الغذاء والتغذية > حميات وأنظمة غذائية

مخاطر الحمية الخضرية والحمية القائمة على النباتات على صحة الدماغ

إن الدافع الرئيسي وراء الانتقال إلى النظم الغذائية الخضرية Vegan Diet وتلك القائمة على النباتات Plant-Based Diets دافعٌ نبيلٌ بحق، فتلك الحميات تساهم في تقليل التلوث وخفض استهلاك الموارد غير المتجددة والحيوانات ومنتجاتها؛ أمرٌ يستحق الثناء. لكن هذا لا يعني التغاضي عن المخاطر الصحية لاتباع هذه الأنظمة الغذائية على المدى الطويل، بل لا بدَّ من السعي نحو تقليل تلك المخاطر قدر الإمكان. وكنا قد ذكرنا سابقًا في بعضٍ من مقالاتنا عددًا من المحاذير التي تخص تلك الأنظمة الغذائية، ويمكنكم الاطلاع عليها بالضغط على هذه الروابط:  هنا و هنا

يعاني متَّبعو هذه الأنظمة الغذائية نقصًا في بعض المغذيات الصغرى Micronutrients وذلك لعدة أسباب، فهي إما غير موجودة في المنتجات النباتية أساسًا، أو أن تراكيزها قليلة فيها، أو أنها تتسم بتوفر حيوي وفعالية امتصاص ضعيفَين.

وفي هذا السياق، نُشرت دراسة جديدة نشرتها المجلة الطبية البريطانية BMJ في 29 من آب/أغسطس من العام الحالي في المجلة الطبية البريطانية [1] ألقت الضوء على خطر محتملٍ آخر يهدد متبعي الحميات الخضرية والحميات القائمة على النباتات؛ وهو نقص الكولين Choline. والجدير بالذكر أن الحديث هنا لم يكن عن الدول النامية بل عن الدول المتطورة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

وبحسب الدراسة فإن اتباع  النظم الغذائية الخضرية Vegan Diet والقائمة على النباتات Plant-Based Diets يكون ضارًا بصحة الدماغ إذا كان الشخص يعاني انخفاض مستويات الكولين أساسًا؛ أي إن حدوث هذا النقص يرتبط بزيادة اتباع هذه الحميات. وقد صرحت الدكتورة إيما داربيشير Emma Derbyshire؛ كاتبة الدراسة والعاملة في شركة استشارية متخصصة في علوم التغذية والطب الحيوي، أن فشل حكومة المملكة المتحدة في إعطاء التوصيات الغذائية المناسبة للكولين ومراقبة مستوياته قد زاد الأمر سوءًا. لكن ما هو الكولين، وما وظيفته في الجسم؟

الكولين Choline عنصر غذائي أساسي، ينتجه جسمنا بكميات قليلةٍ عن طريق الكبد، لكنَّ تلك الكميات لا تكفي لتلبية متطلبات جسم الإنسان، وهو أساسي لصحة الدماغ، خصوصًا في أثناء نمو الأجنة. ويؤثر الكولين في وظائف الكبد، خصوصًا في حال وجود عيوب مرتبطة بعدم انتظام استقلاب الدهون في الدم أو تلف الخلايا الناجم عن وجود فائض من الجذور الحرة.

واعترافًا بأهمية الكولين، وضع معهد الطب الأمريكي the US Institute of Medicine في العام 1998 الحدَّ الأدنى من المدخول اليومي منه والذي يتراوح بين 425 ملغ/يوم للنساء و550 ملغ/يوم للرجال، و 450 ملغ/يوم و 550 ملغ/يوم للنساء الحوامل والمرضعات على التوالي، وقد كان ذلك عائدًا على دوره الحاسم في نمو الجنين [2].

وفي العام 2016، نشرت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية the European Food Safety Authority توصياتٍ غذائية مماثلة تحدد الحاجة اليومية منه أيضًا [3]. وعلى الرغم من ذلك، تُشير المُسوحات الغذائية الوطنية في أمريكا الشمالية وأستراليا وأوروبا إلى أن متوسط تناول الكولين المعتاد أقل من التوصيات الموضوعة من قبل هيئاتها المختلفة [4].

