كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (ناقةُ صالحة): الحب والحرب

يطل علينا (سعود السنعوسي) في روايته (ناقةُ صالحة) من الصحراء؛ إذ تتحدث الرواية عن بادية الكويت منذ مطلع القرن العشرين إلى عام 1941، والحرب التي حدثت بين القبائل في تلك الفترة عن طريق قصة حب بين الشاعر (دخيل بن أسمر) وابنة عمته (صالحة آل مهروس)، والتي يُطلق عليها اسم (صالحة بنت أبوها)؛ وذلك لأنَّها ابنته الوحيدة على الرغم من زيجاته الكثيرة.

"الوصول؛ أكثر مشقَّة من الرَّحيل.."

تبدأ الرواية بوصول شيخ وصبي هو أجيره من البادية إلى إمارة الكويت ليبيعا بضائعهما المُحمَّلة على الإبل، وقبل دخولهما سور المدينة يتنكر الشيخ تنكرًا طفيفًا ليشبه أهل المدينة نظرًا للعداء السابق بين قبيلته وإمارة الكويت.

وقد دخلا المدينة وعرضا بضاعتهما وجلس الشيخ يُزجي وقته بالغناء إلى أن يبيع بضاعته، فتجمَّع الناس حوله ليسمعوا غناءه وسأله أحدهم عن القصيدة التي عنوانها (الخلوج) فيقول له إنَّها لـ(دخيل بن أسمر)، ولكنَّ الرجل لم يبدِ اهتمامًا بالشاعر ولم تُثر المعلومة فضولًا لديه لمعرفته، ولكن كان جُل اهتمامه بالناقة الخلوج وما حدث لها، فحزن الشيخ لذلك لأنَّ (دخيل بن أسمر) كان قد هجر قبيلته ولجأ إلى إمارة الكويت قبل أن يُنفَّذ فيه حكم بالجلد بسبب اتهامه بجريمة قتل لم يشهد عليها إلا ناقة خلوج. ولفظ (خلوج) يُطلق على الناقة إذا مات أو ذُبِح ولدها فتظل تحن إليه ويخالجها الحزن مدةً، وسنعرف في طيات الرواية كيف انتهت حياة ولد تلك الناقة.

"كان عليَّ ألا أكون أنا!"

نعرف في الفصل الثاني كيف ترك (دخيل بن أسمر) قبيلته وهام على وجهه في الصحراء بسبب ما أُشيع عنه من أنَّه قال قصيدةً نصفها غزل في محبوبته (صالحة) ونصفها الآخر يهجو فيها عمها شيخ القبيلة بعد أن زوجوها لابن عمها، وذهب إلى المدينة وحاول التحدث بطريقة أهل المدينة، ولكن؛ حين يعجز عن التحدث بلهجة أهل المدينة كان يلجأ إلى الصمت كالصحراء التي جاء منها فيضفي عليه الصمت هالة الحكماء فـ"الحكمة وليدة الصمت، والصمت لا يصير صمتًا إلا في الصحراء."

"قد أكذب لأخبركم الحقيقة، هذه هي الحقيقة"

ونتعرف في الفصل الثالث على (صالحة بنت أبوها) التي لا تُشبه فتيات القبيلة، فهي تستطيع طرح النوق أرضًا بمهارة أكبر من مهارة الفتيان، وتستطيع نحر الشياة فقد كان والدها يعاملها كالذكور، وتتفوق على عجائز القبيلة بلسانها السليط ونقش الحناء، وإن أرادت قول الحقيقة مثَّلتها بحكاية تختلقها.

وتزوجت (صالحة) من ابن عمها (صالح) وأنجبت ولدًا، ثم نشبت بعد ذلك معركة (الصريف)، وذهب زوجها إلى المعركة والتحق بصفوف الهجانة ضمن قوات أمير الكويت يحاربون قبيلة (دخيل بن أسمر)، وأُصيب (صالح) في المعركة إصابات خطيرة وسهر (دخيل) على رعايته حتى مات.

إنَّ الرواية تقع في 163 صفحة وكان يمكن أن تطول قليلًا لتزيد متعة قراءة لغتها العذبة والعيش في صحرائها الصافية مع (صالحة) وناقتها؛ فهي تنقل قارئها بسلاسة إلى بادية الكويت وتجعله يعيش أجواءها الصحراوية، ويتنقَّل بين القبائل، ويسمع حديث العجائز وحديث الفتيان وحديث الحرب والحب، ولكن؛ لا تغرق -أيها القارئ العزيز- في الرواية وحديثها عن الماضي وتنسى الحاضر والمستقبل، فكما يقول كاتبنا (سعود السنعوسي) "إن من يشيل الأمس على ظهره، تغوص قدماه في اليوم، ولا يدرك الغد."

 وقد كُتِبت فصول الرواية بطريقة الأصوات؛ فكل فصل كُتِب بلسان شخصية  من الشخصيات، وفي بداية كل فصل أبيات شعرية عذبة لـ(دخيل بن أسمر) و(دخيل الخليفة) تدل على مضمونه، وتنتقل زمنيًّا في أربعين سنة بسلاسة دون أن يرتبك قارئها.

ويوجد في آخر الرواية مُلحق يتحدث عن ديار صالحة لمن يريد الاستزادة عن حياة الشاعر وقصة المكان والمعركة التي دارت هناك.

معلومات الكتاب:

السنعوسي، سعود. ناقةُ صالحة، القاهرة، الدار العربية للعلوم ناشرون ومكتبة تنمية، ط1، 2019 (طبعة خاصة بجمهورية مصر العربية)