الطبيعة والعلوم البيئية > ورقو الأخضر شهر أيلول

اقطع شجرة واحمِ عشر

يدخل الخشب في معظم أشيائنا وشتَّى مستلزمات حياتنا؛ في الورق الذي نكتب عليه، والأثاث الذي يؤثِّث بيوتنا، ويستخدم في بناء بيوتنا نفسها وغير ذلك الكثير، ولك أن تتخيل كيف ستكون حياتك دونه. وبهدف تأمين هذا المنتج الضروري فإنه لا بد من الحصول عليه من مصدره الأساسي الذي هو الغابات؛ حيث تحيا الأشجار بجذوعها القائمة وأغصانها الوارفة، ويتراوح إنتاج هذه المادة المهمة من إنتاج تجاري واسع النطاق إلى ممارسات فردية بهدف جمع الحطب لتأمين الوقود. إلا أن سوء إدارة عملية قطع الأشجار Logging المفضي إلى زيادة كثافة القطع Logging Intensity (المقاسة بـ متر مكعب من الأخشاب المستديرة لكل هكتار من الأرض) سيؤدي حكمًا إلى إزالة هذه الغابات وتدهور حالها؛ وبذلك انخفاض الأنواع الحيوانية التي ستفقد موائلها  بحيث تتراوح شدَّة الانخفاض تبعًا للنوع ومدى تكيُّفه مع الاضطرابات البيئية. ويزداد خطر إزالة الغابات الناتجة عن قطع الأشجار خاصةً في الغابات الاستوائية المطيرة حيث يعيش 50% من تعداد الأنواع الحيوانية والنباتية في العالم، عدا عن أن هذه الإزالة ستؤثر على نحو ما في الدورات المائية (الهيدرولوجية) وكذلك في حالة التربة؛ نظرًا إلى أن قطع الأشجار سيؤدي إلى زيادة الجريان السطحي الناتج عن الهطول المطري؛ وبذلك زيادة احتمالية حوادث انجراف التربة. ثم إن إزالة الغابات نتيجة قطع الأشجار تسهم في التغير المناخي نتيجة انخفاض تخزين الكربون، وتعد هذه العملية مسؤولة عن إطلاق ما نسبته 15% من الغازات الدفيئة سنويًّا. يُمثِّل قطعُ الأشجار العشوائي (غير الانتقائي) الواسع النطاق خطرًا بالغًا على التنوع الحيوي، في حين تكون أخطار القطع الانتقائي أقل تحديدًا. ففي حالة القطع العشوائي الواسع النطاق؛ لن يُتاح لبذور جديدة أن تنمو حيث ينتفي مصدر هذه البذور (الأشجار)، وبذلك فإن ذلك سيمنع إعادة النمو الطبيعي للأشجار المستوطنة للغابة، ويلاحظ هذا في الغابات الاستوائية المطيرة حيث يعمل المزارعون ورعاة الماشية على توسيع أراضيهم الزراعية ومراعيهم. أما قطع الأشجار الانتقائي فهو يشمل أنواعًا بعينها لقيمتها العالية من حيث نوع الخشب، ولكن مثل هذا القطع يتسبَّب بإلحاق الضرر بالأشجار الأصغر حجمًا، عدا عن أنه يُسهم بخلق فجوات في الغابات وتغيير مناخها محليًّا، جاعلًا إياها عرضةً للحرائق، ومستهدفًا التنوع الحيواني والنباتي فيها. ثم إن الفجوات التي يخلفها القطع الانتقائي تسهِّل الوصول للغابات العذراء التي لم تستهدفها عمليات قطع الأشجار من قبل. وينبغي لفت الانتباه هنا لأن آثار عمليات قطع الأشجار تختلف في حالة الغابات الطبيعية عن الغابات التي زُرعت وتُدار من قبل مصلحة إدارة الغابات؛ إذ يؤدي سوء الإدارة إلى آثار طويلة المدى لدى منتوج الخشب وقدرة الغابة على إعادة تجديد نفسها، نظرًا إلى تدهور تربتها، وزيادة احتمالية تعرضها للحرائق. (1)

صورة (1)- صورة جوية تظهر تمدد حقل فول الصويا الواسع على حساب إحدى غابات البرازيل المطيرة

وتقدِّر منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية (FAO) بأن مساحة الغابات التي تُزال سنويًّا بنحو 18 مليون فدَّان (7.3 مليون هكتار)، وإذا استمرت إزالة الغابات على الوتيرة نفسها فقد تختفي الغابات المطيرة في غضون مئة سنة. أما البلدان التي شهدت أعلى معدل لإزالة الغابات عام 2016، فهي البرازيل وأندونيسيا وتايلاند وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأجزاء أخرى من أفريقيا وأوروبا الشرقية أيضًا، وتُعدُّ أندونيسيا البلدَ الأعلى إزالة للغابات وفقًا لإحدى الدراسات. (2)

صورة (2)- إزالة لمساحة كبيرة من غابة مطيرة في أندونيسيا بهدف الزراعة

ولما عُدَّ قطع الأشجار مُسهمًا أساسيًّا في النسب المرتفعة لإزالة الغابات؛ فقد أثبت العلماء إمكانية تخفيف الأضرار الناتجة عن قطع الأشجار إلى النصف، لا سيما أن ربع الأشجار التي يجري قطعها تكون جوفاء وذات قيمة تجارية منخفضة، عدا عن أنَّ آلية قطع الأشجار لا تكون مدروسة بحيث تراعي الغابة ككل؛ وإنما تشقُّ آليات القطع لنفسها طرقًا تأبه بالأشجار المتلاصقة، وتسعى لعمل الشاحنات بفعالية وتأمين سيرها على طرق عريضة تُجفِّفها أشعة الشمس بسهولة بعد الهطولات المطرية، في حين أثبتت إحدى الدراسات ذات الصلة أن تضييق هذه الطرق من القيمة المعتمدة (قرابة 32 متر) إلى أقل من 25 متر يمكنه تخفيض انبعاثات الكربون بنسبة 10 بالمئة.(3)

صورة (3)- إحدى آليات قطع الأشجار تسحب الأخشاب المقطوعة

لا شك في أن الغابة تمدُّنا بكثير من الموارد الطبيعية التي لا غنى لنا عنها، ويأتي الخشب في مقدمتها؛ إلا أننا بدورنا يجب أن نمدَّها بالرعاية ونشر التوعية عن أهمية الغابات بيئيًّا وفي مجالات أخرى شتَّى، ولا يعني ذلك التوقف عن قطع الأشجار لإنتاج مستلزمات الحياة؛ بل الحرص على أن تُجرى هذه العملية بإنتاجية عالية محسوبة آخذة بعين النظر التأثيرات البعيدة المدى وقدرتها على إعادة تجديد نفسها.

 

المصادر:

هنا

هنا

هنا