كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (نشوء الأمم) رحلة في البدايات

منذ أن وضع (ابن خلدون) مقدمته إلى أن جاء (سعادة) عام 1937 ليضع كتاب نشوء الأمم، لم تُخرِج المكتبات العربية مؤلفيين مهتمين بعلم الاجتماع باستثناء كتاب للكاتب (نقولا حداد) أسماه (علم الاجتماع)، والذي كان محاولةً أولى لفتح الطريق نحو علم الاجتماع الحديث. 

يتحدث (سعادة) في كتابه -الذي كتبه في أثناء الفترة التي قضاها في السجن- عن نشوء الأمم وعلاقتها بمظاهر علم الاجتماع، ونشوء الأمة السورية على وجه الخصوص وعلاقتها بالأمم الأخرى في سياق التطور الإنساني.

وقد قسم (سعادة) الكتاب إلى سبعة فصول، وتناول في الفصل الأول منها الحديث عن نشوء النوع البشري.

فالكتاب (سعادة) المُطَّلع على أغلب النظريات المعرفية والتطورية طرح فكرةَ نشوء النوع البشري استنادًا إلى نظريتين، فالأولى الدينية وهي النظرية الشائعة؛ التي تنص على أنَّ الإنسان صدر من عالم غير هذا العالم وسيعود إليه بعد فناء الجسد، والنظرية العلمية؛ التي تنص على أنَّ التطور هو التعليل العلمي الوحيد لنشوء الإنسان، وتربط الإنسان والحيوان بعلاقة وثيقة، وتقول أنَّ أول أفق للإنسان متصل بآخر أفق للحيوان.

فيما ركز في الفصل الثاني الحديث عن السلائل البشرية؛ إذ فرَّق بين علم الأنساب والسلائل، ودرس مدى تأثير السلالة في طبيعة الشعوب بإعطائها صفات معينة كالاستبداد أو الخضوع أو غيرها من الصفات. 

ووضح أنَّ السلالات المتطورة قد ساهمت إسهامًا كبيرًا في التطور والتمدُّن وبعض السلالات لم يكتمل تطورها لتنشئ شيئًا يستحق الذكر على الرغم من أنَّ البيئة الجغرافية كانت مساعدةً لها كالسلالات التي نزلت في أودية أميركا الخصبة ويستثني من ذلك المكسيك التي قدَّمت رقيًّا وتمدُّنًا.

وينتقل بعدها الكاتب للحديث عن الجغرافيا والأرض في الفصل الثالث بقوله أنَّ الأرض قد سبقت الإنسان بملايين السنين، وأنَّ الحدود الجغرافية الطبيعية جعلت انتشار الإنسان موافقًا للبيئة، وهذا يفسر وجود مدنيات مختلفة؛ إذ إنَّ (المادة تعيِّن الشكل)، وهذا يعني أنَّ الجماعات البشرية تتأثر في مواد بيئتها. 

ويرفض (سعادة) في الفصل الرابع الاجتماع البشري مقاربةَ أوجه التشابه في الظواهر الاجتماعية بين الإنسان والحيوان كالرقص والالتزام والتعاون وذلك لاختلافات بيولوجية واجتماعية، وهذا خطأ يقع فيه أكثر الباحثين الاجتماعيين على رأي (سعادة).

أما الفصل الخامس الذي يناقش المجتمع و تطوره، فيطرح فكرةَ الانتقال من مفاهيم العشائرية والإقطاعية إلى مفهوم الدولة القومية الديمقراطية التي تعدُّ الشعب مصدرًا للسلطة، ويوضح الفرق بين المجتمع الوحشي البدوي والمجتمع العمراني القائم على التنظيم الاجتماعي  أيضًا.

ويتحدث الفصل السادس عن نشوء الدولة وتطورها عن طريق تعريف الدولة وتقسيماتها والحقوق الأولية والحقوق الأبوية والأمومية والاستعباد والثأر والعقائد والأوهام الدينية وربطها بهيكلية الدولة.

ويختم (سعادة) كتابه في الفصل الأخير بالحديث عن الإثم الكنعاني؛ إذ إنَّ الكنعانيين كانوا أول شعب تمشى على قاعدة الوطن والارتباط الاجتماعي.

ومع أنَّ الفينيقيين (جزء من الكنعانيين) أنشأوا الإمبراطورية البحرية، ولكنَّ انتشارهم كان انتشارًا قوميًّا بنشر جاليات ظلت مرتبطة بالأرض الأم تتضامن معها في السراء والضراء،

وكان هذا الارتباط هو الظاهرة القومية الأولى في العالم التي يعود  إليها الفضل في نشر المدنية في البحر السوري، والذي نُعِت في بعض الظروف بالخديعة الكنعانية (الإثم الكنعاني).

"هو كتاب اجتماعي علمي بحت تجنَّبت فيه التأويلات والاستنتاجات والنظريات وسائر فروع الفلسفة ما وجدت إلى ذلك سبيلًا. "

هذا ما قاله (سعادة) في مقدمة كتاب شكَّل نقطة مهمة في مؤلفات علم الاجتماع العربية.

معلومات الكتاب:

سعادة، أنطون. نشوء الأمم، بيروت، دار فكر،1998