وقد دعت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال the American Academy of Paediatrics عام 2018 أطباء الأطفال إلى تجاوز مجرد التوصية بـ "اتباع نظام غذائي جيد" وحسب، والانتقال إلى التأكد من حصول النساء الحوامل والأطفال الصغار على الغذاء الذي يوفر كميات كافية من العناصر الغذائية اللازمة "لبناء الدماغ"؛ وكان الكولين أحد تلك العناصر المدرجة في القائمة الموضوعة لهذا الغرض. [5].

هل يرتبط نقص الكولين بالامتناع عن تناول الأغذية الحيوانية؟

المصادر الرئيسية للكولين الغذائي هي لحوم الأبقار والأسماك والدجاج، والبيض، ومنتجات الألبان، تليها مستويات قليلة جدًا في المكسرات والفاصولياء والخضروات الصليبية، مثل البروكلي والقرنبيط.

وقد بينت إحدى الدراسات الأمريكية أن النجاح في بلوغ المستويات الموصى بها من الكولين دون استهلاك البيض أو تناول المكملات الغذائية أمرٌ صعبٌ للغاية، إذ يتمتع مستهلكو البيض بضعف كمية الكولين مقارنةً مع غيرهم، إضافةً إلى ازدياد مستوياته مع زيادة تناول الشخص للبروتينات الحيوانية من لحوم والمأكولات البحرية [6].

ويعد هذا النقص المنتشر أمرًا مثيرًا للقلق في ظلِّ التوجه نحو الحد من اللحوم والاعتماد على الوجبات الغذائية النباتية. وعلى الرغم من إشادة الدكتورة داربيشير بالخطة الغذائية الصحية التي تقوم على فكرة تعزيز الاستدامة البيئية، لكنها تشير أيضًا إلى وجوب تناول كمياتٍ محددةٍ من الحليب الكامل الدسم والبيض والبروتين الحيواني لتحسين المدخول الغذائي من الكولين.

إن مقالنا هذا لا يهدف إلى إظهار سوء نظام غذائي ما على حساب آخر، فهناك كثير من الأنظمة الغذائية التي تُتَّبع بهدف رفع التوعية بخطر مادة مهددة للصحة، لكنَّ التوازن في الحصول على جميع المغذيات بكمياتٍ كافية عن طريق اتباع حميات صحية ومتنوعة يضمن صحة أفضل للجسم. أما الحميات التي تحرم الجسم من المغذيات الضرورية وتدفع الشخص إلى تناول المكملات الغذائية ليست حمياتٍ مدروسة، فالمكمِّلات الغذائية لا يمكن أن تؤمن ما يحتاجه الجسم بالكفاءة التي تمتلكها الأغذية الطبيعية!

المصادر والدراسات العلمية:

1- Derbyshire E Could we be overlooking a potential choline crisis in the United Kingdom? BMJ Nutrition، Prevention & Health 2019;bmjnph-2019-000037. doi: 10.1136/bmjnph-2019-000037 هنا

2- Institute of Medicine. Food and Nutrition Board (1998) Dietary Reference Intakes: Thiamin، Riboflavin، Niacin، Vitamin B6، Folate، Vitamin B12، Pantothenic Acid، Biotin، and Choline. In: . Washington، DC: National Academies Press، 1998. هنا

3- European Food Safety Authority. Dietary reference values for choline. EFSA Panel on Dietetic Products، Nutrition and Allergies (NDA) EFSA Journal 2016;14 هنا

4- Wiedeman A ، Barr S ، Green T ، et al . Dietary choline intake: current state of knowledge across the life cycle. Nutrients 2018;10:1513.doi:10.3390/nu10101513 هنا

5- American Academy of Pediatrics (2018) food for thought: AAP aims to ensure kids get key nutrients for brain development. Available: هنا [Accessed 29th April 2019]

6- Wallace T ، Fulgoni V . Usual choline intakes are associated with egg and protein food consumption in the United States. Nutrients 2017;9:839.doi:10.3390/nu9080839 هنا