كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (الحياة الجديدة): ولربما تضيع حياتك سُدى..بحثًا عن حياة جديدة

"قرأت كتابًا في يومٍ ما فتغيَّرت حياتي كلها، وكان تأثير الكتاب قويًّا لدرجة أنَّ الضوء انبعث من الصفحات وأنار وجهي، جلست أقلِّب الصفحات وعقلي واعٍ بالكاد بأنني أقرأ وحياتي كلها تتغيَّر، أصبحت على وعي بالتحول الكامل للعالم من حولي وانتابني شعور بالخوف والوحدة، ماذا لو رفعت عيني من على الكتاب ونظرت حولي في غرفتي.. إلى دولابي.. سريري، أو نظرت عبر النافذة ولم أجد العالم كما عرفته؟ لقد سكنني هذا الخوف."

بهذه الكلمات ابتدأ بطل الرواية "عثمان" قصته، وقد تحقق ما كان يخشاه، فأمست حياته بعد انتهائه من قراءة الكتاب باهتة دون معنى ومكسوَّة بالرتابة.

لم يكن تغيير الكتاب لحياته سوى نتيجة لسلسلة من المصادفات التي حدثت معه والتي ابتدأت برؤية الكتاب أول مرة بين يدي "جِنان"، ثمَّ صادف أن رآه في المساء ذاته بين مجموعة كتب تُباع على الرصيف، فاشتراه رغبةً في أن يكون سببًا للتقرُّب منها بعد أن سلبت عقله من النظرات الأولى.

وما أن انتهى من قراءة الكتاب حتى تولَّد لديه شعور بأنَّ أحدًا لن يفهمه سوى من قرأ الكتاب وجاب في عالمه الساحر، فسارع إلى "جِنان" والتي بدورها أخبرته بأنَّ من قادها لهذا العالم هو حبيبها "محمَّد".

وتتصاعد أحداث الرواية لتُفضي إلى حادثةِ محاولة قتل "محمَّد" ثمَّ اختفائه، ويلي ذلك اختفاء "جِنان" بحثًا عنه، فيشعر "عثمان" بأنَّ الدافع الوحيد للبقاء في عالمه قد أضحى سرابًا، فكان لا بد من الرحيل بحثًا عن معنى حياته وعن محبوبته "جِنان"، فرحل تاركًا منزله ووالدته وراءه، وأخذ يستقل حافلةً ليغادرها إلى حافلة أخرى دون أن يدري إلى أين يمضي، وفي أثناء ترحاله باحثًا في اللامكان وفي كل مكان يُهديه القدر أجمل المصادفات، ألا وهي أن يلتقي "جِنان" من جديد ليكملا الرحلة معًا.

يقول: "لقد بدأنا رحلتنا على الطريق استجابةً للضوء الذي انبعث من صفحات الكتاب على وجوهنا، وحاولنا التقدُّم على هذا الطريق باتِّباع غرائزنا، ولكن دون أن نتمنَّى بالضرورة معرفة أين كان هذا الذي يوجِّهنا"، ولربما كان من يوجِّههم ويحميهم هو ذاته الملاك الحارس الذي قد تحدَّث عنه الكتاب.

ونستشف من وصف الرحلة أفكارًا أعمق من ظاهر الوصف، فما الرحلة سوى رحلة الحياة وما الملاك الحارس سوى القدر الذي يحيطنا برعايته مذكِّرًا إيَّانا بأنَّه قد تمر في قصة كلٍّ منَّا حوادث عديدة ولكنَّ الحياة من بعدها ستبقى مستمرة.

وتتقاطع بمرور الأيام أقدارُ "عثمان" و"جِنان" في أثناء ترحالهم مع أقدار أشخاص آخرين ممَّن قد قرأوا الكتاب، ليعلما عن طريقهم أنَّ هناك من يبحث -ولسببٍ ما- عن كل من قرأ هذا الكتاب وآمن به، فيدفعهما الفضول إلى محاولة كشف هوية هذا الشخص ومعرفة غايته ليتفاجأا بأنَّ هذا الشخص هو والد "محمَّد"، والذي كرَّس وقته كله للعثور على ابنه ناقمًا على الكتاب الذي كان في رأيه السبب في رحيل "محمَّد" باحثًا عن الحياة التي وعده بها.

ويبقى لغز اختفاء "محمَّد"مطويًّا حتى صفحات الرواية الأخيرة، والتي تحمل كثيرًا من الأحداث والمفاجآت.

وقد تمكَّن الكاتب عن طريق غموض الرواية أن يُوصِل أفكارًا عدة كانت أبعد من مُسمَّياتها، ابتداءً من عدم ذكر اسم البطل حتى النهاية تقريبًا؛ ليولِّد شعورًا بأنَّ بطل الرواية يمكن أن يكون أيَّ شخص.. يحمل أيَّ اسم، فيمكن أن يكون أنا أو أنت أو أيًّا كان من قرأ الرواية!

ونلاحظ كذلك عن طريق السرد أنَّ الكاتب قد تعمَّد إغفال محتوى الكتاب أو عنوانه ليترك الاحتمالات مفتوحةً لمخيلة القارئ وليؤكد على أنَّ الكتاب قد يكون موجَّهًا إلى الأعمار والفئات جميعها، وليس لأحد دونًا عن سواه.

فهذه الرمزيات جميعها تنطوي تحت الرمزية الأساسية للرواية وهي أنَّ المحرِّك لعجلة التغيير في حياتنا من الممكن أن يكون كتابًا أو لقاءً مع شخص أو أيَّ سبب آخر اضطررنا لأجله أن نسلك مسارًا جديدًا، لنقف بعدها أمام تساؤلات عدة لربما من أبرزها سؤالنا: هل ستغدو حياتنا بعد التغيير أفضل بالفعل أم أنَّه كان بوسعنا خلق الشغف والسعادة حيث نكون؟

ونرى في النهاية أنَّ أكثر من تأثَّر في الكتاب هو "محمَّد"، وقد أدرك أنَّه كان ينبغي عليه ألا ينجرف وراء إغراء الكتاب بالتغيير، وربما تجلَّت قناعته تلك بقوله: "الكتاب الجيد هو قطعة من الكتابة تُلمح بالأشياء غير الموجودة، نوع من الغياب، أو الموت.. ولكن من غير المجدي أن تبحث خارج الكتاب عن مملكة تقع وراء الكلمات."

بينما تطرح شخصية "عثمان" فكرةً أخرى وهي أنَّه لو لم يخض في غمار تلك الرحلة لربما لم يكن ليدرك أخيرًا أنَّ السعادة في السكينة والاستقرار.

وعلى الرغم من طرح الرواية لأفكار عميقة، ولكنَّ التصاعد السريع للأحداث في الصفحات الأولى ربما قد منَّانا باستمرار التشويق بدرجة أكبر فنرى الأحداث تخبو في بعض الأحيان لتتسارع من جديد مُشكِّلةً الحبكة الخاصة بالرواية والتي أثارت بمجرد نشرها ضجةً، وحققت نجاحًا غير مسبوق؛ إذ عُدَّ الكتاب من أسرع الكتب مبيعًا في التاريخ التركي.

معلومات الكتاب:

باموق، أورهان،الحياة الجديدة، تاريخ النشر النسخة الأصلية: 1995، صدرت النسخة العربية بتاريخ:   2004عن دار النشر: نينوى، عدد الصفحات: 383 صفحة.