العمارة والتشييد > التشييد

المنازل الجاهزة هل يصبح مسكنك في متناول يدك؟

ما هي البيوت أو المنازل الجاهزة؟ [1،4]

هي وحداتٌ سكنيةٌ تُشيَّد في مصانع كبيرة، ثمَّ تُنقَل إلى الموقع لتُركَّبَ على أساسٍ مناسبٍ في موقع البناء. قد نصادف مصطلحاتٍ أخرى للبناء الجاهز عند بحثنا في الدراسات التي خاضت في هذا المجال، مثل مصطلح "المنزل المعياري" أو Modular House، أو "المنزل المصنَّع" Manufactured House  الذي يُبنى وفق كود الـ HUD (الذي سنذكره في فقرة اللمحة التاريخية). إضافةً إلى العديد من المصطلحات الأخرى المرتبطة بهذا النوع من البناء ومنها:

  1. مسبق الصنع Prefabrication: إشارةٌ إلى عملية التصنيع في بيئةٍ يمكن التحكُّم بها، وهي المصنع.
  2. المسكن المتنقِّل Mobile Home: يُشيَّدُ في المصنع أيضًا، ثم يُنقَلُ إلى الموقع الذي يمكن أن يكون موقعًا دائمًا أو مؤقَّتًا، ويُستخدَم في تزويد موقع البناء بمستلزمات البناء الأساسية (منزل المقطورة).
  3. السكن المصنَّع Manufactured Housing: يُنتَجُ من أجل موقعِ بناءٍ ثابت، أي يجب تحضير موقع البناء مسبقًا مثل حالة البناء التقليدي، ويُصنَّف ملكيةً عقاريةً جُمِّعت في المصنع لتُرسل إلى موقعٍ دائم
  4. المسكن المعياري Modular House: وهو وحدةٌ سكنيةٌ مؤلَّفةٌ من عناصر وأجزاء مسبقة الصنع، تتَّبع نظام التقسيم المحلي لموقع التركيب.
  5. تقنية التنفيذ خارج الموقع Off-Site Technology: يرتبط هذا المفهوم بالمنشآت التي تُشيَّد في مواقع مختلفة بغضِّ النظر عن الموقع التي ستؤول إليه في النهاية، وتقلِّل هذه التقنية زمن التنفيذ، وتخفِّض عبء العمل وكلفة اليد العاملة، وتعتمد على كثافة إنتاجٍ محدَّدة (أي تختلف عن طريقة التشييد التقليدية في الموقع والتي يجب فيها تأمين مواد البناء لكلِّ منشأ على حدة) أي يمكن تأمين جميع أنواع مواد البناء اللازمة من المصنع دفعةً واحدةً في الوقت نفسه بغضِّ النظر عن مرحلة البناء، ممَّا يؤدي إلى تحقيق الوفر الاقتصادي. وتحقِّق هذه التقنية أعلى مستوى من الاستدامة بسبب دقَّة العمل في المصنع وخصوصًا في الأبنية الخضراء إضافةً إلى سرعة التنفيذ وجودته. 
لمحة تاريخية:

يعود تاريخ بناء المباني الجاهزة (المسبقة الصنع) إلى القرن السادس عشر، ويمكن تصنيفها تاريخيًّا وفق ثلاث مراحل تاريخية تبعًا للحرب العالمية الثانية؛ مرحلة ما قبل الحرب، ومرحلة الحرب، ومرحلة ما بعد الحرب.  [1]

مرحلة ما قبل الحرب: ظهرت فكرة مسبق الصنع في البدء في الولايات المتحدة الأمريكية، تزامنًا مع الاستعمار البريطاني لها، إذ دعت الحاجة إلى إنشاء مستوطناتٍ بريطانيةٍ في كلٍّ من نيوزيلاندا وأستراليا وأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة وذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، إذ لم يكن البريطانيون على درايةٍ كافيةٍ بمواد البناء المتوفِّرة في هذه البلدان، لذلك فضَّلوا إنشاء الأجزاء التي ستتألَّف منها أبنيتهم في بلدهم الأم ثمَّ شحنها بحرًا إلى أماكن استيطانهم، وبدأ ذلك عام 1624 إذ شُحنت بعض أجزاء الأبنية مسبقة الصنع إلى إحدى المستعمرات في أميركا ثمَّ أستراليا في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، وقد شمل ذلك الأرضيات الخشبية والجدران والأسقف، ثمَّ قُيِّم إنتاج الأبنية المسبقة الصنع بعد الاحتلال البريطاني لجنوب أفريقيا عام 1820، ومدى ملاءمتها للبيئة الجديدة، ثمَّ جاء اختراع إطار البالون [balloon frame (*)[2 ، الذي استخدم في أمريكا – شيكاغو عام 1833، نظرًا للتطوُّر المتسارع لصناعة الخشب والمسامير الحديدية. 

كوخ وفق طريقة الـ balloon frame، صُنِع في بريطانيا وشُحِن إلى مستعمراتها

مرحلة الحرب: مع بداية عام 1906 أنتج Aladdin Readi نمطًا من المنازل تدعى kit houses، وهي منازل تُطلب عن طريق كاتلوغ، ثمَّ يُنقَل المنزل المختار قطعًا وفق قياساتٍ ورموزٍ محدَّدةٍ لسهولة التركيب في الموقع [3]. تركَّزت الجهود في أثناء الحرب على الإنتاج المكثَّف لهذا النمط من المساكن، ممَّا أفسح المجال للإبداع وتطوُّر تقنية الإنشاء من داخل الموقع إلى تطوير البناء خارج الموقع. وبسبب الركود الاقتصادي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، لم يشهد قطَّاع البناء المسبق الصنع حركةً ملحوظة، باستثناء بعض الاختبارات لإنتاج مساكن خارج الموقع قابلة للنقل إلى المكان المطلوب، وقد لاقى بعضها الفشل. وفي العام 1933 طُوِّر نظامٌ يضمُّ التفاصيل والأبعاد المعيارية للأبنية الجاهزة، لكنَّ إنتاجها لم يحقِّق الكثافة العددية المطلوبة، لذا بدأ العمل على إيجاد طريقةٍ لتحقيق إنتاجيةٍ ملائمةٍ في عام 1945، وقد كان بإمكان William Levitt فعلًا إنتاج قرابة 150 مسكنًا جاهزًا في غضون أسبوع.

وحدات سكنية من صنع William Levitt

مرحلة ما بعد الحرب: زاد الطلب كثيرًا مع بدء الحرب على المساكن المسبقة الصنع لإيواء الأعداد المتزايدة من الجنود، إذ قرَّرت الحكومة الفيدرالية الأميركية إنتاج قرابة 850 ألف بيت جاهز في أقل من عامين، ممَّا فتح شهية المعماريين لتصميم هذه المنازل. وقد بدأ العمل على إنتاج بيوتٍ كلاسيكيةٍ بسيطة التصميم ومصنَّعةٍ بالكامل من الحديد الصلب.

اقتُرِح في العام 1930 تصوُّرٌ للبيوت المصنَّعة المتنقِّلة ذات الهيكل الحديدي، وقد تزامن ذلك مع ظهور صناعة السيارات، ولكن توقَّف العمل على إنتاج هذه البيوت في عام 1950 بسبب عدم تحديد الأبعاد الدقيقة للألواح المعدنية، ممَّا سبَّب هدرًا وكلفةً عاليةً في الإنتاج.

فوِّضت وزارة الإسكان الأمريكية في العام 1976 للإشراف على قطاع البيوت المصنَّعة، وتغيَّرت معايير تصميم هذه المنازل بمقارنتها مع المنازل التقليدية الدائمة التي تُشيَّد في الموقع وفق كودٍ محدَّد (International Building Code (IBC))؛ أي أصبح هناك كود يحدِّد معايير تصميم مثل هذه المنازل أيضًا (HUD code)، واعتُمِد تسمية هذه المنازل بالمنازل المصنعة manufactured homes. 

منزل متنقِّل بمظلَّات جانبية بُني في أواخر السبعينيات من القرن العشرين

أُنتِج في العام 1993 أوَّل بيتٍ جاهز وفق تقنيَّة balloon-panel frame، ثمَّ طرحت شركة أيكيا IKEA منازلها الجاهزة التقليدية في السوق السويدية، ثمَّ نُشرَ أوَّل بحثٍ يتناول المنازل الجاهزة المعاصرة في العام 2002، ولحق ذلك العديد من الأبحاث التي تناولت الأنواع المختلفة من البيوت المصنَّعة. ومع حركة التطوُّر التكنولوجية المتنامية دخلت مصطلحاتٌ ومفاهيم جديدة في قطَّاع تصميم هذه المنازل تتعلَّق بالمنازل الخضراء المستدامة، وتقنية البناء خارج الموقع، وتوفير الوقت والطاقة والكلفة. وفي العام 2006 نال Ray Kappe جائزة التصميم البلاتيني لمنزلٍ جاهزٍ وفق نظام الريادة في التصميم الذي يراعي الطاقة والبيئة (the leadership and environmental design (LEED)).

البناء الجاهز المصمَّم من قبل Ray Kappe وفق كود الـ HUD

ما الفوائد التي تقدِّمها المنازل الجاهزة؟ [5]

من ناحية الزمن والكلفة: تكتسب هذه الناحية أهميةً كبيرةً لكلٍّ من المستهلك والمصنِّع، وهنا نجد أنَّ الأبنية الجاهزة تحقِّق وفرًا اقتصاديًّا نسبيًّا، إذ يمكن مزامنة عمليتي مرحلتي تحضير الموقع وتركيب الوحدات السكنية، بعكس الأبنية التقليدية التي لا يمكن فيها البناء مباشرةً إلَّا بعد تحضير الموقع، ممَّا يخفِّض زمن التنفيذ اللَّازم قرابة 40% مقارنةً مع تنفيذ بناءٍ تقليدي. ولكن بالطبع هناك العديد من التعقيدات التي تترافق مع مرحلة التخطيط المسبق لمشروع هذه الأبنية الجاهزة وتصميمها؛ إذ تتطلَّب العديد من المهندسين ومراقبي الجودة والعمَّال المهرة ذوي الخبرة، أي زيادة كلفة وزمن هذه المرحلة، ولكنَّ التخطيط الجيد يوفِّر زمن وكلفة المرحلة اللاحقة، ولا يمكن أن نغفل أيضًا أنَّ زمن إنشاء الأبنية التقليدية يتعلَّق بتغييرات الظروف والأحوال الجوية، ويُعَدُّ تأثير مثل هذه التغييرات مهملًا في حالة الأبنية الجاهزة، لأنَّ 80% إلى 90% من العمل يُنجَز في المصنع. وبإمكان المصنِّع طلب كمياتٍ كبيرةٍ من مستلزمات البناء وبناء عدة وحداتٍ سكنيةٍ في الوقت نفسه، ممَّا يوفِّر أسعاراً أدنى ويقلِّل عدد العاملين وكلفة النقل والمواد؛ أي كلفة وزمن المشروع. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن هذه الفوائد المتعلِّقة بالزمن والكلفة تحتاج إلى مزيدٍ من البحث والتدقيق بسبب عدم إمكانية الوصول الدائم إلى البيانات المالية والزمنية لمثل هذه المشاريع، إضافةً إلى استخدام التكنولوجيا التي تتطوَّر باستمرار.

 

وهناك مجموعةٌ من الفوائد الأخرى:

يتضمَّن تشييد الأبنية التقليدية العديد من المشكلات المتعلِّقة بشروط السلامة في أثناء العمل في الأبنية ذات الارتفاعات العالية، أو الحوادث الناتجة عن العمل في ظروف الطقس السيئة، أو ضجيج البناء وتأثيره في الجوار، ويمكن تلافي كل هذه المشكلات وتقليل نسبة حدوثها على نحوٍ كبير في حالة الأبنية الجاهزة، لأنَّ العمل يُنجَز في المصنع -كما ذكرنا آنفًا- إذ تُنتَج وحداتٌ سكنيةٌ معيارية ضمن عمليةٍ تكراريةٍ تعتمد على نظمٍ مؤتمتة. وتكون الآثار البيئية الناتجة عن الأبنية الجاهزة في حدودها الدنيا أيضًا، بسبب حجم مخلَّفات البناء القليل جدًّا مقارنةً مع البناء التقليدي، ويمكن التحكُّم بهذه المخلَّفات وإعادة تدويرها. وحتَّى عند انتهاء مدة استثمار البناء الجاهز يمكن تفكيكه وإعادة استخدام عناصره مع أو بدون تدويرها واستخدامها في مشاريع أخرى.

الأداء الإنشائي للبيوت الجاهزة: [5]

تناولت العديد من الأبحاث حول العالم دراسة الأداء الإنشائي للمنشآت التقليدية الخرسانية والخرسانية المسلحة بعكس المنشآت الجاهزة (المصنعّة)؛ إذ كان تناولها محدودًا ونُشِرت حالاتٌ دراسيةٌ معدودة. ويجب أن يحقِّق التصميم الإنشائي لهذه المنشآت استقرارها تحت تأثير الأحمال الطبيعية (مثل الزلازل والرياح) وكذلك الأحمال الأخرى الحية والميتة (بتأثير الإنسان)، إذ تُنقَل هذه الأحمال إلى الأساس عن طريق العناصر الإنشائية وغير الإنشائية لهذه المنشآت والعناصر الرابطة بينها. ولكنَّ توزيع الأحمال على العناصر وطريقة انتقالها تختلف عن المنشآت التقليدية، بسبب كثرة الوصلات التي تربط بين الوحدات المؤلِّفة للمنشأ الجاهز ومدى تأثُّرها بعملية التركيب. ويمكن القول إنَّ نقل الأحمال الرأسية والأفقية يُنجزُ عن طريق الوصلات الداخلية والعناصر المثبتة كالجدران الحاملة والدعامات الشاقولية.  

  

هل تقدِّم المنازل الجاهزة حلًّا لمشكلة الإسكان في البلدان النامية؟ [6]

تواجه البلدان النامية مشكلةً في قطَّاع الإسكان، بسبب معدَّل السكان المتزايد، وحاجتهم إلى تأمين مسكنٍ يلبِّي احتياجات حياتهم الأساسية، التي تتضمَّن بيئةَ العيش الجيدة؛ مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي وتصريف المخلَّفات المنزلية. ولكن بالنظر إلى الواقع الاقتصادي نجد أنَّ نسبةً لا بأس بها من هذه البلدان يعيش سكُّانها في منازل قد لا تراعي معايير الجودة، ممَّا يضع شركات الإسكان أمام تحدٍّ واضحٍ لتأمين مساكن تراعي معايير جودة العيش وبأسعارٍ منطقية. ولا بُدَّ أن ننوه إلى مشاريع السكن الجماعي Mass House Building Projects (MHBPs) التي استُحدِثت في معظم البلدان النامية في مجال صناعة البناء. تتضمَّن هذه المشاريع استخدام تقنياتٍ ضخمةٍ، وتوحيدًا لاشتراطات التصميم المعتمدة، إضافةً إلى بناء مساكن محلية دون تخصيص منازل محدَّدة، واعتماد موقع المشروع بموجب شروط العقد نفسها، لكن حتَّى مثل هذه المشاريع قد لا تساعد بمفردها على تلبية الطلب المتزايد على السكن، خاصةً في ظلِّ دعم الحكومات المحدود، وسوء التحكُّم بالموارد المتوفِّرة، وعدم توفُّر مواد البناء؛ الأمر الذي يجعل امتلاك منزلٍ تقليديٍّ مسألةً حرجةً ومكلفة، إذ يزداد السعر مع ارتفاع الطلب.

في ظلِّ هذا الواقع، فإنَّ المنازل الجاهزة تُعَدُّ خيارًا مطروحًا لمواجهة مشكلة السكن، مع الأخذ بالحسبان تنفيذها وفق المعايير التصميمية، ويساهم تزايد المعروض في السوق في انخفاض السعر.

خاتمة:

لا شكَّ أنَّ مثل هذه المنازل تحقِّق حلم امتلاك بيتٍ يليق بساكنه ذي الدخل المحدود، لا سيِّما في البلدان النامية التي تواجه صعوباتٍ اقتصادية، ممَّا يجعل تناول تصميم وإنتاج مثل هذه المنازل في دراسات مهندسي المدن والعمارة أمرًا مهمًّا يساهم في تخفيف عبءٍ ثقيلٍ على كلٍّ من الأفراد والدولة والاقتصاد.

 (*) إطار البالون [2]: هو طريقةٌ في التشييد تعتمد على الخشب مادةً أساسية، انتشر استخدامها في القرن التاسع عشر كثيرًا في أميركا الشمالية. 

ملف درايف يحوي المقالات التي تمّ إعداد المقال بالاستعانة بها:  هنا

المصادر:

1- M. Panjehpour, A. A. Abang Ali: A review of Prefab Home and Relevant Issues: CONSTRUCŢII, 2013

2- M. Turan: Reconstructing The Balloon Frame: A Study In The History Of Architectonics: METU Journal of the Faculty of Architecture, 2009

3- هنا

4- F.Apaydin: Effectiveness of Prefabricated House Industry’s Marketing Activities and Turkish Consumers’ Buying Intentions towards Prefabricated Houses: Canadian Center of Science and Education, 2011.

5- Satheeskumar. N, et al: Performance Review of Prefabricated Building Systems and Future Research in Australia: Buildings, 2019

6- Sherif. M, et al: Offsite manufacturing in developing Countries: Current situation and opportunities: Conference Paper, 2014