الطب > زراعة الأعضاء

زرع الرحم

شَهِد الطبُّ الإنجابي تطورًا ملحوظًا في غضون العقود الأخيرة، وخصوصًا بعد إدخال تقنيات الإخصاب في المختبر، وحقن الحيوانات المنوية، ولكن على الرغم من ذلك شاع اعتماد معظم النساء ممن يعانين حالات العقم المطلق ذات المنشأ الرحمي على خيارات أخرى؛ كالتبني، واللجوء إلى رحم بديل بواسطة  ما يُعرَف بالأم البديلة، ولكن الأخيرة لم تلقَ رواجًا بين النساء في العالم؛ بسبب المخاوف الدينية، والأخلاقية، والقانونية.

ولكن مع نجاح عمليات زرع الرحم لدى البشر، تمكّن الأطباء من إحراز تقدّم في مجال الطب الإنجابي، فاستطاعُوا معالجة حالات العقم المطلق ذات المنشأ الرحمي؛ وذلك باللجوء إلى ما يُعرَف بعمليات زرع الرحم.

وتعتمدُ هذه العمليات على ركنين أساسيين؛ الأوّل يتمثّل في مجموعات المريضات المرشّحات لزراعة الرحم؛ إذ تضم النساء ذوات حالات العقم المطلق من منشأ رحمي الذي يكون ناتجًا عن غياب الرحم الخلقي، أو الجراحي، أو غياب الفعالية الوظيفية للرحم؛ بسبب ورم عضلي أملس يتعارض مع حدوث الحمل، إضافةً إلى حالات استئصال الرحم بعد الإصابة بسرطان عنق الرحم، أو بعد نزيف حاد ولادي، إضافةً إلى متلازمات عدَّة، مثل متلازمة ماير-روكيتانسكي-كوستر-هاوزر (المتمثلة برحم بدائيٍّ صلب مشطور مترافق مع غياب الثلث العلوي من المهبل)، ومتلازمة آشرمان اللتان، وقد تكونان سببًا مباشرًا للجوء السيدة إلى عمليات زرع الرحم، ناهيك عن التعرض للإشعاعات وغيرها من التشوهات التشريحية، والأذيات الوظيفية التي قد تصيب الرحم.

وأما الركن الثاني من ركني عمليات الزرع فيتعلق بالمتبرعين؛ إذ لا يقتصر زرع الرحم على التبرع من الأحياء فقط، بل يُطَوَّرُ التبرعُ  ليكون من المتوفين أيضًا، ولكن أبرز مساوئ هذه الحالة أنه من الممكن أن يتعرض الرحم المزروع إلى مدة إقفارية أطول من حالة المتبرع الحي، فيزيد من احتمال حدوث الرفض المناعي، وأما فيما يخص المتبرعين الأحياء، فيجب التأكد من عدم وجود أمراض جهازية، وإجراء الفحوصات الخاصة بالكشف عن فيروس الحليمي البشري، والبوليبات، والالتصاقات، إضافةً إلى تقييم حالة العقم ومخاطر الجراحة على المتبرع.

وتُعَدُّ قابلية التخطيط الجراحي الأمثل، وضبط الوقت المثالي حسب حالة المتبرعة والآخذة من أهم إيجابيات التبرّع من أحياء.

وشملت التجارب البشرية قبل السريرية على زرع الرحم، وتقييم قدرة النسيج الرحمي البشري على تحمل نقص التروية الناتج عن حفظ العضو بالتجميد بعد الاستئصال، ووُجِد أن البنية الشكلية (المورفولوجية) تحت المجهر الإلكتروني تُحافظ على نفسها جيدًا قرابة ست ساعات من نقص التروية إذا حُفِظَت بالتبريد، وساهمت مستويات هرمون البروستاغلاندين المرتفعة في الحفاظ على القدرة القلوصية.

ومن الجدير بالذكر أنّ تاريخ الدراسات الأولى المتعلقة بزراعة الرحم يعود إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي؛ إذ نُوقِشَت عمليات زراعة المبيض، وقناة فالوب وطُبِّقت على نماذج حيوانية، وقد تحقق الحمل في بعض النماذج التجريبية.

أما فيما يتعلق بالحالات البشرية، فقد كانت أول حالة زرع رحم من متبرعة حية عام ٢٠٠٠م في المملكة العربية السعودية، ولكنها باءت بالفشل، وعقب ذلك المحاولة الثانية من متبرعة متوفية عام ٢٠١١م في تركيا، ولكن لم تختبر الآخذة حملًا ناجحًا لأسباب تتعلق بالرحم المزروع غير المُختبِر لتجربةِ حمل سابقة لدى المتبرعة.

