كتاب > الكتب العلمية

مراجعة كتاب (الغريزة والثقافة؛ دراسات في علم النفس): علاقة الإنسان بنفسه

"هناك ثلاثة من العلماء الذي ينتمون إلى دائرة الثقافة الألمانية، أو الذين خرجوا منها في الواقع وساهموا إسهامًا حاسمًا نظريًّا وعمليًّا في تغيير العالم برمَّته، وهم عالم الاقتصاد (كارل ماركس)؛ الذي غيَّر علاقة الإنسان بالإنسان، و(ألبرت آينشتاين)؛ الذي غيَّر علاقة الإنسان بالكون، و(سيغموند فرويد)؛ الذي غيَّر علاقة الإنسان بنفسه."

ويفتتح المترجم (حسين الموازني) مقدمةَ كتاب (فرويد) (الغريزة والثقافة؛ دراسات في علم النفس) بوصفه عالِمًا غيَّر علاقة الإنسان بنفسه؛ إذ إنَّ (سيغموند فرويد) أنتجَ ثورةً في علم التحليل النفسي وعُدَّ واحدًا من أهم مؤسِّسي الحداثة ورواد الفكر الغربي، إضافةً إلى أنَّ(فرويد) ترك بصمة واضحة في النقد الأدبي ودراسة التاريخ الفني وعلم الاجتماع، ونشهد ذلك في ثقافتنا العربية في أنحاء شتَّى، ومنها ما طرحه الناقد والمفكر الراحل (جورج طرابيشي) حين أسقط التحليل النفسي لـ(فرويد) على الرواية العربية.

ويتناول الكتاب عشر مقالات مختارة تعالج مواضيع مختلفة؛ مثل الكبت الجنسي وأخيلة الطفولة والعلاقات بين الآباء والأبناء وتصوُّرات الأطفال والخيال الشعري والحرب والسلام، وقد تُرجم الكتاب عن لغته الأصلية "الألمانية"،  إضافةً إلى أنَّ المترجم (حسين الموازني) يقدِّم هذه الترجمة بلغة بسيطة قدر المستطاع، ومرفقةٍ بهوامش توضيحية لبعض المعلومات والمصطلحات؛ ليكون العمل مفهومًا للقارئ المختص وغير المختص، وسوف نسلِّط الضوء في هذا المقال على أهم الخطوط العريضة التي تناولها فرويد في مقالاته.

التصوُّرات الجنسية لدى الأطفال:

يُحلِّل فرويد حالة (كاترينا) -وهي فتاة مصابة بنوبات متباعدة من الهلوسة- عن طريق حوارٍ يُنقَل إلى القارئ على شكل جلسة تحليلٍ نفسي، وقد كان توثيق (فرويد) للقائه مع (كاترينا) توثيقًا علميًّا يقدِّم حالة الفزع المغروزة في لاوعي الحالة المذكورة، ومنه يشرح (فرويد) كيفية العلاج النفسي عن طريق استخراج الذكريات من اللاوعي ومحاكمتها علنًا؛ ففي حالة (كاترينا) استخرج (فرويد) سبب الهلوسة، والذي كان مشهدًا صادمًا بالنسبة إليها في طفولتها، وهو مشهد مباشر لعلاقة جنسية، ومحاولة تحرُّش مرَّت بها، ففُسِّرت في عقل (كاترينا) بأنَّه مشهد عنيف وغير مفهوم،  فكان مشهدًا صادمًا ترك أثره في صحتها النفسية.

وينتقل (فرويد) من هذه الحالة إلى التحليل النفسي لتصوُّرات الأطفال الجنسية، والتي تبدأ بسؤال الطفل لوالديه: كيف جئنا إلى الحياة؟

ويفسِّر (فرويد) هذه التصوُّرات تفسيرًا مُفصَّلًا، ويرفق بذلك الحالات النفسية للطفل في مراحل معينة وردَّة فعلهم "السلبية" في حين التعامل الخاطئ من الآباء تجاه أطفالهم المُقدمين على التصوُّرات الأولية عن الجنس والعلاقة الحميمة والشهوة والولادة والأعضاء التناسلية.

الممارسات القسرية:

يقدِّم فرويد الممارسات القسرية على أنَّها مرض، ومن شروط هذا المرض رضوخ الشخص الخاضع لحالة قسر وإجبار دون أن يعرف دلالته، أو يدرك وجوده على الأقل، ولا يدرك معنى الممارسة القسرية إلا بعد أن يخضع لعلاج التحليل النفسي، فيفهم حينئذٍ دوافع حالته ولماذا يخضع لها.

وإنَّ هذا التعريف بجزء منه يُعيدنا إلى حالة (كاترينا) التي ذُكِرت سابقًا، فهي لم تُعالج إلا بعد أن خضعت للتحليل النفسي وتعرَّفت إلى حالة الممارسة القسرية التي خضعت لها في طفولتها.

"قد أتاح تحليل الممارسات القسرية فرصةً للاطلاع على مسببها وتداخل دوافعها الرئيسية، ويمكن القول إنَّ الشخص الذي يعاني من القسر وسطوة المحظورات يتصرَّف وكأنه يقع تحت سلطة الشعور بالإثم، الأمر الذي يشكل تناقضًا مع الواقع. ويعود مصدر الشعور بالإثم إلى العمليات الروحية التي كانت تجري في مرحلة مبكرة من السنِّ."

ويقدِّم (فرويد) في محاضرته (الشاعر والخيال) نوعًا من التحليل العميق لفنِّ الشعر وربطه بالفانطازيا؛ إذ إنَّ صُنْع العوالم الخيالية عن طربق القصائد الشعرية، والأدب عمومًا  مرتبطٌ بدافع الطفل لصُنْع عوالمه الخيالية مع ألعابه التي يعاملها على أنَّها حقيقة، ولكن؛  تُستبدل هذه الألعاب -عند النضوج- باللغة وهذه العوالم بأحلام اليقظة المتسترة في ذهن الشعراء، فمرحلة الرشد هنا هي عملية استبدال الأوهام الأولى التي تُعامل على أنَّها حقيقة بالـ"الشعر". ويوضِّح (فرويد) في هذه النقطة صعوبة ضمِّ الشعراء إلى الفئة نفسها، بل إنَّه يقصد تلك الشعارات المنطلقة من ذواتهم وليس من ذواتٍ تستعير التراكيب الخيالية الجاهزة من الأساطير أو شعراء آخرين.

الحزن والكآبة:

يحدُّ بين الحزن والكآبة -حسب طرح (سيغموند فرويد)- أنَّ الكآبة تنطبق على فقدان شيء دون الوعي به، على العكس من الحزن الذي يعي كل شيء في حالة الفقدان؛ إذ إنَّ الحزن ينتهي مع إدراك النفس له وتحرِّر الـ(أنا)، بينما الكآبة حالةٌ لها مقومات وآثار أكثر تعقيدًا.

ويستفيض (فرويد) في شرح حالة الكآبة مقارنةً مع الحزن، وينفذ من ذلك إلى حالة الهوس وسلوكيات المُكتئب ودوافعها، ويناقش مُحلِّلًا حالة الانتحار وتعامل الـ(أنا) معها أيضًا.

ومع أنَّ المقال لم يُخرِج تفسيرًا واضحًا ومباشرًا لمعضلة الكآبة كونها حالة واضحة الملامح تمامًا، وبهذا، تكون قابلةً للعلاج المباشر عن طريق التحليل النفسي، ولكنَّ (سيغموند فرويد) يوضِّح ويؤسِّس كثيرًا من عوارض الكآبة وأسبابها وأثارها، مع  الذكر بأنَّنا نطرح هنا فكر (سيغموند فرويد) في عصره دون التطرُّق إلى الطب النفسي المعاصر وأساليبه الحديثة والمُطوَّرة.

ألبرت آينشتاين/سيغموند فرويد؛ لماذا الحرب؟

وهو القسم الأخير من الكتاب، والذي يعرض رسالة الفيزيائي (ألبرت آينشتاين)، والردَّعليها من (سيغموند فرويد) فيما يتعلَّق بأسباب الحرب وسُبل إيقافها.

وتحمل هاتان الرسالتان كثيرًا من السمات الإنسانية المجبولة مع العلم، سواءً أكان علم النفس أم الفيزياء، فإنَّ أصحاب هاتين الرسالتين قد غيَّرا علاقة الإنسان بالكون وبنفسه، وهذا ما يعطي طابعًا مثيرًا في التحقُّق من رأيهما فيما يتعلَّق بالحرب.

معلومات الكتاب:

فرويد، سيغموند. الغريزة والثقافة؛ دراسات في علم النفس. ترجمة: حسين الموزاني. بغداد-بيروت: منشورات الجمل، طــ 1. 2017. عدد الصفحات:148