علم النفس > القاعدة المعرفية

الإقلاع عن التدخين عند المصابين باضطرابات نفسية

للتدخين فوائدُ مزعومةٌ يتشبّث بها كلٌّ من المدخّن وشركات تصنيع السجائر، يذكرون منها المساعدةَ على الحدِّ من التوتّر، وهو ما قد يكون صحيحاً نظراً للتأثير الفوريِّ للنيكوتين فينا، الذي يمنحنا الشعورَ بالارتياح. ولكن سرعان ما يزول أثره لتحلَّ محلَّه أعراضُ السحب، فنشعرُ بحاجةٍ أكبر إلى النيكوتين، ما يُسبِّبُ لنا التوتّر من جديد.

تنشأ عادةُ التدخين إذاً عن طريق استبدال منشأ التوتر، فنُدخّن في البداية بسبب توتّرنا، ثم نشعُر بالتوتّر عند مفارقة التدخين لنعود إليه في محاولةٍ منا للتداوي الذاتي.

وفي حين يُنصَح كُلُّ المدخّنين بالإقلاعَ عن التدخين؛ نجد أن هناك فِئةً مُعيَّنةً من المجتمع يُتساهَل معها في هذا الأمر ويُغضُّ النظرُ عنهم، وقد يصل الأمر إلى استعمال السجائر حافزاً أو مكافأة. وهذه الفئة تمثّل المدخّنين الذين يعانون اضطراباً نفسياً.

فعند مقارنة نسبة المدخّنين من السكّان عامّةً (23.3%) مع أولئك الذين يعانون اضطراباتٍ نفسيةٍ (32 %)؛ يتبيّن لنا أن نسبة المدخّنين مرتفعةٌ بين ذوي الاضطرابات النفسية. ومردُّ هذا إلى عدّةِ أفكارٍ غير مُثبَتةٍ علمياً، تُستعمَل تبريراً أو عذراً لعدم تقديم المساعدة على الإقلاع عن التدخين لمن يعانون الاضطرابات النفسية.

من هذه الأفكار مثلاً ضرورةُ توفير التبغ لمن يعاني الاضطرابات النفسية بسبب آثار التبغ المهدِّئة، علماً أن التبغ لا يُساهم في علاج الاضطرابات النفسية.

إحدى الأفكار الأخرى عدمُ رغبة المدخّنين في الإقلاعَ عن التدخين، و هذه فكرةٌ خاطئةٌ فنّدتها الأبحاث أيضاً؛ إذ لا تؤثّر حالة المدخن النفسية في رغبته في الإقلاعَ عن التدخين. وقد شاعت فكرةُ أن من يعاني الاضطرابات النفسية عاجزٌ عن الإقلاع عن التدخين، ولكن أثبتت الدراساتُ أن ذلك ممكنٌ عند وجود الدعم المناسب.

علاوةً على ذلك، شاع الاعتقاد الخاطئ أن الإقلاع عن التدخين قد يؤثِّر سلباً في التعافي من الاضطرابات النفسية. و لكنَّ أكثرَ الأفكار السائدة تتمثّل في أن على الأشخاص الذين يعانون الاضطرابات النفسية إعطاء الأولوية في العلاج للاضطراب النفسي، وعدُّ التدخين مشكلةً ثانوية، علماً أن سببَ الوفاة لدى معظم من يموتون باكراً من المدخّنين ذوي الاضطرابات النفسية غيرُ متعلّقٍ بالاضطراب النفسي، وإنّما سببُه مشكلاتٌ صحّيةٌ يمكن ردُّ آثارها إلى التدخين.

 وإن كان المدخّن يعاني اضطراباً نفسياً؛ تُعطى الأولوية لمعالجة الاضطراب النفسي أوّلاً، وعدّه أهم من الإقلاع عن التدخين، علماً أن للتدخين أضراراً مباشرةً على الصحة، وهي ذات آثارٍ قابلةٍ للملاحظة؛ إذ إن متوسّط العمر المُتوقَّع بين المدخّنين الذين يعانون اضطراباتٍ نفسيةٍ أقصرُ بخمسٍ وعشرين سنةً من المعدّل الطبيعي.

نُلاحظ إذاً صعوبةً مضاعفةً في الإقلاع عن التدخين لدى الأفراد الذين يعانون اضطراباتٍ نفسية، ولكن هذه الصعوبة لا تكمن في المرضى أنفسهم، بل في نظرة المؤسّسات الصحية إلى التدخين عند المصابين باضطراباتٍ نفسية. وهنا يبرز دورُ المؤسّسات الصحية في دعم المرضى وتأمين البرامج المخصّصة لهم بما يلائم علاجهم النفسي، وكذلك حثّهم على الإقلاع عن التدخين ونشر المعرفة والعلم لتصحيح الأفكار الخاطئة عن مكانة التدخين عند المصابين باضطراباتٍ نفسية.

ومن ثمَّ فالاضطراب النفسي لا يبرِّرُ الإدمانَ على التدخين، وهو ليس موضوعاً علينا معالجته أوّلاً قبل الإقلاع عن التدخين، فالمخاطر التي تواجهنا بسبب الاضطراب النفسي ليست بالضرورة أكبر من مخاطر التدخين.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا