الطب > زراعة الأعضاء

زرع الأمعاء

بدأت أولى محاولات زرع الأمعاء في أوائل القرن العشرين، ولكنها لم تصبح عمليةً قابلةً للتطبيق سريريًّا إلا منذ فترة قصيرة مضت. وقد مثَّلت هذه العملية تحديًا كبيرًا على مر التاريخ؛ إذ تُعدُّ الأمعاء أكبرَ عضوٍ لمفاوي في الجسم.

ولكن؛ نجح الأطباء في زراعة الأمعاء أخيرًا، وذلك بتطوير أدوية كابحة للمناعة أكثر فعالية.

بدأ الفرنسي Alexis carrel التجاربَ في مجال زرع الأمعاء عام 1902م، وهو المُرشَّح لجائزة نوبل الذي حاول أخذ أجزاء من الأمعاء لزرعها في رقبة الكلاب.

لتبدأ بعد ذلك الحقبةُ الحديثة لزراعة الأمعاء عام 1959-1960 لكنّها لم تدم طويلًا؛ فقد أُوقِفت محاولات زراعة الأمعاء في الستينيات بسبب ضعف البُقيا للمريض وللأمعاء المزروعة، وأُجريت في هذه الفترة ثماني محاولات على الإنسان كان مصيرها الفشل كلها.

ومن ثم بدأ الأطباء عام 1967م بمحاولات لإتمام تقنية التغذية الوريدية الكاملة (TPN) ليتضح فيما بعد أنّ لهذه التقنية دورًا أساسيًّا في نجاح عمليات زرع الأمعاء.

وقد استُخدِمت هذه التقنية أول مرة لدى الأطفال الرضع الذين خُلِقوا بمشكلات في الجهاز الهضمي، وتطورت استخداماتها فيما بعد لتصل إلى البالغين المصابين بأمراض الجهاز الهضمي، وقد أصبحت أخيرًا تُستخدَم ركنًا أساسيًّا في زراعة الأمعاء.

بعد ذلك، عادت المحاولات لزراعة الأمعاء عام 1980م بعد اكتشاف دواء الـ Cyclosporine بوصفه دواءً يساعد على كبح المناعة ويحمي من رفض الأعضاء المزروعة، ولكن على الرغم من هذا الدواء؛ بقيت النتائج غير مرضية.

استمرّت بعدها المحاولات عقودًا مع ظهور أدوية كابحة للمناعة جديدة لإطالة فترة الحياة بعد العملية، وذلك حتى عام 1990م حين أجريت تجربة سريرية أُعلِن فيها عن خمسة مرضى أُجرِي لهم زرع أمعاء وكانت مدة البقاء لديهم طويلة.

لكن من جديد؛ أُوقِفت هذه التجربة عام 1994م مدة سنة تقريبًا بسبب المضاعفات العديدة.

وأخيرًا في عام 2000م أصبحت عملية زراعة الأمعاء عمليةً قابلة للإجراء، وذلك مع استمرار المحاولات حتى الوقت الحالي لزيادة معدل البقيا وتطويرها.

متى نحتاج هذه العملية؟

يُعدّ الفشل المعوي السببَ الرئيس لزراعة الأمعاء، وهو يشير إلى عدم قدرة الأمعاء على هضم المغذّيات (من السوائل و الشوارد وغيرها من المواد الضرورية للحياة) أو امتصاصها نتيجةَ فقدان سطح الامتصاص المعوي أو فقدان وظيفته.

ويتلقى عادةً مرضى الفشل المعوي التغذية الصنعية الكاملة الوريدية (TPN)، وهي الخيار المُستخدَم منذ أكثر من ٣٠ سنة لتدبير كثيرٍ من الحالات، وذلك عن طريق تأمين مأخد وريدي (قثطرة وريدية) من أوردة اليد أو العنق أو الصدر، وحقن السوائل المغذّية من خلاله لتحسين البقيا لدى هؤلاء المرضى.

ولكن؛ للتغذية الوريدية اختلاطات مهمة كالداء الكبدي، والاضطرابات العظمية، والاختلاطات الإنتانية وغيرها؛ الأمر الذي استدعى الأطباء لإيجاد حلٍّ جذري -بزرع الأمعاء- لتدبير الفشل المعوي خاصةً في حال حدوث اختلاطات لـ TPN.

ما أسباب الفشل المعوي؟

تُعدّ متلازمة الأمعاء القصيرة من أكثر أسباب الفشل المعوي شيوعًا لدى البالغين، وهي تحدث عند استئصال نصف الأمعاء الدقيقة -على الأقل- في أثناء بعض الجراحات.

كذلك قد يحصل الفشل المعوي بسبب أمراض تؤثر في وظيفة الأمعاء كداء كرون، أو في بعض المتلازمات الورمية كمتلازمة غاردنر (داء البوليبات الكولونية المستقيمية العائلي).

أمّا لدى الأطفال؛ فإضافةً إلى متلازمة الأمعاء القصيرة، قد ينتج الفشل المعوي عن التشوهات الخلقية الولادية للأمعاء الدقيقة كرتق الأمعاء الخلقي، أو نتيجة الالتهابات كالتهاب الأمعاء النخري، أو الانسداد المعوي الكاذب.

كيف نختار المتبرع؟

يجب أن تُؤخَذ الأمعاء من متبرعين أُعلِنت وفاتهم مع قلب نابض وأمعاء سليمة، مع مراعاة توافُق الزمر الدموية بين المعطي والآخذ، كذلك يجب أن يُراعَى التشابه بالحجم قدر الإمكان.

ففي حال اختيار المعطي عشوائيًّا سيحدث الرفض للعضو المزروع، ويُعدّ هذا أكثر الاختلاطات شيوعًا في زراعة الأمعاء.

ويحدث الرفض بسبب استجابة الجهاز المناعي في الجسم ضد العضو المزروع لعدّه جسمًا غريبًا، ومن هنا أتت أهمية تطوير الأدوية الكابحة للمناعة؛ إذ يُعطَى دواء التاكروليموس (Fk506) حقنًا في الوريد مباشرة بعد العمل الجراحي، ثم يُحوَّل إلى الشكل الفموي بعد استقرار المريض ليؤخَذ مدى الحياة مع مراعاة مراقبة الجرعات وتعديلها.

يُعدّ الكشف الباكر للرفض -في حال حدوثه- في غاية الأهمية، ومن العلامات التي تظهر في حال الرفض: ارتفاع الحرارة، وسوء حركية العضو المزروع، وتغير لون الفغر (الفتحة الصنعية للأمعاء على الجلد). 

قد تحدث مضاعفات أخرى كالالتهاب والإقفار (نقص التروية) وتتظاهر بأعراض مشابهة لأعراض الرفض، علمًا أنّ الوسيلة التشخيصية الأفضل هي التنظير مع أخذ خزعات مخاطية متعددة.

تُجرَى هذه الخزعات عادةً مرتين في الأسبوع مدة شهر بعد الزرع، ومرة في الأسبوع مدة شهرين بعد ذلك.

وتتضمن العلامات التي تُشاهَد في التنظير: الاحمرار وتيبُّس العضو المزروع، وتوذّم الأمعاء، أو تشكّل أغشية كاذبة ونتحية في حال كان الرفض شديدًا.

يعتمد علاج الرفض على مدى شدته؛ ففي حال كان الرفض خفيفَ الشدة، يكون التدبير بإعطاء جرعة من الستيروئيدات والـ FK506.

 في حين إذا كان الرفض معتدلًا أو شديدًا، فلا بدّ من تناول جرعات عالية من الستيروئيدات كالبريدنيزولون فتراتٍ مؤقتة. أما في حال عدم فعالية هذه الأدوية، قد نلجأ لاستخدام الغلوبولين المضاد للمفاويات. 

ويُعدّ الالتهاب الاختلاطَ الثاني الشائع بعد عمليات الزراعة، ويحدث -على نحو رئيسي- بسبب التداخل الجراحي والتلوث في أثناء العملية، وقد يعزز من حدوث الالتهاب إعطاءُ الأدوية الكابحة للمناعة.

يجب أن يخضع كلٌّ من المتبرع والمتلقي للتطهير المعوي عن طريق إعطاء صادات حيوية وريدية قبل العمل الجراحي، ويستمر إعطاء الصادات الوريدية للمتلقي مدة 5_7 أيام بعد العملية، لتُحوَّل بعد ذلك إلى الشكل الفموي مدة 4_6 أسابيع.

كيف نعرف أنّ العضو المزروع فعال وأنّ عملية الزرع ناجحة؟

نعتمد على الملاحظة السريرية البسيطة كالحفاظ على وزن الجسم من خلال التغذية المعوية ودراسة نواتج الأمعاء، فعلى سبيل المثال؛ إنّ غياب السكر أو وجود كميات قليلة منه في الفضلات دليلٌ على امتصاص جيد للكربوهيدرات، كذلك يُعدّ تحسن امتصاص مادة D-xylose مع الوقت علامةً جيدة، في حين يرتبط التراجع المتدرج في امتصاصها مع الرفض المزمن.

 والآن، ماذا عن الفترة التي تلي العمل الجراحي؟

يجب أن تُصرَف ساعات عديدة لتسليح المريض بالمعلومات اللازمة لمساعدته على العناية بنفسه بعد الخروج من المشفى.

يُوضَع للمريض في الفترة الأولى بعد العمل الجراحي قثطرة روفياك، وهي خط وريدي يوضع في أحد أوردة الصدر ويُستخدَم لإعطاء السوائل والأدوية ولإجراء الفحوص الكيماوية الدموية، كذلك يُستخدَم أنبوب عبر فغر اللفائفي وهو ضروري لمساعدة الطبيب على إجراء التنظير وأخذ الخزعات، إضافةً إلى أنبوبَي الصائم والمعدة اللذين يستخدمان للتغذية في المرحلة التالية للعمل الجراحي، ويُزال الأنبوب الصائمي بعد قرابة ثلاثة أشهر، أمّا الأنبوب المعدي فقد يبقى فترة أطول. 

تتطلّب العناية بالأنابيب والزيارات المتكررة للمشفى كثيرًا من الجدية في الأشهر الستة الأولى التالية للزرع، ومن الطبيعي شعور المريض بالإحباط، لكنّ هذه المتطلبات ستخف مع مرور الوقت؛ فالأجهزة والأنابيب ستُزال، والزيارات ستقل، وستزداد التغذية الفموية، والأهم من هذا كله أنّ نوعية الحياة ستتحسن وقد تكون أفضل من أي وقت مضى.

هل يحتاج مريض زرع الأمعاء حميةً خاصة بعد العملية؟

قد يكون الطعام هو أحد أكبر التحديات التي تواجه المريض، ولكن حالما تعود شهيته ورغبته في تناول الطعام فغالبًا لن يكون بحاجة إلى حمية خاصة في المنزل. علمًا أنه من الأفضل الحفاظ على نظام غذائي متوازن للعناية بالعضو المزروع.

يُنصَح باتباع حمية خالية من الملح في الأشهر الثلاثة الأولى، ففي هذه المدة قد يكون المريض موضوعًا على الأدوية الستيروئيدية التي تحبس السوائل، والكثير من الملح سيزيد من هذا الاحتباس.

ما نتائج زرع الأمعاء على النشاطات والرياضة؟

يُعدّ تحسين نوعية الحياة أحد أهم أهداف عملية زراعة الأمعاء، ولتحقيق ذلك؛ لا بدّ من اتباع برامج تطويرية ومعالجة فيزيائية تساعد على إعادة النشاطات الطبيعية، لكن يجب التنبيه لضرورة الابتعاد في الفترة الأولى عن التمارين القاسية والحمل الثقيل.

وأخيرًا، يجب التنبيه لضرورة التوقف الفوري عن أي نشاط ومراجعة الطبيب في حال شعور المريض بصعوبة تنفس أو ألم فجائي.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا