البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

ما هو العلاج بالفيروسات؟

العلاج بالفيروسات: هو استخدام التقانة الحيوية لتحويل الفيروسات إلى عوامل علاجية عن طريق إعادة برمجة المادة الوراثية الفيروسية لتصبح قادرة على علاج الأمراض، وله ثلاثة فروع أساسية هي: العلاجات المضادة للسرطان باستخدام الفيروسات الحالّة للورم، والحوامل الفيروسية للعلاج الجيني، والعلاج المناعي الفيروسي، علمًا أنّ كلًّا منها تستخدم آليات مختلفة في العلاج.

على سبيل المثال؛ تستطيع بعض الفيروسات قتل السرطان، لذا سمحت الهندسة الوراثية بتفعيل الفيروسات بوصفها علاجًا للسرطان. أما الآن، فيعمل العلماء على تصحيح الأخطاء القاتلة في هذا المجال على أمل بأن يصبح علاج السرطان فيروسيًّا يومًا ما.

بدايات العلاج الفيروسي:

تفضّل بعض الفيروسات مهاجمة النسج السرطانية أكثر من السليمة، ويستفيد العلاج الفيروسي الحالّ للورم من هذه الحقيقة.

إنّ الفيروسات المضادة للسرطان لا تقتل الورم فقط، بل تنبه أيضًا الجهاز المناعي للمضيف لوجود السرطان. وبحسب "جرانت مكفادن" (Grant McFadden)؛ مدير مركز بيودزاين (Biodesign) للعلاج المناعي واللقاحات والعلاج الفيروسي في جامعة ولاية أريزونا: "قد ظهر دور علم الفيروسات الجزيئي، واكتشف الناس أن بعض الفيروسات تتضاعف على نحو أفضل في الخلايا السرطانية مقارنةً بنظيراتها الطبيعية؛ إذ إنه عندما تصبح الخلايا سرطانية فإنها تكتسب ميزات خطيرة على حساب السمات المفيدة الموجودة في الخلايا السليمة، ومن ثم تفقد الخلايا السرطانية تدريجيًّا قدرتها على حماية نفسها من العدوى الفيروسية، وهذا هو كعب أخيل الذي تستغله الفيروسات الورمية".

وتكمن فكرتها البسيطة بوضع عدوى فيروسية في الورم لتنبيه الخلايا المناعية وإيقاظها لحقيقة وجود ورم في تلك المنطقة؛ فقد تطوّر جهازنا المناعي على مدى آلاف السنين ليتعرف العوامل الممرضة على نحو أفضل.

بدأ العلماء بالتجارب على هذا النمط من العلاج المناعي في قرابة نهاية القرن التاسع عشر. وفي بداية القرن العشرين، بدأ الجراح "ويليام كولي" (William Coley) محاولاته بتعريض مرضى السرطان لخلاصات مأخوذة من نسج مصابة بعدوى بغرض علاجهم، وتكوّنت فكرة كولي للمفهوم بعد أن قابل رجلًا لديه ورم خبيث يضمر بمواجهة الأخماج البكتيرية، وذلك وفقًا لمراجعة في المجلة الطبية العليا (BMJ). 

بدأ كولي يصيب مرضاه بفيروس الحمرة (the erysipelas virus)، ثم طور لاحقًا لقاحًا من جرثومتين معتدلتين سمّي بـ"سموم كولي" الذي أصبح علاجًا للعديد من أنواع السرطانات وعمل على تحريض حدوث الالتهاب لدى المريض وما يرافقه من حرارة ورعشة.

دعمت عديدٌ من دراسات الحالة الفكرةَ التي تنص على أنّ الأمراض المعدية يمكن أن تخفف من السرطان أو تزيله كليًّا، وذلك وفقًا لمراجعة في مجلة (Molecular Therapy). ولكن؛ مع ظهور العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي وغيره من العلاجات المثبطة للمناعة، فقدت العلاجات الفيروسية الناشئة -مثل سموم كولي- شعبيتها.

اتّقاد العلاج الفيروسي مرة أخرى:

أدى تطور أنظمة زراعة الأنسجة ونماذج سرطان القوارض في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي إلى إثارة عودة أبحاث العلاج من الفيروسات، وذلك وفقًا لمراجعة نُشرِت في مجلة (Nature Biotechnology).

قد عرّض حينها الأطباء المئات من مرضى السرطان في التجارب السريرية لعدة فيروسات ممرضة؛ منها فيروس النكاف والتهاب الكبد إضافة إلى فيروس غرب النيل. وتباينت النتائج فيها وضوحًا؛ فقد قتل بعض المرضى العدوى بسرعة كبيرة ولم يتمكنوا من الاستفادة منها، أما آخرون فقد تراجعت أورامهم وعاشوا حياة طويلة بعدها؛ لكنهم وقعوا ضحية الفيروس نفسه بدلًا من السرطان.

وفي الواقع؛ فُتِحت آفاق العلاج الفيروسي للأورام في ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت بدأت آفاق هذا المجال في الاتساع والتطور. وبمساعدة الهندسة الوراثية الحديثة، يسعى الباحثون الآن إلى بناء أفضل فيروس يمكن استخدامه لمطابقته مع الفيروس القاسي السرطاني.

