الطب > مقالات طبية

علاقة آلام المفاصل بتغيُّرات الطقس

لطالما كان الاعتقاد السائد لدى المصابين أنّ لتغيرات الطقس تأثيرًا في ألم مفاصلهم، ولكن؛ لا يزال الباحثون غير واثقين من طبيعة تلك العلاقة. ولمّا كان إدراك الواقع لا يعني بالضرورة حقيقته؛ نُظِر إلى هذه العلاقة من عدّة زوايا مختلفة لمحاولة تفسيرها، فلنرَ ما وصلت إليه بعض الدراسات..

طلب الباحثون من مرضى مصابين بالتهاب المفاصل الرثياني* الاحتفاظ بدفتر يوميات يسجلون عليه أعراضهم كالألم وتيبُّس المفاصل على مدى شهر أو أطول من ذلك، وقورنت بعدها النتائج بتقارير الطقس الرسمية حينها، فلوحظ ارتباطٌ بين الطقس وألم المفاصل لدى بعض المرضى، ولكن؛ لم يُرَ مثل هذا الارتباط في كل الدراسة، وبالنتيجة لم يظهر في هذه الدراسة أنّ لتغيرات الطقس دورًا أو تأثيرًا أكيدًا في آلام المفاصل.

وأُجريت دراسة أخرى على 12 مريضًا؛ ثمانية مرضى منهم مصابون بالتهاب المفاصل الرثياني Rheumatoid Arthritis، والأربعة الآخرون مصابون بالفُصال العظمي** Osteoarthritis، وقد وُضِعوا في غرفة يُتحكَّم فيها بالحرارة والرطوبة والضغط الجوي وتدفق الهواء وتشرّد الهواء على مدى أسبوعين.

وكانت النتائج كما يأتي: بلّغ ستةٌ من المرضى الثمانية المصابين بالتهاب المفاصل الرثياني والمرضى الأربعة المصابون بالفُصال العظمي ازديادَ الألم والتيبُّس عند زيادة الرطوبة وتخفيض الضغط الجوي، ولذلك؛ تعدّ هذه النتائج -على الرغم من صغر عدد العينات وقصر زمن الدراسة- مثيرةً للاهتمام. 

أحد التفسيرات الموجودة لطبيعة العلاقة بين تغيرات الطقس وألم المفاصل أنه عند وصول الطقس البارد تقلّ احتمالية ممارسة الفرد للتمارين ويقل النشاط؛ مما يزيد ذلك الألم.

وتقول نظرية أخرى لتفسير تلك العلاقة إنّ الأمر مرتبط بتغيرات الضغط الجوي؛ إذ يضغط الهواء الثقيل على أنسجة الجسم مانعًا إياها من التمدد عند ارتفاع الضغط الجوي، في حين عند انخفاضه تتمدد الأنسجة؛ مما يزيد الانضغاط على المفاصل، ومن ثم زيادة الألم.

وأجرى باحثون أستراليون بحثًا آخر لدراسة تأثير الحرارة والرطوبة النسبية والضغط الجوي ومعدّل هطول الأمطار في ألم الركبة الذي يسببه الفُصال العظمي لدى 345 مريض؛ إذ طُلِب من المرضى تعبئة استبيانات يصفون بها ألم الركبة كل 10 أيام على مدى ثلاثة أشهر، إضافة إلى التبليغ عن أية زيادة واضحة في الألم تدوم أكثر من 8 ساعات، ثمّ قارن الباحثون نتائج الاستبيانات بتقارير الطقس الموافقة لأماكن سكن المرضى، ولوحظ أنّ نصف عدد المرضى فقط أبلغوا عن زيادة الألم في تلك الفترة، ومن ثم لم يجدوا أية علاقة بين تغيّرات الطقس وألم الركبة لدى هؤلاء المرضى.

وفي دراسة ثانية؛ اتُّبِعت الطريقة نفسها لدراسة العلاقة بين ألم أسفل الظهر السفلي ومتغيرات الطقس، وكما في الدراسة الأولى؛ لم تُلاحَظ أية علاقة بين تغيرات الطقس والتزايد في ألم الظهر السفلي.

وقد أخذ الباحثون في هاتين الدراستين معلومات الطقس على نحو منفصل عن استبيان الألم لدى المرضى، وذلك يعدّ مهمًّا في إقصاء العلاقة بين معتقدات المرضى الشخصية والعلاقة بين الطقس والألم. ويُعتقَد أنّ السبب هو انتباه المرضى لألمهم أكثر في الأيام الماطرة، أو لأن الأيام الماطرة قد تسبب مزاجًا مكتئبًا؛ مما يجعل الألم يبدو أسوأ.

ووجدت دراسة أُجريت على كبار السن المصابين بالفصال العظمي في ست دول أوروبية -وهي تُعدّ من أولى الدراسات التي اختبرت العلاقة بين الألم والطقس وأُجريت على عدد عينات كبير- ازديادَ ألم المفاصل عند ازدياد الرطوبة خصوصًا في الطقس البارد؛ إذ إنّ للرطوبة ودرجة الحرارة أثرًا في تقلّص وتمدد الأنسجة المحيطة بالمفصل المصاب التي تزيد من شدة الاستجابة الألمية، إضافة إلى أن الحرارة المنخفضة تزيد من لزوجة السائل الزليلي المفصلي؛ مما يزيد من تيبُّس المفصل وجعله أكثر حساسية للشد الميكانيكي، وذلك من شأنه أن يزيد شدة الألم في أثناء تغير الطقس.

وقد لوحظ اختلاف شدة الألم بين البلدان المدروسة، وذلك يبيّن الاختلافات في الارتفاع والعوامل الاجتماعية الثقافية التي قد يكون لها دورٌ في ذلك.

وكما في الدراسات السابقة؛ أُخِذ بعين النظر أثر تغير المزاج عند تغير الطقس؛ مما يستدعي إجراء دراسات أخرى تستقصي التغيرات النفسية والمناخية في اليوم الواحد لمعرفة أثرها في العلاقة المذكورة سابقًا، كذلك أكّدت الدراسة على وجوب إجراء دراسات إضافية لتقصّي تلك العلاقة في بيئة المريض الداخلية والخارجية؛ فعندما يصبح الطقس باردًا ينزع عديدٌ من الأفراد إلى البقاء في الداخل.

وفي الختام؛ سواءً أكانت تلك العلاقة إيجابية أم سلبية فمن الضروري على كل مريض مصاب بالتهاب المفاصل مراجعةُ الطبيب عند ظهور أي عرض شديد في أثناء تغيّر الطقس، وذلك لتدبيره ومعرفة التغيرات المناخية التي تزيد من شدة ألمه لأخذ الاحتياطات اللازمة. ويجب عليه أن يضع برنامجًا بالاتفاق مع طبيبه المعالج يبيّن فيه أفضل التمارين والنشاطات التي تضمن حركته في أثناء تغير الطقس، وعند الخروج إلى الطقس البارد؛ من الضروري تدفئة الجسد جيّدًا. أي باختصار؛ تحرّكوا كلما استطعتم أيًّا كان الطقس.

*مرض مناعي ذاتي يستهدف مفاصل الرسغ والأصابع والكاحل والقدم، ويصيب الأعمار كافة والنساء أكثر من الرجال. 

**أو التهاب المفاصل العظمي، وهو عملية أو حالة تؤثر في غضاريف المفصل والعظم تحت الغضروف، وتترافق عادة مع أعراض متكررة كالألم والتيبُّس.

المصادر:

(1): هنا

(2): هنا

(3): هنا

(4): هنا

(5): هنا