الطب > مقالات طبية

الغيبوبة Coma

الغيبوبة حالةٌ من غياب الوعي؛ إذ يكون نشاط دماغ المريض في حدّه الأدنى، وعيونه مغلقة لا تستجيب للبيئة المحيطة، ويكون غيرَ قادر على التواصل أو التحرك طوعًا، ولا يستجيب للصوت أو الألم. 

وقد يكون قادرًا على التنفس لوحده أو يحتاج إلى جهاز للمساعدة على ذلك، كذلك يظهر تراجع كبير في المنعكسات الرئيسية كالسعال؛ أي باختصار يكون المريض حيًّا ولكن لا يمكن إيقاظه ولا يبدي أية علامات وعي.

لنتعرف الآن أسبابَ هذه الحالة..

قد تنجم الغيبوبة عن اختلال وظيفي عصبي منتشر ناتج عن أمراض الدماغ البنيوية وغير البنيوية؛ إذ تشمل الأمراض البنيوية المعنية كلًّا من الأورام الدموية تحت الجافية أو فوقها والنزف العفوي داخل المخ والتخثر الوريدي والأورام، إضافة إلى الضغط المرتفع داخل القحف والإصابات الدماغية الناتجة عن نقص الأوكسجين وأخيرًا السكتات الدماغية.

أما الأسباب غير البنيوية فتشمل الأسباب الاستقلابية أو الإنتانية كارتفاع نسبة الأمونيا الناتجة عن أمراض الكبد، وقد تنتج الكوما عن الاعتلال الدماغي اليوريمي؛ أي الناتج عن الفشل الكلوي.

كذلك قد يؤدي الإفراط في تناول الكحول وتعاطي المخدرات إلى الإصابة بالغيبوبة، إضافة إلى نقص السكر والإنتانات الجهازية اللذين يُعدّان أكثر الأسباب شيوعًا للغيبوبة.

ونظرًا إلى كون الشخص الداخل في الغيبوبة غير قادر على التعبير عن نفسه، يعتمد الأطباء على الأعراض الجسدية بالإضافة إلى المعلومات المُقدَّمة من العائلة والأصدقاء؛ كالسؤال عن حدوث قيء أو صداع قبل الحادثة وتفاصيل أخرى عن فقد الشخص المصاب لوعيه وفيما إذا حدث ذلك فجأة أو مع مرور الوقت، ويُسأل عن أية علامات أو أعراض ملحوظة قبل فقدان الوعي، إضافة إلى السؤال عن التاريخ الطبي للشخص والتغييرات الأخيرة في صحته أو سلوكه وعن الأدوية التي يستخدمها بأنواعها كافة.

أما فيما يخص الفحوص والاختبارات فلدينا:

أولًا: الفحص الجسدي:

يفحص الأطباء حركات الشخص المصاب وردود أفعاله، إضافة إلى فحص استجابته للمنبهات المؤلمة وحجم حدقة العين. كذلك يراقبون أنماط التنفس وعلامات اليقظة مثل الضوضاء الصوتية وفتح العينين والحركة، ويُفحَص الجلد بحثًا عن علامات لأية كدمات.

أما لتحديد مستوى وعي الشخص المصاب، فيمكن للأطباء التحدث بصوت عالٍ أو الضغط على زاوية الفك أو سرير الظفر. كذلك يمكن أن تساعد اختبارات حركات العين الانعكاسية على تحديد سبب الغيبوبة وموقع تلف الدماغ.

ويمكن للأطباء أيضًا رش الماء البارد أو الدافئ في قنوات الأذن لدى الشخص المصاب ومراقبة المنعكسات العينية.

ثانيًا: الفحوص المخبرية:

تُؤخَذ عينات من الدم لإجراء اختبارات معينة؛ مثل التعداد الدموي الشامل، وتحديد قيم كل من الشوارد والغلوكوز، وفحص وظائف الغدة الدرقية والكلى والكبد. إضافة إلى أنه يمكن إجراء اختبارات للكشف عن التسمم بأول أوكسيد الكربون وعن تناول جرعة زائدة من المخدرات أو الكحول، ويمكن بالبزل القطني التحقق من وجود أية إنتانات في الجهاز العصبي.

كذلك تساعد تقنيات التصوير الأطباءَ على تحديد مناطق إصابة الدماغ مثل:

  1. التصوير المقطعي المحوسب: يمكن أن يُكشَف عن طريقه وجود نزيف في الدماغ، والأورام، والسكتات الدماغية، وغيرها من الحالات. غالبًا ما يُستخدَم هذا الاختبار لتشخيص سبب الغيبوبة وتحديده.
  2. التصوير بالرنين المغناطيسي: يمكن أن يكشف أنسجة الدماغ التي تضررت بجلطة دماغية، إضافة إلى الكشف عن وجود نزيف وحالات أخرى. يعدّ هذا الاختبار مفيدًا على نحو خاص لفحص جذع الدماغ وبنى الدماغ العميقة.
  3. تخطيط كهربية الدماغ: يمكن أن يحدد هذا الاختبار ما إذا كانت النوبات (الاختلاجات) هي السبب الكامن وراء الغيبوبة أم لا. 

ولا بدّ من التنبيه لوجود نوعين من المقاييس التي تُستخدَم لقياس عمق الغيبوبة ومدتها؛ الأول هو "مقياس غلاسكو" وهو أكثر المقاييس شيوعًا؛ إذ يسجل الأفعال وردود الفعل في ثلاث مناطق محددة تتضمن استجابات العين واللفظ والحركة، وتُجمَع النتائج في كل منطقة لإعطاء درجة إجمالية تتراوح بين 3 (غيبوبة عميقة) و 15 (مستيقظ كليًّا).  أما النوع الثاني فهو "مقياس رانشو لوس اميجوس" وله مجال واحد، وهو يقيّم الأداء الشامل (العام).

أما علاج الغيبوبة فيعتمد على السبب، ولذلك؛ يجب على الأشخاص المقربين من المريض إعطاء الأطباء أكبرَ قدرٍ ممكن من المعلومات لمساعدتهم على تحديد سبب الغيبوبة، فإذا كان هناك عدوى تؤثر في الدماغ فقد نحتاج إلى المضادات الحيوية، في حين يمكن أن نعطي الغلوكوز في حال حدوث صدمة السكري.

أما فيما يخص الجراحة، فقد تكون ضرورية لتخفيف الضغط على الدماغ عند التورم أو لاستئصال الورم. كذلك يمكن لبعض الأدوية أن تساعد على تخفيف التورم، ويمكن إعطاء أدوية معينة لوقف النوبات إذا لزم الأمر.

عمومًا، إنّ علاج الغيبوبة داعم ويُعتنى بالمرضى في وحدة العناية المركزة حتى يتحسن وضعهم.

وعلى الرغم من أنّ الشفاء التام قد يستغرق شهورًا أو سنوات عدّة أحيانًا، وقد يبقى بعض المرضى في حالة سكون دائمة؛ لكن تقوم التوصيات الحالية على أنه بمجرد أن يصاب الشخص بغيبوبة فيجب على فريق مختصي الرعاية الصحية تحديدَ شدة الإنذار، وفي حال اتُّخذَ قرار اليأس من الشفاء فيجب إبلاغه إلى العائلة التي قد تقبل أو ترفضه، وفي كلتا الحالتين لا ينبغي إيقاف دعم الحياة حتى يُتأكّد تمامًا من أن الشفاء غير ممكن، لأن اتخاذ قرار سابق لأوانه قد يؤدي إلى نزاعات قانونية طبية وتشويه سمعة مُقدّمي الرعاية الصحية.

والآن، كيف يجب أن يتصرّف زائرو مريض مصاب بغيبوبة ويتعاملوا معه؟ 

تختلف تجربة الغيبوبة من شخص إلى آخر؛ فبعض الناس المتعافين يشعرون أنهم يستطيعون تذكر الأحداث التي وقعت حولهم، في حين يفقد بعض الأشخاص الآخرين ذاكراتهم، كذلك ذكر بعضهم أنهم شعروا بالاطمئنان نتيجة وجود شخص يحبونه بجانبهم. 

لذلك؛ ننصحك صديقنا بما يأتي عند الزيارة:

  1.  عرّف عن نفسك فور وصولك. 
  2.  تحدث معه عن يومك كما تفعل عادةً، وكن على دراية بأنّ كل ما تقوله أمامه قد يسمعه. 
  3.  أظهر له حبك ودعمك، فحتى مجرد الجلوس وإمساك يده أو تمسيد جلده يمكن أن يسبب له راحة كبيرة. 

وقد أشارت الأبحاث إلى أن فعالية تحفيز الحواس الرئيسة (اللمس والسمع والرؤية والرائحة) بإمكانها مساعدة المصاب على التعافي، ويمكن تفعيل ذلك بتشغيل الموسيقا المفضلة للمصاب عبر سماعات الرأس ووضع الزهور في الغرفة أو رش عطره المفضل.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا