علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

تجربة الاقتراب من الموت

غالبًا ما تكون تجربة الاقتراب من الموت نقطةَ تحول في حياة الشخص، تحدث في ظروف فيزيولوجية قاسية مثل الصدمة وتوقف نشاط الدماغ؛ إذ لا وجود للوعي أو للخبرات الحسيّة، يصفها معظم الأشخاص الذين مروا بها بأنها أكثر واقعيةً من حياتهم الحقيقية، ولم تكن شبيهةً بالحلم أو مجرد هلوسة على الرغم من أنه في بعض الأحيان تكون مخيفةً ومزعجة، لكن في الوقت نفسه يستطيع المجربون التحققَ من بعض المعلومات التي ليس باستطاعتهم التحققُ منها بالوسائل العادية.

يمرُّ الشخص -عن طريق تجربة الاقتراب من الموت- بعدة مراحل ناتجة عن تغيرات متباينة في نشاط الدماغ على الرغم من اختلاف التجربة من شخص إلى آخر، ففي بداية التجربة تقل آلية تحريك الأوكسجين في الدم ما يؤدي الى إبطاء عمل الأعصاب وتوليد الشعور بالسلام والهدوء، ومع تقدم التغييرات يصل التأثير إلى القشرة البصرية فيسبب إحساسَ الانجراف إلى نفق أو إلى الظلام، وتسبب التغيرات الإضافية فرطَ نشاطٍ في الخلايا العصبية نفسها وتتحول إلى هلوسة بصرية فيرى الشخص ضوءًا لامعًا، ويطغى في هذه اللحظات الشعورُ بأنه وصل إلى الحب المطلق والمعرفة اللامتناهية.

وفي المرحلة الأخيرة، وقبل توقف الجزء المسؤول عن الوعي في الدماغ؛ تحدث الهلوسة التي تكون في الغالب عبارةً عن مراجعة مراحل الحياة وتذكُّر أحداثٍ مهمة أو معاينة أحداث مستقبلية لم تأتِ بعد أو لقاءات مع أحباء متوفين أو شخصيات أخرى غالبًا دينية.

قُدِّمت عديدٌ من التفسيرات الطبية والنفسية لأسباب تجربة الاقتراب من الموت لكنَّها تظل متضاربة وغالبًا ما تفشل في تفسير الظاهرة بأكملها. تشير معظم النظريات إلى أن هذه التجربة تحدث نتيجةً للتغيرات الجسدية في الدماغ عند تعرضه للموت أو التوتر، ومنها ما يفترض أن فقدان الدماغ للأوكسجين هو السبب الكامن وراء هذه التجربة، وأخرى تشير إلى أن النجاة من الصعاب (قضاء ساعات بدون تنفس أو نبض) تُبقي المريضَ في حالة ما بين الموت والحياة يمرّ عن طريقها بالتجربة، وتشير إحدى النظريات أيضًا إلى أنه من الممكن المرور بهذه التجربة في حال كان الشخص تحت التخدير ولكنّه لا يزال يسمع أصواتًا من حوله.

وأجرى باحثون في جامعة (Southampton) دراسةً سُميت بـ (الوعي في أثناء الإنعاش - AWARE) على مجموعة من المصابين بسكتة قلبية لدراسة حالات الوعي والخبرات؛ فوَجَدَ الأطباء أن الغالبية لم تكن لديهم ذكرياتٌ محددة عن هذا الحدث وكان تفسيرهم لذلك أن إصابة الدماغ أو العقاقير المشابهة للمهدئات هي السبب، وكان لنسبة قليلة منهم تجربةٌ مشابهة لتجربة الاقتراب من الموت، ونسبةٍ ضئيلة جدًّا لديها تجربةٌ خارج الجسم، وبذلك لم يتمكن الباحثون من التأكد -أن تجارب الموت تحدث- بثقة تامة.

إضافة إلى ذلك، أجرى باحثون في جامعة واشنطن بحثًا يتعلق بنشاط الدماغ لمرضى مصابين بأمراض خطيرة أُزيلوا من دعم الحياة، وقد لاحظوا وجودَ طفرة في النشاط العصبي في وقت الوفاة أو بالقرب منه، في حين كانت توقعاتهم موتَ الدماغ بسبب نقص تدفق الدم، فكان تفسير الباحثين أنه مع تباطؤ تدفق الدم ونفاذ الأوكسجين لم تعد الخلايا الدماغية قادرةً على الحفاظ على شحنتها الكهربائية، ما يحدث بعد ذلك هو سلسلةٌ من النشاط  يمتد عبر الدماغ؛ إذ إن هذه النوبات تحدث في مناطق الذاكرة في الدماغ وهذا ما يفسر الذكرياتِ الحيّة التي يبلِّغ عنها الأشخاص الذين يُنعشَون.

وتركز معظم الدراسات والأبحاث عن تجربة الاقتراب من الموت على الآليات العصبية والنفسية في أثناء مراحل التجربة لكنّه في الوقت نفسه لا يُؤخذ بالحسبان معنى هذه التجارب.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا