتالي إكسابها شكلًا خارجيًّا يختلف في طبيعة سطحه وانحناءاته كليًا عن الشكل التقليدي، وهو ما يبدو مستحيلًا حتى اليوم. 

إنّ العلمَ يشهدُ جديدًا في كل لحظة في شتى المجالات، ويبدو أننا فتحنا للتوّ بوابة نحو عصر جديد من التعامل مع المواد، ابتداءً من اختيار مادة ما لأداء وظيفة معينة، وطرائق تصنيعها، وخصائصها الكيميائية وتفاعلها مع عوامل أو مواد أخرى، إضافةً إلى خصائصها الفيزيائية وانحناءات سطحها بكل مُرونةٍ، ودون تشويهها على الإطلاق!

نتوق شوقاً ليوم مُماثل نسمع فيه عن تذليل شيء جديد بدا لنا للوهلة الأولى ضربًا من ضروب المستحيل!

المصدر:

1- هنا