الصعوبات والعقبات:

قال مكفادن: "التحدي هو اختيار الفيروس المناسب وتحديد كيفية تسليحه وتوصيله؛ إذ تُحقَن بعض العلاجات الفيروسية مباشرة في الورم؛ مما يجعل عملية التوصيل سهلة للغاية. ولكنّ العديد من أنواع السرطان يصعب الوصول إليها باستخدام إبرة، لذا قد تنتشر الفيروسات في كامل أنحاء الجسم، وتمثل مشكلة التوصيل هذه تحديًا كبيرًا".

كذلك تمتلك فيروسات الورم القدرةَ على التحول إلى "فيروسات هاربة" runaway viruses؛ أي فيروسات تتكيف بعد إعطائها أو تعيد تجميعها مع مسببات الأمراض البشرية الموجودة بالفعل في المريض وتبدأ بإصابة الأنسجة السليمة بشراسة.

ولا يزال الباحثون في عملية بحث دؤوب عن هؤلاء الهاربين، وحتى الآن؛ تبدو فيروسات الورم آمنة حتى في حالة المرضى الذين يعانون نقص المناعة ونماذج الحيوانات، وذلك وفقًا لمراجعة نُشرِت عام 2014م في مجلة (Cell Host Microbe).

قد أصبح بالإمكان تصميم فيروسات مضادة للسرطان لمهاجمة الخلايا السرطانية انتقائيًّا وتجنب الأنسجة الطبيعية، إضافة إلى تحفيز الجهاز المناعي للمضيف، وقلب تثبيط المناعة في البيئة الميكروية للورم. ولكن؛ لا يزال العلاج الفيروسي -حتى الآن- ليس علاجًا من تلقاء نفسه، بل سيكون مكمّلًا للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو المناعي.

وكما قال د. أنطونيو تشيوسكا Antonio Chiocca؛ جراح الأعصاب ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في بريجهام ومستشفى النساء في بوسطن، والذي يدرس الفيروسات الحالّة أو الفيروسات التي تعدي الخلايا السرطانية وتقتلها والتي يبدو أنها مستخدمة في علاج سرطان الدماغ: "في التجارب السريرية عمومًا؛ كان نظام العلاج الأكثر وعدًا هو الجمع بين العلاج الفيروسي ومثبطات لنقاط العبور check points في الدارة الخلوية*"؛  إذ تعمل مثبطات نقاط العبور على جعل الأورام عرضة للهجوم من قبل الجهاز المناعي، وبذلك يكون اقتران العلاج بفيروس ورمي معززًا لفعاليته على نحو أكبر.

مستقبل العلاج السرطاني:

في عام 2005م، وضعت إدارة الدولة للغذاء والدواء في الصين -والمعروفة الآن باسم إدارة الغذاء والدواء الصينية- أولَ علاج لمرض الورم في السوق؛ H101 والمعروف تجاريًّا باسم Oncorine، وهو فيروس مُعدَّل وراثيًّا يهاجم على نحو تفضيلي خلايا الورم ويُستخدَم لعلاج سرطان الرأس والعنق.

أما علاج سرطان الجلد (melanoma) من نمط T-VEC المصنوع من فيروس الحلأ (Herpes) المعدّل؛ فقد أصبح أول علاج فيروسي معتمد من قبل FDA في عام 2015م، وقد ووفِق عليه في أستراليا والاتحاد الأوروبي في العام التالي.

كذلك نُشِر المزيد والمزيد من التقارير عن الفيروسات المرشحة الواعدة للعلاج في السنوات الأخيرة، وذلك وفقًا لمقال نشر هذا العام في مجلة (Nature Reviews Clinical Oncology).

وأصبح بالإمكان الآن تصنيع فيروسات مضادة للسرطان من فيروسات بشرية كانت خطرة من قبل مثل الحصبة، أو الفيروسات غير الممرضة. حتى إنه استُغلَّت بعض الفيروسات الخاصة بالحيوانات من أجل العلاج الفيروسي، فعلى سبيل المثال؛ يهدف "مكفادن" إلى تطوير فيروس يسمى فيروس الميكسوما (MYXV) -والموجود فقط في الأرانب- للاستخدام العلاجي البشري.

وفي الوقت الذي يبحث فيه العلماء بجدّ عن فيروسات شحمية قوية، يبدو أنّ مجال العلاج الفيروسي سيستمر في التوسع.

حاشية:

*نقاط العبور في الدارة الخلوية Cell cycle checkpoints: آليات تحكم في خلايا حقيقيات النوى، وهي ضرورية لضبط عمليات الانقسام الخلوي في أثناء مرور الخلية بأطوار الدارة الخلوية. وكما نعلم أنّ السرطان هو حالة من فرط الانقسام الشاذ في الخلايا نتيجة طفرة معينة تؤدي إلى حدوث خلل في الدارة الخلوية؛ مما يؤدي إلى خلل في آلية الضبط الخلوي.

المصادر:

1- .هنا

هنا - 2.

هنا 3.   هنا -4.

5- هنا

6- هنا