كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (ياسمين؛ رماد أبيض): ضريبة الحرية والوعي

"إن أسوأ ما قد يحدث لأحدنا أن يصبح سجين واقع لا ينتمي له، يلتهمه الأسى على ما أضحى، وهو يعلم بقرارة نفسه أنه يستحق الأفضل."

تتحدث رواية (ياسمين؛ رماد أبيض)عن الأمل والشغف والطموح الممزوج بالكآبة عن طريق قصة حب عذبة بين (يمان) و(ياسمين)، ولكن؛ ماذا لو فقدنا الشغف بالحياة وصارت أيامنا يومًا واحدًا طويلًا كئيبًا؟

إنَّ (يمان) شاب طموح وناشط اجتماعي على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ينادي بالحرية والمساواة بين الجميع، ويحدث أن يتعرف إلى (ياسمين)؛ الفتاة التي تعمل في المسرح وتقدِّم المسرحيات العالمية والمسرحيات التي تنادي بالحرية والمساواة أيضًا، فهي تلك الفتاة المفعمة بالحيوية والشغف على الرغم من مرضها الجسدي والأُسَري، فكان لقاؤهما كاللقاء بين الوعي والانفتاح اللذين يناضلان ضد القيود في محيطيهما، وتدور بينهما نقاشات فكرية ثرية عديدة إلى أن تنشأ بينهما قصة حب عبر الفضاء الإلكتروني دون أن يعرف أحدهما أيَّ تفاصيل شخصية عن الآخر، ثم يعرف كل منهما عن الآخر ما قد يجعل قصة حبهما مستحيلة بحسب معايير المجتمع.

تُعيد (ياسمين) للشاب (يمان) الحياة والشغف بحيويتها ونقاشاتها الثرية بأفكار مختلفة، بعد أن كان مُقيَّدًا  بالشعور بالذنب تجاه زوجته (ماري)، والتي تحبه حبًّا شديدًا، ولكنه حب تنطبق عليه مقولة (ومن العشق ما قتل)؛ فهي تقتله وتقتل طموحه وتقتل نفسها بطريقة حبِّها المزعجة المُقيِّدة، وهذا القيد هو ما جعله يقرر السفر إلى الكويت للعمل في دار نشر في محاولة للتخلص منها جزئيًّا. ويقرر بعد استقراره في الكويت أن يلتقي بالشابة (ياسمين) على أرض الواقع ليرى نموذج المرأة التي يحلم بها حقيقةً وليست شخصًا افتراضيًّا على مواقع التواصل، فيسافر (يمان) إلى المغرب ليلتقي بها ويعيشا ثلاثة لقاءات من أروع ما يكون، وقد حدث ذلك على الرغم من تعنُّت أهل (ياسمين)، فهي من أسرة متشدِّدة رجعية فيما عدا أبيها الذي تُوفي قبل فترة فصار أخوها يتحكَّم بها ويدقق في خصوصياتها كلها سواءً أكان ذلك بسبب منطقي أم لا، وقد كان أخوها سببًا في نوبات الصرع المتكررة التي تحدث لها، ثم يعرف أخوها بعلاقتها مع (يمان) فيفاجئهما ويضرب (يمان) وتدخل (ياسمين) في نوبة صرع خوفًا منه.

وتزور صديقة (ياسمين) (يمان) في المستشفى وتخبره بأنَّ (ياسمين) قد ماتت، فيفقد شغفه بالحياة مرة أخرى ويعود إلى الكويت ليعمل كالآلة، وقد أعانه صاحب دار النشر على السفر إلى كندا لاستكمال دراسته في علوم الحاسب الكمومي والعمل على مشروعه مقابل شيء يملكه (يمان)؛ شيء يُعدُّ جزءًا أصيلًا من شخصية (يمان)، ولكنَّه تنازل عنه مقابل السعي إلى حلمه العلمي.

ولأنَّ (ياسمين) كانت تؤمن بعبقرية (يمان) وشغفه بالعلم؛ فقد استكمل (يمان) دراسته واجتهد فيها وقد كان من المتفوقين حتى أنَّه قد تمكَّن من العمل في شركة تُدرِّب الطلبة المتفوقين.

وهناك يثير فضول (كارولين) بغموضه وكآبته، ويجعلها تريد أن تتعرف إليه، فتنشأ بينهما صداقة، ولكنَّ هذه الصداقة لم تنسِه (ياسمين) يومًا، فهي بالنسبة إليه رمز الحرية والثورة، وهو يؤمن إيمانًا غريبًا بأنَّها لا تزال على قيد الحياة، فينتظر منها الرسائل دائمًا ولكن دون فائدة.

وفي الوقت ذاته، فإنَّ (كارولين) تُعدُّ الفرصة بالنسبة إلى (يمان) لحياة أفضل فهي شخصية نبيلة، فعندما عرفت بظروفه أو ما حكاه لها من قصته قدَّمت له عرضًا بالزواج ليأخذ الجنسية الكندية ويستطيع زيارة وطنه الأم، فيعود (يمان) بعد سنوات استطاع فيها التخلُّص من قيوده وتحقيق حلمه العلمي، ولكن؛ كانت تنقصه (ياسمين).

إنَّ الرواية ممتعة وموجعة وعذبة، وقد تمكَّن كاتبها (مجد حرب) من التعبير عن أدق مشاعر الشباب في الفترة الحالية التي تتسم بالتوتر على الأصعدة جميعها.

معلومات الكتاب:

حرب، مجد. ياسمين؛ رماد أبيض، دمشق، كيوان للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2018