العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل

منهجيَّة مؤسسة الآغا خان للثقافة في الحفاظ وإعادة إحياءِ مدينة حلب القديمة. الحالة التطبيقيّة: مشروعُ إعادة تأهيل سوق السَّقطية.

افتُتح منذ أيامٍ قليلةٍ سوق السَّقطية في مدينة حلب القديمة، الذي اختارته مؤسَّسة الآغا خان للثقافة ليكون تجربةً تطبيقيَّةً بصفته مشروع نموذجيّ (Prototype project) يهدف إلى إعادة إحياء مدينة حلب القديمة المُسجَّلة على قائمة التُّراث العالمي.

نتحدّث في المقالة عن مشروع إعادة إحياءِ مدينة حلب القديمة والحفاظ عليها، الذي عملت مؤسسة الآغا خان على إعداده مُتضمنًا دراسات نظريَّةٍ تحليليَّة وتطبيقيَّةٍ.

هدفت الدِّراسة النَّظريَّة إلى إعداد دراسةٍ عن الوضع الراهن ضمن المدينة القديمة، وإعداد مخططات تاريخيَّةٍ ومخططات لتقييم الضرر، نتج عنها مخططات أولويات التدّخل، إضافةً إلى دراسةٍ تحدد التكلفة المتوقعة لأي مشروعِ إعادة تأهيلٍ يُراد تنفيذه. 

إنَّ هذه المخططات تشكِّل أدوات تساعد في اتخاذ القرارات التَّرميميَّة في مشاريع الإحياء.

وتكمن أهميَّة الدِّراسة النَّظريَّة التَّحليليَّة في كونها خلصت إلى إعدادِ منهجيّةٍ نموذجيّةٍ يُمكن تكرارها في مشاريع إحياء بقية أجزاء المدينة القديمة، وتَبِعت الآغا خان الدِّراسة النظريَّة التَّحليليَّة بدراسةٍ تطبيقيَّةٍ عبر تنفيذِ مشروعٍ نموذجي (Prototype project)؛ هو إحياء سوق السَّقطية الأثري، ويعد نجاح المشروع ضمن المدَّة الزمنيَّة المتوقعة والتكلفة الماديّة المرصودة إقرارًا (validation) بمصداقيَّة المنهجيَّة التي اتبعتها الآغا خان لإعادة إحياءِ السوق التَّاريخيَّة وصحتها.

كان مبدأ بناء هذه المنهجيَّة يقوم على إمكانيَّة الاستفادة منها أو إعادة استخدامها من قِبل جميع  الفاعلين بمجالات الحفاظ وإعادة التَّأهيل سواءً في مدينة حلب القديمة أم في أيّة منطقةٍ أثريّةٍ أخرى [1] [2].

نقدِّم في البداية إشاراتٍ موجزةٍ عن مؤسسة الآغا خان للثقافة، وعن مدينة حلب القديمة لنشرح فيما بعد المنهجيَّة ومراحل التَّنفيذ.

أولًا- مؤسسة الآغا خان للثقافة:

تنشط مؤسسة الآغا خان للثقافة في مجال إعادةِ إحياءِ تراث المجتمعات وترميم المباني والمواقع التَّاريخيَّة، وهي إحدى وكالات شبكة الآغا خان للتنميَّة التي تعمل في ثلاثين بلدًا حول العالم [9] ومنها سورية، وبدأ التعاون في هذا المجال مع المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ عام الـ(2000)  لترميم ثلاث قلاع مهمة هي: قلعة صلاح الدين في اللاذقية، وقلعة مصياف، وقلعة حلب، إضافة إلى تطوير مشروعِ محيطِ قلعة حلب والأحياء التَّاريخيَّة المحيطة بها، وترميم عددٍ من البيوت التَّاريخيَّة المهمة في مدينة دمشق القديمة، واستمرَّ التعاون في هذا المجال حتى يومنا هذا[1] [3].

ثانيًا- مدينة حلب القديمة:

تقع مدينة حلب في شمال سورية، وتُعدُّ إحدى أقدم المدن المأهولةِ بلا انقطاعٍ في العالم، وربما كانت مأهولةً في الألف السادس قبل الميلاد، وكانت حلب في أوج ازدهارها خلال الألفيَّة الثانية قبل الميلاد عندما كانت عاصمةً للمملكةِ العموريَّة يمحاض. [5].

تقع حلب على مُفترق طرقٍ تجاريَّةٍ متعددةٍ ونشيطةٍ منذ الألفيَّة الثانية قبل الميلاد، وحكمها على التوالي الأموريون والحثيون والآشوريين والأكاديون والإغريق والرومان والبيزنطيون والأمويين والعباسيون والسلاجقة والزنكيون والأيوبيون والمماليك والعثمانيون، وتركوا جميعهم أثرهم في بنية عمارة المدينة[5].

مدينة حلب القديمة هي إحدى مدن التُّراث العالمي، وأُدرجت بناءً على قيمها العالميَّة الاستثنائيَّة وفق معياريين:

يتضمن المعيار الأول /iii/ فكرةً مفادها: أنَّ مدينة حلب القديمة تعكس الثقافات الغنيَّة والمتنوعة لشاغليها المتعاقبين، أمَّا المعيار الثاني /iv/ فهو أنَّها مثال بارز لمدينةٍ من العصر الأيوبي في القرن الثاني عشر [6]. يضاف إلى ذلك أنَّ قلعة حلب ومسجد حلب الكبير ومدارسها وقصورها وخاناتها جزءٌ من نسيج المدينة الحضري؛ مما يضفي عليها طابعًا فريدًا ومتناسقًا. 

وتعدُّ مدينة حلب من أهم المدن في أنحاء العالم؛ إذ كانت عاصمةً للثقافة الإسلاميَّة عام 2006 تأكيدًا على هذه الأهميَّة. [12].

ومنذ إدراجها على قائمة اليونيسكو للتُّراث العالمي في سنة (1986)، لم تتغير سمات موقع المدينة القديمة المحيطة بالقلعة المطلة عليها حتى اندلاع النزاع السُّوري ووصوله إلى حلب في سنة 2012[5]؛ إذ تعرضت المدينةُ للدمارِ الهائل نتيجةَ الحرب، وبيّنت اليونيسكو في تقريرها المشترك مع معهد الأمم المتحدة للتَّدريب والبحث (UNITAR) أنَّ (10%) من أبنيةِ المدينة القديمة تدمر كليًّا، و(51%) متضرر ضررًا متوسطًا أي يُمكن ترميمه، وذلك بعد تقييم (518) مبنى، ووجد التقرير الآتي:

(56) مبنى مدمر كاملًا، و(82) مبنى متضرر ضررًا شديدًا، و(270) مبنى متضرر ضررًا متوسط الشدة، بالإضافة إلى (20) ضررًا متوقعًا، و(8) لا يوجد ضررٌ ظاهرٌ بها [5].

وتُظهر (الصورة 1) حجم الدمارِ الهائل الذي حلَّ بالمدينة، ودفع المجتمع الدُّولي لتسجيلها على قائمة التُّراث الثَّقافي المعرَّض للخطر، ليكون تعبيرًا صريحًا عن قلقه بخصوص الحفاظ على قيمتها العالميَّة الاستثنائيَّة. [6]

صورة رقم 1:  الصور للأسواق قبل الدمار وبعده (يمين)، وصورة لمحيط القلعة (يسار)، ويظهر المخطط مدينة حلب القديمة إذ يرمز اللون البرتقالي للمناطق المتضررة [5].

إنَّ محاولة استعادة المدينة القديمة لمكانتها التَّاريخيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة كان الهدف الذي دفع مؤسسة الآغا خان للتدخل محاولةً الحفاظ على هذا التُّراث الثَّقافي الذي ما زال معرَّضًا للخطر وإعادة تأهيله  [1].

ثالثًا- المنهجيَّة النَّموذجيَّة للحفاظ وإعادة الإحياء:

عملت مؤسسة الآغا خان على إعداد دراسات نظريَّةٍ تحليليَّة وتطبيقيَّةٍ. 

هدفت الدِّراسة النظريَّة إلى إعداد مخططات تشمل دراسة وضعٍ راهن (مسح ثنائي وثلاثي الأبعاد) لثلاث عينات من المدينة القديمة (موضحة بالصورة 2)، وإعداد مخططات تاريخيَّة، ومخططات تحدد حجمَ الضرر ونوعه، إضافة إلى دراسةٍ تحدد التكلفة المتوقعة لأيّ مشروع إحياء لكلٍّ من العينات. وخلصت الدِّراسات النَّظريَّة إلى إعداد منهجيّةٍ نموذجيّةٍ يُمكن تكرارها في مشاريع إحياء بقية أجزاء المدينة القديمة، واتبِعت الآغا خان الدِّراسة النَّظريَّة بدراسةٍ تطبيقيَّة وذلك عبر تنفيذ مشروعٍ نموذجي؛ ليكون أحد عينات الدِّراسة. [1] [2]

صورة رقم 2: مدينة حلب القديمة المُسجَّلة على لائحة التُّراث العالمي، ومناطق العيِّنات المدروسة في المشروع، الصورة ترجمت من كتاب مدينة حلب القديمة [2].

أي أنَّ الوصول إلى المنهجيَّةِ وإقرارها تألَّف من مرحلتين أساسيتين، هما:

- مرحلة الدِّراسة النظريَّة (تحليليَّة- توثيقيَّة).

-  مرحلة الدِّراسة التَّطبيقيَّة.

وفيما يأتي شرحٌ لتفاصيل المرحلتين:

1: مرحلة الدِّراسة النَّظريَّة التَّحليليَّة  (دراسة الوضع الراهن):

هدفت الدِّراسةُ إلى الوصول إلى منهجيّةٍ سهلةٍ ومفهومةٍ وواضحةٍ وقابلةٍ للتكرار من خلال توثيق  الوضع الراهن لثلاث عيِّنات دراسيَّة وتحليلها وتقييمها:

المنطقة الأولى: الأسواق التَّاريخيَّة والجامع الأموي ومدرسة الشيبانيَّة (محيط الجامع الأموي الكبير).

المنطقة الثانية: قلعة حلب ومحيطها.

المنطقة الثالثة: باب الأحمر ومنطقة البيَّاضة (منطقة سكنيَّة). [2]

وقع الاختيار على دراسة هذه العيِّنات بسبب احتوائها على مختلف الوظائف التي تضمُّها مدينة حلب القديمة (الوظائف التجاريَّة أو الدينيَّة أو الاجتماعيَّة أو السكنيَّة)، وبذلك فهي تشكِّل نموذجًا يُمكن تكراره وتطبيقه على المدينة القديمة كلها. [1]

بدأ العمل الميداني بعد اختيار العينات، وكانت المهمَّة الأولى تحقيق مسحٍ شامل ودقيقٍ للأضرار التي تعرضت لها منشآت العينات الثلاث، وكان ذلك من خلال:

تقسيم كامل منطقة الدِّراسة -التي تضمُّ العيِّنات الثلاث- إلى مربعات متماثلة (zones)؛ لتسهيل عمليَّة توثيق الوضع الراهن وتحليله، وهو ما يتضح في الصورة رقم (3).

صورة رقم 3:  تحديد المناطق ضمن مربعات /شبكة؛ لتسهيل التَّصوير والتَّوثيق [2].

التقاط الصور بدقة عالية، ووصل عدد الصور إلى (318192) صورة: [3] استعملت في هذه المرحلة، إضافة إلى مجموعات التَّوثيق الميدانيَّة، طائرة دون طيّار (DRONE) وظيفتها التقاط صور ذات دقة عاليّة للمناطق المدروسة [7]. ووصل عدد الصور الملتقطة إلى (318192) صورة في خلال عشرة أيامٍ فقط. 

صورة رقم 4: تمثِّل النقاط الحمراء الأماكن التي توقفت فيها الطائرة دون طيار (DRONE) لالتقاط الصور [2].

صورة رقم 5 : اختيار حدود الصور من خلال نقطة التقاطها.

تمثِّل النقطة الحمراء نقطة وقوف الطائرة دون طيار لالتقاط الصور في إحدى مربعات المنطقة المدروسة [2]. 

 معالجة الصور للوصول إلى توثيق ثلاثي الأبعاد: عُولجت الصور للوصول إلى توثيق ثلاثي الأبعاد للعينات باستعمال البرامج الحاسوبيَّة.

تحليل العيِّنات الموثَّقة: شكَّل التَّوثيق الثلاثي الأبعاد أداةً دقيقةً لتحديد (Identification) الركام، وتقييم الأضرار، وإعداد مسحٍ للعينات كلها. 

صورة رقم 6: مقاطع في سوق السَّقطية ضمن المنطقة الأولى ناتج عن الكتلة ثلاثية الأبعاد التي استُنتِجت من معالجة الصور عن طريق البرامج الحاسوبيَّة.

وتُعدُّ النماذج الثلاثيَّة الأبعاد إحدى وسائل توثيق الآثار التَّاريخيَّة، التي يُمكن استعمالها أدواتٍ للبحثِ العلمي أو لحفظِ ذاكرة الموقع، أو لتحقيقِ إمكانية الوصول –على نحو رقمي أو مطبوع– إلى بنيةٍ ماديّةٍ لا يُمكن رؤيتها بغير ذلك، وكذلك توفّر النماذج الثلاثيَّة الأبعاد نقطةَ بدايةٍ لمناقشة إعادة إعمار المباني أو الأحياء، ويُمكن استعمالها في سياق السّياحة أو المتاحف.

ولمّا كانت نماذجَ افتراضيّة فإنّه يمكن مشاركتها على مستوى العالم من خلال الإنترنت وتخزينها رقميًّا بسهولة أو طباعتها باستعمال طابعة ثلاثيَّة الأبعاد. 

وبهذه البنية الماديَّة الناتجة نحصل على معلومات مثل المقاطع الظاهرة في الصور أو الموقع العام في (الصورة 7)؛ أي مخططات يُمكن إعداد المشاريع التفصيليَّة من خلالها كما في حالتنا الدراسيَّة. [8]

صورة رقم 7: موقع عام لسوق السَّقطية ناتجٌ عن الكتلة الثلاثيَّة الأبعاد التي استُنتِجت من معالجة الصور عن طريق البرامج الحاسوبيَّة. المصدر: Bruno Deslandes.

وتظهر الصورة رقم 8 تحليل الصورة الجويَّة واستعمالها في تحليل الضرر وتقييمه [2].

صورة رقم 8: مرحلة تحليل الصورة وترجمتها إلى مخطَّط تحليل الضرر [2].

اتُّبعت الخطوات التَّحليليَّة المتكررة على كل مبنى للوصول إلى توثيقٍ وتحليلٍ ذي دقةٍ عاليّةٍ، يُمكن من خلاله استنتاج مخططات للمناطق المدروسة كلها بنسب خطأ محدودة، وتوضح الصورة الآتية الفهرسة والتعيين لكل مبنى على المخطط الكادسترائي للمدينة، بحيث يُحدد الرقم والتَّصنيف بهدف سهولة الرجوع إلى المعلومة، ومن ثمَّ يحدد الضرر وموقعه وحجمه مرفقًا بالصورة المتوافقة[2] [1]. 

صورة رقم 9: عناصر/ خطوات تحليل الضرر وتقييمه النموذجيَّة رقم (1) [2].

وبذلك؛ نتج عن هذا التَّحليل (standard assessment form) نموذج تقييم قياسي موضح في الصورة (10)، مؤلّف من معلومات تفصيليَّة تقيِّم الوضع الراهن لكل مربّع من مربعات الدِّراسة، وتوضِّح الصور الآتية منهجيَّة العمل التي نُفذت على المربع (A6) لتحليل الضرر وتقييمه[2] [1].

صورة رقم 10: عناصر/ خطوات تحليل  الضرر وتقييمه النموذجيَّة.

تحديد الأضرار تفصيليًّا من خلال الصور عالية الدِّقة [2].

نتج عن التَّحليل الدقيق المخططات الآتية:

1- مخطط تحليل الضرر العام.

2- مخطط تحليل الضرر التَّفصيلي.

3- مخطط أولويات التَّدخل بناءً على نسبة الضرر.

4- مخطط أولويات التَّدخل بناءً على الأهميَّة التَّاريخيَّة.[2] [1]

صورة رقم 11: المنطقة الأولى الأسواق والجامع، تحليل عام للضَّرر[2].

صورة رقم 12: مخطط أولويّات التَّدخل  بناءً على نسبة الضرر، منطقة الجامع والأسواق[2].

 

قدَّمت المخطّطات السَّابقة فكرةً عامةً عن حجم الضرر، ولكن للحصول على نتائج أكثر دقَّة كان لا بدَّ من الوصول إلى أرقامٍ دقيقةٍ بخصوص نسب الضرر وعدد المباني المتضررة؛ لذا عملت المؤسسة على إيجاد جداول وإحصائيَّات بعددِ المباني المتضررة تبعًا لمنطقتها ووظيفتها وعددها ونسب الضرر فيها.[2] [1]

صورة رقم 13: نتائج الإحصائيَّات/ والمساحات تبعًا للضرر ووظيفة البناء[2].

صورة رقم 14: نتائج الإحصائيَّات[2].

صورة رقم 15: جداول وإحصائيات تخصُّ النسب المساحيَّة للمباني المتضرِّرة تبعًا لوظيفتها ونسب الضرر.[2]

عملت مؤسَّسة الآغا خان على جعل المنهجيَّة أكثر واقعيَّة وقابليّة للتنفيذ من خلال تحديد مدة الأعمال وتكلفتها المتوقعة بالمقارنة.

كيف حُدِدت التكلفة بالمقارنة؟

عملت مؤسسة الآغا خان على ترميم برج الطاحونة الهوائيَّة لقلعة حلب عام 2017، وبناءً على جداول التكلفة التي أعدتها في مشروع الطاحونة من أسعار مواد وتنفيذ وغيرها…؛ احتسبت التكلفة المتوقعة لأعمال مشاريع إعادة تأهيل العينات الثلاث من المدينة القديمة؛ أي أنَّه بتعميم تكلفة مشروع الطاحونة على النِّسب المساحيَّة ونوع المواد المستعملة في المشروع وتقنيات التنفيذ -نظرًا لكون المواد والتِّقنيات المستعلمة متماثلةً في مشاريع المدينة القديمة- احتُسِبت التكلفة. 

تكمن الأهميَّة في ذلك بأنَّه يُمكن حساب التكلفة بالمقارنة لأعمال إعادة التَّأهيل كافة التي يُمكن أن تحدث مستقبلًا في المدينة القديمة، بالاعتماد على مخططات تقييم الضرر وأولويات التَّدخل. 

وتُعدُّ جداول التكلفة الناتجة إحدى أدوات اتخاذ القرار التَّرميمي في منهجيَّة مؤسسة الآغا خان. [1]

جُمِع هذا التَّحليل في كتاب:

"OLD CITY OF ALEPPO- Building Information and Preliminary Damage Assessment in Three Pilot Conservation Areas"

"مدينة حلب القديمة/ معلومات المباني الأوليَّة وتقييم الأضرار الأوليَّة في ثلاث مناطق للحفاظ".[1][2]

صورة رقم 16: غلاف كتاب مدينة حلب القديمة/ معلومات المباني الأوليَّة وتقييم الأضرار الأوليَّة في ثلاث مناطق للحفاظ [2].

ولكن بماذا يفيدنا تحليل الوضع الراهن وتقييم الضرر؟

 يعتمد اتخاذ القرارات التَّرميميَّة على تحليل الوضع الراهن وتقييمه، الأمر الذي يفيد بتحديد أولويات التَّدخل في المناطق المُراد إعادة تأهيلها، ومثلت المخططات السابقة إحدى أدوات اتخاذ هذه القرارات إضافة إلى الدِّراسة النَّظريَّة للموقع، التي غطت المراحل التَّاريخيَّة والوظائف التي يشغلها وعقاراته المختلفة، ويتناسب تأثير القرار الترميمي ودقته مع دقة هذه الأدوات وتفصيلها.[2] [1]

هل يمكن اعتماد هذه المنهجيَّة لاستكمال إحياء المدينة؟

توصلت مؤسسة الآغا خان للثقافة بالاستناد إلى التوثيق ذي الدقة العالية الذي شُرح سابقًا إلى صيغةٍ نموذجيّةٍ لتحليل الضرر وتحديد أولويات التَّدخل، وتمثل هذه الصيغة أداةً مساعدةً جدًّا باتخاذ القرار في المرحلة التالية وهو القرار المتعلق باختيار تفاصيل مشروع إعادة التَّأهيل والإحياء، ويُمكن استعمال كتاب "مدينة حلب القديمة" ليكون مرجعيةً وأداةً لاتخاذ القرار.

كيف يُستعمل الكتاب؟

تُحدَّد في البداية المنطقة المستهدفة بناءً على جملة من المعايير وعلى الهدف من عملية الإحياء، وتزوِّدنا المخططات ونسب الضرر والتكلفة التَّقديريَّة والمدة المتوقعة بتوقعٍ مستقبلي دقيق بنسبةٍ كبيرةٍ للمشروع، أي تحديد الكميات المطلوبة من المواد (حجر، ومونة...) وتكلفة هذه المواد، والوقت المتوقع للعمل والموارد البشرية اللازمة. [2] [1]

حققت دراسة العينات الهدف المُفترض من المنهجيَّة المتبعة، والمتمثِّل بكونها دراسة نموذجيّة يُمكن تكرارها والاستفادة منها في إحياء المدينة القديمة من خلال استعمال الرسوم التَّوضيحيَّة الموثِّقة والنسب المئويَّة والحسابات المساحيَّة والترميز اللوني ومخططات دقيقة لأجزاء العينات المدروسة. [1]

2: مرحلة الدِّراسة التَّطبيقيَّة: إحياء جزءٍ من المدينة القديمة

أولًا- معايير اختيار منطقة المشروع  المراد إعادة تأهيله ووظيفته:

بدأت عملية الاختيار بوضع معايير بالاستناد إلى منهجية شبكة الآغا خان التي تحفِّز التنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة [9]. وكان لعامل الفائدة الاقتصاديَّة دور كبير في الاختيار، ووضَّح ممثل مؤسسة الآغا خان في سورية لويس مونريال أهمية كون التُّراث الثقافي ذا فائدة اقتصاديَّة بقوله:  

“cultural heritage if not have an economic use is not a valuable asset” [10] 

وقد وجدت منظمة الآغا خان أنَّ أسواق المدينة القديمة في حلب إحدى الفعاليات الرئيسة التي بإمكانها التَّأثير في المحاور الثلاثة السابقة، ويتمثل العامل الاقتصادي في  كون رواد السوق في غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، وترتبط الأنشطة التجاريَّة فيه ببيع المنتجات اليوميَّة؛ مما يخدم التجار وأصحاب المحلات وكل فئات المجتمع من مدينة حلب، الأمر الذي يضمن تفعيله من جديد بعد الترميم وعودة الحركة التجاريَّة إليه [4][1].

ولم تكن الأسواق التاريخيَّة مجرد أماكن للتجارة فحسب؛ بل هي مراكزٌ تفاعليَّة اجتماعيَّة وثقافيَّة وأماكن التقاء وحوار ونقاش وتفاعل اجتماعي لأهل حلب [13]. ناهيك عن الأثر الملموس الذي سيضفيه ترميم السوق في بنية المدينة وتحوله إلى بارقة أملٍ تمهدُّ الطريق أمام عملية الإحياء الشاملة للمدينة القديمة، الأمر الذي يشكِّل تحدِّيًا كبيرًا نظرًا إلى حجم الدَّمار الهائل. 

وبعد تحديد وظيفة المشروع (الأسواق) كان لا بدَّ من تحديد السوق المُراد إعادة تأهيله، وهنا استُعين بمعيار السُّرعة في الإنجاز (أي اختيار سوقٍ ذي نسبة ضررٍ أقل)، ومعيار المركزية (أي احتلال السوق لموقعٍ يتوسط المدينة القديمة). [1]

بعد تطبيق المعايير السابقة وقع الاختيار على سوق السَّقطية؛ ليكون الحالة الدِّراسيَّة التي ستعمل مؤسسة الآغا خان الثقافيَّة على إعادة تأهيلها. 

ثانيًا- سوق السَّقطية:

كانت حلب مدينة تجارية عامرة بالسكان والمحلات التجاريَّة؛ إذ وصل طول أسواقها المسقوفة إلى (16) كم، وعدد أسواقها إلى (119) سوقًا في بدايات القرن العشرين [4]. ويعود تصميم شوارع أسواقها (الشبكة المتعامدة) إلى الفترة الهلنستية. 

والمحور الرئيس للأسواق المسمى "سوق المدينة" كان نقطة محوريّة تجاريَّة مهمة تجذب سكان المدينة والريف من أنحاء حلب كافة، ويتوسطه سوق السَّقطية الذي ذكره خير الدين الأسدي بكونه من "أعمر أسواق حلب" في كتابه "أحياء حلب وأسواقها".

بعد اختيار سوق السَّقطية بدأت مرحلة دراسة السوق؛ إذ جُمِعت معلومات المباني وتقييم الضرر للسوق بناءً على المنهجيَّة السابقة، التي وثِّقت في كتاب "مدينة حلب القديمة". 

صورة رقم 17:  تجميع المعلومات [2].

بالاعتماد على التوثيق وُجِد أنَّ السوق يمثل حالةً تظهر دليلاً على حجم ضرر ضخم؛ ولكن لا توجد انهيارات كبيرة وحُدِد مخطط مقترحات التدخل، وأوصت الدِّراسة بتنفيذ إعادة بناءٍ انتقائيةٍ وترميمٍ إنشائي، وإعادة تأهيلٍ عامة.[2]

وُثِّقت الأعمال المُنفَّذة في سوق السَّقطية ضمن كتاب:

"إعادة تأهيل سوق السَّقطية" (REHABILITATION OF THE SAQATIYYA SOUK)

وشُرحت المراحل التي عُمِل عليها، والمنهجيَّة المتَّبعة في إعادة التَّأهيل، وستوضح في الجزء الثاني من مقالنا. 

ولعل أهم ما قدَّمته مؤسَّسة الآغا في هذه الكتب هو التوثيق الدقيق لما عُمِل عليه؛ ليشكِّل خطوات مدروسة توجِّه إعادة إحياء النسيج كله، كما جُمِعت مشاريع الإحياء المقترحة في كتاب:

(PLAN OF RECONSTRUCTION AND RECOVERY OF THE ANCIENT CITY OF ALEPPO) 

"خطة إعادة البناء والتعافي لمدينة حلب القديمة". 

وأخيرًا؛ لطالما كانت مدينة حلب قادرةً على التَّغلُّب على حلقات من التَّدميرِ خلال تاريخها الطويل [5]، وافتتاح السوق ليس نهاية الأمر، وإنَّما هو نقطة البداية لتواتر دوائر إعادة الإعمار لكل النَّسيج التاريخي.

وهذا ما نأمله، فهل ترون الأمل كما نراه؟ 

صورة رقم 18: مدينة حلب القديمة حيث تظهر أسطح سوق السَّقطية المرمَّمة وسط الصورة. المصدر: مؤسَّسة الآغا خان للثقافة.

جميع الصور والمخططات والمعلومات الواردة محمية بموجب قانون حقوق الملكية الفكرية ولا يمكن استعمالها دون الحصول على موافقة مسبقة من مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية.

يمكن التواصل مع المؤسسة عن طريق الرقم الآتي:

+963113343610

المصادر:

 [1] - ع. اسماعيل، Interviewee، مدير مؤسسة الآغا خان لشؤون الخدمات الثقافية. [مقابلة]. 21 تموز 2019.

[2] - Aga Khan Cultural Services (Syria), AKTC Management and Stuff, AKTC consultants, University of Venice (IUAV), Think City and Iconem, OLD CITY OF ALEPPO- Building Information and Preliminary Damage Assessment in three Pilot Conservation Areas, Aleppo: AKTC, 2019. 
[3] - د. اسماعيل، Interviewee، شبكة الآغا خان ومشاريعها ضمن سورية في المختار مع باسل محرز. [مقابلة]. 2018.

[4] - ك. ش. أبو جبل و ن. س. الجباعي، أسواق حلب في العصر العثماني (1516- 1918م)، دمشق: كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة دمشق، 2016. 

[5] - UNITAR-UNOSAT/France and the United Nations Institute for Training and Research (UNITAR), FIVE YEARS OF CONFLICT/ The State of Cultural Heritage in the Ancient City of Aleppo, Paris: the United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, 2018. 
[6] - U. W. H. Centre, "UNESCO website," [Online]. Available: هنا .
[7] - "space.com," [Online]. Available: هنا . [Accessed 03 08 2019].
[8] - "استعادة التراث الثقافي العمراني بعد النزاع-النماذج ثلاثية الأبعاد," German Archaeological Institute, [Online]. Available: هنا . [Accessed 22 08 2019].
[9] - "شبكة اللآغا خان للتنمية," [Online]. Available: هنا .
[10] - "حفل افتتاح سوق السقطية حلب القديمة 2019.10.17," [Online]. Available: هنا . [Accessed 23 10 2019].
[11] - س. ألفا، الارتقاء المعماري بالواجهات في حلب القديمة كمدخل لتطوير السياحة الثقافية، حلب: جامعة حلب، 2015. 

[12] - "isesco," [Online]. Available: هنا . [Accessed 07 09 2019].
[13] - E. Gokalp and F. Uguz , "The Reconstruction of Aleppo’s Historic Center," Politecnico milano, Milano, 2018.