التعليم واللغات > اللغويات

هل تختلف المعلومات باختلاف طريقة تلقيها؟

ابتكر علماء أعصاب من جامعة كاليفورنيا في (بيركلي) UC Berkeley خرائط تفاعلية تستطيع التنبؤ بمكان الفئات المختلفة من الكلمات التي تُنشِّط الدماغ، وتركز آخر خرائطهم على ما يجري في الدماغ عندما نقرأ القصص، وقد أثبتت النتائج التي نُشرت في مجلة Journal of Neuroscience في التاسع عشر من آب/أغسطس 2019 دليلًا إضافيًّا على أن الناس المختلفين يتشاركون تركيبة متشابهة فيما يخص الدلالات اللفظية، الأمر الذي يفتح بابًا آخر موصلًا إلى أفكارنا الداخلية، ولهذه النتائج آثار عملية في التعلم واضطرابات الكلام من عسر القراءة إلى عدم القدرة على الكلام.

وتقول المشرفة على الدراسة (فاطمة دينيز)، وهي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في العلوم العصبية في مختبر (غالانت) Gallant Lab في الجامعة ذاتها وزميلة سابقة في علوم البيانات مع معهد (بيركلي) لعلوم البيانات Berkeley Institute for Data Science: "في الوقت الذي يستوعب فيه الناس المعلومات عبر الكتب المسموعة والحلقات الصوتية وحتى النصوص الصوتية، تُظهر دراستنا بأنهم سواء أكانوا يستمعون إلى المواد أم يقرؤونها؛ فإنهم يعالجون معلومات ذات دلالات لفظية متشابهة".

استمع الناس في الدراسة لقصص من سلسلة شهيرة من الحلقات الصوتية تدعى The Moth Radio Hour، ثم قرؤوا تلك القصص نفسها، وباستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI، أجرى الباحثون مسحًا لأدمغة المشاركين في حالتي الاستماع والقراءة، وقارنوا بيانات النشاط الدماغي عند القراءة مع بيانات النشاط الدماغي عند الاستماع، ووجدوا أن الخرائط التي أنشؤوها من كلتا مجموعتي البيانات متطابقة تقريبًا.

ويمكن أن تُعرض النتائج عن طريق خريطة ثلاثية الأبعاد مميزة بالألوان -حيث تُعرض الكلمات مُصنَّفة في فئات بصرية، وحسِّية، وعددية، ومكانية، وعنيفة، وعقلية، وعاطفية، واجتماعية- مثل فراشات نابضة بالحياة على القشرة الدماغية المسطحة، التي هي الطبقة السطحية الملتفة من مادة الدماغ الرمادية التي تنسق المعلومات الحركية والشعورية.

أما بالنسبة للتطبيقات السريرية، فمن الممكن أن تُستخدم الخرائط في مقارنة معالجة اللغة عند الناس الأصحاء مع الذين يعانون السكتات الدماغية والصرع وإصابات الدماغ التي تؤثر في الكلام، وتقول (دينيز): "إن فهم مثل هذه الاختلافات يمكن أن يساعد في جهود التعافي"، ويمكن للخرائط الدلالية أن تُفيد في إجراءات معالجة عسر القراءة، وهو اضطراب المعالجة اللغوية العصبية واسع الانتشار الذي يؤثر في القراءة، وتضيف أيضًا: "إذا وجدنا في المستقبل أن لدى الدماغ المصاب بعسر القراءة تمثيلًا دلاليًّا غنيًّا عند الاستماع لكتاب صوتي أو أي تسجيلٍ أخر، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى الاعتماد أكثر على المواد المسموعة في المدارس"، وينطبق الأمر نفسه على اضطرابات المعالجة السمعية التي لا يستطيع الناس المصابون بها التمييز بين الأصوات (الوحدات الصوتية) التي تشكل الكلمات؛ وتُضيف (دينيز): "سيكون من المفيد حقًّا أن نكون قادرين على مقارنة الخرائط الدلالية للقراءة والاستماع عند الناس المصابين باضطراب المعالجة السمعية".

وقد قضى تسعة متطوعين ساعتين داخل ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي يسمعون قصصًا من السلسلة المذكورة ثم يقرؤونها، في حين قاس الباحثون تدفق الدم في أدمغتهم، ثم طابق الباحثون بيانات أنشطتهم الدماغية في كلتا الحالتين (القراءة والاستماع) مع عمليات نصوص للقصص مرمَّزة زمنيًّا، وأُدخلت النتائج إلى برنامج حاسوبي يسجل الكلمات تبعًا لعلاقتها بعضها ببعض، وباستخدام النمذجة الإحصائية رتب الباحثون آلاف الكلمات في خرائط تبعًا لعلاقاتها الدلالية؛ إذ نجد تحت فئة الحيوانات -على سبيل المثال- كلمات "دب" و"قطة" و"سمكة"، ومكَّنت الخرائط -التي غطت على الأقل ثلث القشرة الدماغية- الباحثين من التنبؤ بدقةٍ أية كلمات ستُنشِّط أي أجزاء من الدماغ، وجاءت نتائج تجربة القراءة مفاجئةً لـ(دينيز) التي توقعت بعض التغييرات في الطريقة التي يعالج بها القراء المعلومات الدلالية بالمقارنة مع المستمعين.

وتقول (دينيز): "نعلم أن مناطق قليلة من الدماغ قد نُشِّطت بصورةٍ مشابهة عند سماع كلمة وقراءة الكلمة نفسها، ولكنني لم أتوقع مثل هذه التشابهات القوية في تمثيل المعاني عن طريق شبكة كبيرة من مناطق الدماغ في هاتين الطريقتين الحسيتين (البصر والسمع)".

ودراسة (دينيز) هي دراسةٌ تابعة لأخرى كانت قد أُجريت في مختبر (غالانت) عام 2016 وسجلت نشاط الدماغ لدى سبعة أشخاص في أثناء استماعهم لقصص من The Moth Radio Hour، وتقول (دينيز) بأن أي تخطيط مستقبلي للمعلومات الدلالية سيشمل تجارب أشخاص يتحدثون لغاتٍ غير الإنكليزية، بالإضافة إلى أشخاص يعانون اضطرابات تعلُّم قائمة على اللغة.

المصدر: 

هنا