وتعدّ التجربة السويدية إحدى أهم التجارب الرائدة على هذا الصعيد؛ إذ أُجريت تسع عمليات زرع رحم من متبرعات على قيد الحياة في بداية عام ٢٠١٣م، وكانت غالبية المتبرعات من أقارب أو أفراد عائلات الآخذات، وجميعهنّ كانوا قد اختبرن حملًا سابقًا واحدًا على الأقل، ولكن في أثناء الأشهر الأولى التالية للزرع تطور لدى إحداهن ناسور رحمي مهبلي بعد أسبوعين من الخضوع لعملية الزرع، ولكن عولج وتماثل للشفاء دون عقابيل.

وكذلك اضطرّت اثنتان من المتبرَّع لهنّ أن تجريا استئصالًا للرحم المزروع، إذ خضعت الأولى لاستئصال الزرعة بعد ٣ أيام من الزرع؛ بسبب إصابتها بخثار ثنائي الجانب في أوعية الرحم، أما الثانية فقد أصيبت بانتان داخل الجرح بعد ٣ أشهر ونصف، فتطور الإنتان إلى خراج ، وانتشر إلى الدم، فاستوجب استئصال الزرعة.

أما عمليات الزرع السبعة المتبقية فقد أظهرت حدوث حيض عفوي ومنتظم في أثناء شهر أو شهرين بعد الزرع، إضافة إلى بقاء معدل الجريان الدموي الرحمي ضمن الحدود الطبيعية.

وأُجريت عمليات إلقاح صنعي انتقائي بعد الزرع في ١٢-١٤ شهرًا،  وقد نجح الحمل لدى حالتين بعد أول عملية إلقاح صنعي، وسُجّلَت أول ولادة حية من عملية زرع الرحم في أيلول ٢٠١٤م. 

وفيما يتعلق بالجراحة، فقد استمرت العمليات الجراحية للمتبرّعات مدة أطول من المتوقع؛ إذ استغرقت العملية قرابة عشر ساعات أو أكثر؛ بسبب التسليخ المعقد للحالب، ولأوردة وشرايين الرحم، ومع ذلك كانت النتائج مُرضية، وتطلّب الاستشفاء مدة ٦ أيام فقط داخل المشفى، في حين استمرت جراحة مستقبلي الزرعات قرابة ٤-٦ ساعات.

وقد استُعمِلَت مثبطات المناعة في أثناء الأشهر الستة  الأولى بعد الجراحة، وذلك للتقليل من حالات رفض الطعوم إلى أدنى حد ممكن بعد زراعة الأعضاء.

وهنا لابدّ من التنبيه إلى أنّ الحاجة إلى الأدوية المثبطة للمناعة ليست ثابتة؛ إذ  يُعطى العلاج الواقي عادةً بصفته مزيجًا من الأدوية ذات آليات مختلفة من أجل تقليل الآثار الجانبية المحتملة.

ولكن من المهم الانتباه إلى إمكانية تأثير الحمل على رفض الطعم، وتأثير الطعم على الحمل، وكذلك تأثير كابتات المناعة على الخصوبة والحمل؛ إذ  يُعدُّ استعمال كابتات المناعة في أثناء مدة الحمل ضروريًّا لمنع الرفض، ولكن هذه الأدوية تعبر المشيمة وتصل إلى دم الجنين وتعرّضه لخطر حدوث تشوهات مختلفة، وتؤدي إلى حدوث حمل هاجر، أو ارتفاع الضغط الشرياني، أو انسمام حملي، وقد تؤدي إلى إجهاض أو ولادة مبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة، ومن الممكن أن تسبب ملاص (مولود ميت)، أو موت حديثي الولادة.

كما يجب علينا ألا نغفل عن أهم الاختلاطات التي قد تقع بعد زرع الرحم وهو حدوث الرفض الذاتي للزرعة؛ إذ سُجّلت حالات عديدة الرفض الخفيف (تحت السريري)، ففي التجربة السويدية التي أوردنا ذكرها قبل قليل تظاهر الرفض المناعي لدى خمسة من أصل سبعة مريضات، ولكن عُوكِست حالات الرفض جميعها على نحوٍ فعّال عن طريق زيادة جرعات المثبطات المناعية (الستيروئيدات القشرية أو التاكروليموس) مدة أسبوعين.

وفي الختام، لا بدّ من التأكيد على مراعاة وموازنة الفوائد والمضار العائدة على كل من المتبرع والمتلقي وأسرهم من النواحي الطبية، والأخلاقية، والقانونية؛ إذ ما زالت توجد حاجة لإجراء المزيد من الدراسات العلمية في موضوع زرع الرحم، فهو لا يزال إجراءً تجريبيًّا.

ومع إطلاق تجارب سريرية عديدة على زرع الرحم في أميركا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، وحدوث نتائج إيجابية عديدة، فمن المتوقع أن يصبح زرع الرحم إجراءً روتينيًّا في مراكز عدة في جميع أنحاء العالم في غضون السنوات المقبلة.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا