كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (زهور تأكلها النار): عن الأنوثة حين تهشِّمها الحرب

(أمير تاج السر)؛ طبيب وروائي سوداني، وهو يمتُّ بصلة قرابة للكاتب السوداني المشهور (الطيب صالح).

وقد نالت أعماله اهتمامًا في الأوساط الأدبية والنقدية، وتُرجِمت إلى عدة لغات، فمنها الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، ووصل بعضها إلى القائمة الطويلة والقصيرة لجائزة البوكر العربية، ومنها رواية (صائد اليرقات) التي وصلت إلى القائمة الطويلة عام 2011، ورواية (زهور تأكلها النار) التي وصلت إلى القائمة القصيرة عام 2018، وقد حصل أمير تاج السر على جائزة كتارا للرواية العربية عام 2015 عن روايته (366).

وينقل إلينا الكاتب في مقدمة رواية (زهور تأكلها النار) سؤال واحدةٍ من قارئاته: "قرأتُ رواية (توترات القبطي) منذ فترة، ثمَّ عدتُ وقرأتها مرة أخرى، ووجدتُ فيها كل ما يمكن أن أتخيله عمَّا حدث للرجال من إيذاء وقهر... لكنِّي أتساءل: ماذا عن المرأة داخل النص؟ المرأة السَّبيَّة، والجارية... من يُخبرنا بما حدث؟" فيجيبها تاج السر: "يُخبركِ هذا النص: زهور تأكلها النار"؛ إذن، فالكاتب يحدِّد -ومنذ البداية- أنَّ روايته هذه تتحدث عن المرأة بالدرجة الأولى؛ المرأة في الحرب على وجه الخصوص.  

وتدور أحداث الرواية في القرن الثامن عشر في مدينة إفريقية مُتخيَّلة تُدعى (السور)، وتسردها لنا فتاةٌ عشرينية، اسمها (خميلة)، وهي ابنةٌ لتاجرٍ إفريقي ثري وأمٍّ إيطالية.

وتقارن الرواية بين أيام السلم والحرب في هذه المدينة، وكيف غيَّرت الحرب معالمَها ومصائر سُكَّانها، وتحكي عن التطرف الديني أيضًا، وذلك حين يعمي البصيرة وحين يُحوِّل أناسًا عاديين، لا يُتَصوَّر منهم الشَّر إلى محترفي عنف وقتل ودمار.  

"لماذا هناك في الدنيا من يتبنَّى التدمير، والخراب، وسحلَ الدم، وتوجد آلاف الطرق التي يمكن أن تُسلك من أجل تعمير المدمَّر أصلًا، آلافُ الحيلِ لصناعة ضحكة، لاختراعِ ابتسامة، لردمِ سكَّةٍ موحِلة؟"

وتنقسم الرواية إلى أربعة فصول: شغف ومدينة، ولَيل، والنار، والنار أيضًا.

ففي الفصل الأول، تعرِّفنا خميلة إلى نفسها وعائلتها، وتحكي عن اهتماماتها، وعن علم الجمال الذي تدرسه في مصر، وعن الحب حين يطرق قلبها، فتظهر لنا بمظهر الفتاة المدلَّلة المُترفة، والناظرة إلى الحياة بعينٍ حالمة جدًّا، فتطوف بنا خميلة في مدينتها واصفةً الأحياء الراقية والفقيرة، ثمَّ تراها تُعدِّد الدِّيانات المتنوعة بافتخار؛ المسيحية والإسلام وبعض الأقليات البوذية، والتي تعيش جنبًا إلى جنب في (السور) وادعةً مطمئنة.

"إنَّ المدن العظيمة مثل الحسناوات اللائي تتمنَّى في قمَّة ارتباكك لو كنتَ جزءًا من جمالهنَّ، كأن تصير رمشًا في العين، أو شامةً على الخدِّ، أو مجرَّد نظرةٍ من نظراتهنَّ، وأنا تمنَّيت أن أكون حتى لو زُقاقًا ضيِّقًا أو نافذةً مغلقةً في مدينة السور."

وفي الفصل الثاني، يبدأ القبح بالتَّسلُّل إلى المدينة؛ إذ تظهر جماعات مُتطرِّفة تعلن ثورةً بقيادة "المُتَّقي"، فتتوالى حوادث غريبة وتقترب شيئًا فشيئًا من مدينة السور.

وتدخل تلك الجماعات -في الفصل الثالث من الرواية- المدينةَ عنوةً معلنةً بداية الحرب، ومنهيةً بذلك أيام الهناء والسلام فيها.

وتستمر الحرب في الفصل الرابع، وتستمر خميلة في سرد المتغيرات للفتيات والنسوة "السبايا" خصوصًا؛ اللواتي تحوَّلن إلى أدوات مُتعة لمجاهدي المُتَّقي بين ليلة وضحاها.

"فجأةً تذكرت شيئًا مرعبًا، وارتعدت أكثر، تذكرت أنَّ صديقتي ماريكار، كانت وشمت ظهرها، منذ أشهر قليلة، رسمت في وسطه، زهورًا ملونةً تأكلها نارٌ كثيفة... الزهور التي تأكلها النار، لشدَّ ما يمثِّلنا الشعار، لشدَّ ما يصبح نحن ونصبح هو.. ثلاثونَ يومًا مضت ونحنُ أسيرات بيتِ أمِّ الطيِّبات، زهورًا تتربَّعُ في النار."

فقد استطاع أمير تاج السر -بأسلوبِ حكَّاء مُحترف-  أن يسرد لنا قصةً متكاملة من وجهة نظر فتاة في العشرين دون أن نشعر أنَّه يُحمِّلها أفكارًا أعقد ممَّا تستطيع ولو للحظة، بل على العكس؛ لأنّ كل ما في الرواية  يشبه بطلتها، فهو بسيط في الشكل، ومركَّب في العمق، وكذلك كانت اللغة سلِسة ومُحبَّبة وآسِرة أيضًا.

معلومات الكتاب:

تاج السر، أمير. (2016). زهور تأكلها النار. (ط.2). دار الساقي للطباعة والنشر. عدد الصفحات: 192.