المعلوماتية > الحوسبة الكمومية

غوغل تُحرز قفزة نوعية نحو تحقيق التفوق الكمومي!

مُذ سطع نجم الحوسبة الكمومية في الأوساط العلمية والأكاديمية، بدأ ناقوس الخطر يدقُّ في وجه الحوسبة التقليدية، أجل! قد يكون حاسوبك الجميل الذي تعمل عليه وتتصفح مقالاتنا من خلاله معرّضاً لخطر الانقراض!

هذا ما تَعِدُ به شركة غوغل، وآخر قفزاتها التقنية تتمثَّل في بناء مُعالجٍ فائقِ النّاقلية وقابل للبرمجة بغرض إجراء تجربة توثِّق اقترابنا من التفوق الكمومي.

تعرفوا إلى هذه التجربة وحيثيات الموضوع في المقال الآتي.

التفوق الكمومي (quantum supremacy)؛ يعني قُدرة الحواسيب الكمومية على إنجاز مُهمات لن تقدر أكْفَأُ الحواسيبِ الفائقة التقليدية Supercomputer على إنجازها مهما طال زمن تنفيذها؛ وقد صاغ هذا المفهوم عالم الفيزياء النظرية جون بريكسل (John Preskill) عام 2012 ميلادية.

مؤخراً؛ نشرَ باحثون من غوغل نتائج تجرِبةً أجروها على المُعالج (Sycamore) الذي طوروه في مُختبراتهم؛ وهو مُعالجٌ  فائق الناقلية (Superconducting Processor) قابلٌ للبرمجة وسعته 54 كيوبتاً qubits (بتاً كمومياً)، ثُم إنه مكوّن من بوابات منطقية كمومية سريعة وعالية الدقة.

 مفادُ هذه النتائج أن المُعالج (Sycamore) قادرٌ على إنجاز عملية حسابية في غضونِ 200 ثانية (أي ثلاث دقائق وعشرين ثانية) في حين سيتطلب الأمر ما يقارب 10 آلاف سنة لإنجازه على أقوى الحواسيب الفائقة التقليدية، وذلك وفقاً لتقديرات توصلوا إليها من قياسات أجروها خلال تجرِبتهم.

شرح التجرِبة

نظراً لعدم وجود بِنيةٍ في الدارات العشوائية (random circuit) يُمكن استغلالها في الحواسيب التقليدية، تطلب مُحاكاة هذا النوع من الدارات الكمومية قدرةَ مُعالجة هائلة للغاية في أقوى الحواسيب الفائقة التقليدية.

ينتج كل تشغيل للدارات الكمومية على حاسب كمومي سلسلة من البتات (bitstring) مثل 00101K، وبسبب ظاهرة التداخل الكمومي (quantum interference)، فإن ظهور بعض سلاسل البتات أكثر ترجيحاً من ظهور بعضها الآخر حين تكرار التجرِبة عدّة مرات.

ومع ذلك، العثورُ على سلاسل البتات الأكثر ترجيحاً من أجل دارة كمومية عشوائية مُعينة يصبح بالغ الصعوبة عند تطبيقه على حاسوب تقليدي؛ خاصة مع زيادة أبعاد الدارة؛ عدد الكيوبتات qubits (عرضها) وعدد دورات البوابات- gate cycles (عمقها).

في التجربة؛ شُغِّلت (تمت مُحاكاتُها) داراتٌ عشوائيّةٌ مُبسطةٌ (simplified circuits) تتراوح أبعادها بين 12 و53 كيوبتاً qubits عرضاً مع إبقاء عمقها ثابتاً. اختُبر أداء الحاسوب الكمومي باستخدام مُحاكاة كلاسيكية وقورنت مع الأنموذج النظري، وبمُجرد التحقق من عمل النظام، شُغِّلت دارات صلبة (hard circuite) بعرض 53 كيوبت، مع زيادة العمق إلى الحد الذي أًصبحت عنده المُحاكاة التقليدية غير مُمكنة.

تُعدُّ هذه النتيجة أول تحدٍّ تجريبي ضد أطروحة (Church-Turing thesis: 1935- 1936) الموسعة، التي مفادُها أن الحواسيب التقليدية قادرة على تنفيذ أي أنموذج حسابي معقول بفاعلية. لكن؛ مع أول حساب كمومي غير قابل للمُحاكاة على الحواسيب التقليدية، يبدأ عهدٌ جديد للحوسبة لكي نستكشفه.

صورة رقم (1): تقدير زمن التحقق للدارات الكمومية المتفوقة كمومياً (أي لا يُمكن إنجازها على الحواسيب التقليدية) مُتمثلاً في دالة تابعة لعدد الكيوبتات وعدد دورات خوارزمية (Schrödinger-Feynman). تُظهِر النجوم الحمراء زمن التحقق المقدّر للدارات في التجربة.

المُعالج Sycamore 

شُغلت التجربة المشروحة آنفاً على مُعالج Sycamore؛ هو مُعالج قابل للبرمجة على نحو كامل، سعته  54 qubits تتوزع هذه البتات الكمومية qubits على الرقاقة في شبكة ثُنائية البُعد في شكلٍ يتصل كل كيوبت qubit مع أربع وحدات كيوبت qubit مُجاورة. لذلك؛ تتمتع هذه الرقاقة بقدرة ناقلية عالية حيث تتفاعل كل حالات الكيوبت بسرعة على كامل مساحة المُعالج.

يعود نجاح التجربة إلى البوابات الثنائية الكيوبت (two-qubit gates) المُحسنة مع إمكانية التنفيذ على التوازي؛ مما يحقق أداء موثوقاً للغاية حتى عند تشغيل عدة بوابات في آن معاً.

أضف إلى ذلك؛ استُخدم نوع جديد من مقابض التحكم بغرض إيقاف التفاعلات بين البتات المُتجاورة؛ مما يقلل من الأخطاء الناجمة عن اتصال الكيوبتات qubits بعضها مع بعض. عدا عن تصميم الرقاقة المُلائم لتقليل التداخل وتطوير معايرات جديدة للتحكم في الكيوبتات.

صورة رقم (2): خريطة حرارية توضح أخطاء Pauli لكل الكيوبتات التي تعمل على التوازي. والشكل التوضيحي يُظهر توزيع الكيوبتات على المُعالج.

القارئ العزيز؛ بعد أن أوضحنا مفهوم التفوق الكمومي وما تعد به شركة غوغل، وأوضحنا تجربتها الأخيرة والمُعالج الذي صُمم لتحقيقها، لا نقول إن التفوق الكمومي قد تحقق فعلياً بالمُطلق؛ إلا أن الغد قد يكونُ لناظره قريب!

فهل ترى أن خَطْوَ هذه الخطوة تحقيقٌ للتفوق الكمومي حقاً؟ أم أن الطريق لذلك طويلة؟ 

وهل ترى أن اندثار الحواسيب التقليدية أمرٌ وارد؟ أم أن الحل يكمنُ في تعاون الحوسبة التقليدية والكمومية على حل مُشكلات الحوسبة المُختلفة؟

التساؤلاتُ لا تنتهي في هذا السياق؛ لكنّ التجارِب والدراسات العلمية والأكاديمية الحالية والمُستقبلية كفيلةٌ بتوجيهنا نحو إجاباتٍ واضحة وتساؤلات أُخرى قد تكونُ أكثر عُمقاً!

المصادر:

التفوق الكمومي:

هنا

تجربة غوغل:

هنا

هنا

أطروحة Church-Turing:

هنا