علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

هل كنت تتخيَّل يوماً أن يكون علاجك في قائمة التشغيل الخاصة بك؟

يمتلك البشرُ قدرةً هائلةً على اختبار مشاعر المتعة والسرور من خلال أنماطٍ مُعقّدةٍ من التحفيز السمعي أو البصري كالموسيقا والأعمال الفنية.

إذ توفّر الموسيقا حافزاً مثالياً من أجل دراسة المتعة والسرور، لأنها تُعدُّ بمثابة أساس كلِّ حضارةٍ إنسانيةٍ على مرِّ التاريخ، وغالباً ما توصف على أنَّها واحدةٌ من أمتع التجارب الإنسانية.

وعلى الرغم من أن الأنظمة العاطفية موجودةٌ لدى جميع البشر؛ فإن هناك تبايناً كبيراً في تواتر الاستجابات الجمالية وخصوصيتها ، فلا يختبر جميع البشر ردودَ أفعالٍ عاطفيةٍ عميقةٍ تجاه الموسيقا، والاختلافات الفردية حاضرةٌ إلى درجة أن بعض الأفراد يفيدون بعدم قدرتهم على الاستمتاع بالموسيقا.

وأظهرت الدراسات السابقة أن المتعة التي تطلُقها الموسيقا تترافق مع تغيّراتٍ فيزيولوجية في الجهاز العصبي الذاتي، تشبه التغيرات المُلاحَظة في الملذّات الأوّلية (الطعام أو الجنس) والملذّات الثانوية (المال).

وتُظهر إحدى الدراسات دورَ الدوبامين في استحضار المتعة الموسيقية، وتشير إلى أن الانتقال الدوباميني قد يؤدي أدواراً إضافيةً في المعالجة العاطفية إلى جانب دوره في التعلّم والتحفيز.

فقد أُعطِي كلُّ مشاركٍ طليعةَ الدوبامين (ليفودوبا)، ومضاداً للدوبامين (ريسبيريدون)، ودواءً وهمياً (بلاسيبو)، وذلك في ثلاث جلساتٍ مختلفة. 

أدّى (ليفودوبا) و(ريسبيريدون) إلى تأثيراتٍ متعاكسةٍ في قياسات التحفيز والمتعة الموسيقية، وكانت النتائج:

كان المشاركون تحت تأثير (ليفودوبا) أكثر عرضةً للإبلاغ عن درجاتٍ عاليةٍ من المتعة والاستجابات التحفيزية، أما (ريسبيريدون) فقد حَدَّ من كليهما.

غالباً ما يكون الاستماع للموسيقا الممتعة مصحوباً بردود فعلٍ جسديةٍ؛ ومنها القشعريرة التي استُخدِمَت عادةً مؤشّراً للمتعة الموسيقية.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن الأشخاص الذين حظوا بمزيدٍ من التدريب الموسيقي هم أكثرُ عرضةً للإبلاغ عن ردود فعلٍ عاطفيةٍ قوية.

ووُجِدَ في إحدى الدراسات أن اتصال المادة البيضاء بين مناطق المعالجة الحسية في التلفيف الصدغي العلوي ومناطق المعالجة الاجتماعية والعاطفية في فص الجزيرة والقشرة الدماغية أمام الجبهية الأنسية يفسّر الفروقَ الفردية في حساسية الاستجابة للموسيقا؛ إذ يرتبط التقييم الممتع للموسيقا بزيادة هذا الاتصال الوظيفي.

قدّمت هذه النتائج أوّلَ دليلٍ على وجود أساسٍ عصبيٍّ للاختلافات الفردية في الوصول الحسّي إلى نظم المكافآت.

عُرِفَ التأثيرُ الشافي للموسيقا منذ العصور القديمة. وقد أثبتت ظاهرة التشويق في الاستماع للموسيقا الممتعة أنها تنشّط مساراتِ مكافأة الدوبامين في الدماغ.

إضافة إلى ذلك، تتضمّن تجربة الاستماع للموسيقا الممتعة الموادَ الأفيونية الذاتية في الجهاز العصبي المركزي، بحيث يرتبط الشعور -استجابةً لاختيار أغنيةٍ مُمتعة- مع تنظيم المواد الأفيونية الداخلية. 

ونظراً لأن الاستماع للموسيقا يولّد الإحساسَ بالمتعة ويحسّن التأثير، فقد درس الباحثون الاستفادة من الموسيقا لتقليل الألم الحادِّ والمزمن.

ويؤكّد الأنموذج النفسي الاجتماعي للألم أنه على الرغم من أن تجربة الألم تنشأ من التنشيط البيولوجي للجهاز العصبي، فإنها تتأثّر أساساً بالتفاعلات النفسية والسياقات الاجتماعية.

وافترض العلماء إمكانيةَ استخدام تدخّلٍ موسيقيٍّ بواسطة تطبيقٍ للهاتف الذكي يُدعى (Unwind) لتعديل تجربة الألم. 

وهناك بعض الدلائل على أن الأفراد الذين يعانون درجاتِ ألمٍ كارثيةٍ قد يستجيبون لتحفيزات تشتيتيةٍ مع تقليلٍ أكبر للألم، وهذا يعني أنهم قد يستجيبون جيداً للتداخلات الموسيقية أيضاً. 

في هذه الدراسة التجريبية التي أُجريَت على ١٥ شخصاً يعانون ألماً حادّاً ويُعالجون بموادٍ أفيونية، استخدم المشاركون التدخّلَ الموسيقي (Unwind) في خلال هذا الاستشفاء القصير.

وقد استجاب المشاركون عامةً للتطبيق على نحو إيجابي، وأبدوا استعداداً لمواصلة استخدام التطبيق في المنزل، إذ أبلغ المشاركون عن استخدامهم للتطبيق من أجل معالجة القلق، واستخدمه كثيرون لتسهيل النوم في وجود الألم. 

ودُرِس استخدام الموسيقا لمعالجة الألم في الفترة المحيطة بالجراحة، وأثبت الباحثون أن الاستماع للموسيقا يقلّل من آلام ما بعد الجراحة.

ومِثل ذلك، كان الأفراد الذين يستمعون للموسيقا يستخدمون كمياتٍ أقلَّ من المواد الأفيونية.

وتقترح دراساتٌ حديثة أن الموسيقا قد تساعد على تحسين التواصل الاجتماعي واتصال الدماغ السمعي الحركي لدى الأطفال المصابين باضطراب التوحد (ASD).

وفي دراسةٍ شملت ٥١ طفلاً مصاباً بالتوحد، كان لدى أولئك الذين كُلّفوا عشوائياً بتلقي تدخّلاتٍ موسيقيةٍ مدّة ٢-٣ أشهرٍ درجاتُ تواصلٍ أعلى بكثيرٍ من الذين تلقّوا تداخلاً غير موسيقي. 

وكان لديهم اتّصالٌ وظيفيٌّ أكبر في حالة الراحة بين مناطق الدماغ السمعية وتحت القشرية وبين المناطق السمعية والجبهية. 

إضافة إلى ذلك، أظهرت المجموعة التي تلقت التدخّلَ الموسيقيَّ اتصالاً أقلَّ في المنطقة البصرية، التي عادةً ما تكون مفرطةَ الارتباط لدى المصابين بالتوحد.

تقدّم هذه الدراسة الدليلَ الأول على أن ٨-١٢ أسبوعاً من التدخّل الموسيقي الفردي قادرٌ بالفعل على تحسين التواصل الاجتماعي والاتصال الوظيفي للدماغ، وتقديم الدعم لإجراء مزيدٍ من التحقيقات عن النماذج المحفِّزة بيولوجياً لتدخّلات الموسيقا لدى المصابين بالتوحد.

وتشير الدراسات الجديدة إلى أن التدخّلات العلاجية القائمة على الموسيقا قد تقلّل من أعراض الاكتئاب والقلق وتحسّن المشكلات السلوكية والرفاهية العاطفية ونوعية الحياة لدى الأشخاص المصابين بالخرف.

وفي إحدى الدراسات التي شملت أكثر من 1000 مشاركٍ مصابين بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الخرف، أظهرت الدراسة أن التدخلات القائمة على الموسيقا والتي تتكون من خمس جلساتٍ على الأقل تقلّل أعراض الاكتئاب وتحسّن المشكلات السلوكية الكلية ونوعية الحياة.

مثل هذه التدخلات قد تساعد على تخفيف القلق أيضاً ولكن ليس تحريضياً ولا بصورةٍ هجوميةٍ معينة.

على الرغم من ضآلة هذه الآثار، فإن تحسين هذه النتائج ذو أهميةٍ بالغةٍ لدى الأشخاص الذين يعانون الخرف ومن يرعونهم، إضافةً إلى مقدّمي الرعاية الأسرية والمهنية.

ويترافق الخرف غالباً مع فقدان القدرة على التحدّث أو فهم اللغة، ولكنّ الموسيقا تقدّم لغةً، وهي وسيلة اتصال لا يزال الأشخاص المصابون بالخرف يفهمونها في كثيرٍ من الأوقات.

يمكن أن تكون التدخلات القائمة على الموسيقا فاعلة؛ مثل الغناء أو العزف على آلة موسيقية، أو منفعلة؛ مثل الاستماع للموسيقا. 

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا