الطب > ‏معلومة سريعة‬

جائزة نوبل وتجربة شخصية قلبية خطرة!

لطالما كانت الآفاتُ القلبية ووسائل استقصائها وعلاجها مصدرَ قلق للأطباء بسبب خطورة إصابة القلب على الحياة، إلَّا أنه بفضل جهود العديد من الأطباء وتضحياتهم وشغفهم وصلَتِ المعالجات القلبية إلى درجة عالية من التطور، ومنهم طبيب حاز جائزةَ نوبل عن تجربة أجراها على نفسه! 

دعونا نتعرَّف إليه بتفصيل أكبر..

وُلد فيرنر ثيودور أوتو فورسمان Werner Theodor Otto Forssmann في برلين/ألمانيا عام 1904، وتلقَّى تعليمه في Askanische Gymnasium (مدرسة القواعد الثانوية)، ثم ترك المدرسة عام 1922 وانتقل إلى برلين لدراسة الطب، واجتاز الامتحان الرسمي عام 1929، ثم انتقل إلى العيادة الطبية الجامعية ليبدأ تدريبه السريري، وهناك عمل لدى البروفيسور جورج كلمبرر Georg Klemperer ودرس أسس علم التشريح لدى البروفيسور رودولف فيك Rudolph Fick. وفي العام نفسه وليُـتِمَّ تدريبَه السريري في الجراحة؛ انتقل إلى August Victoria Home بالقرب من برلين، وهناك بدأت رحلة اكتشافه الطبي العظيم، الذي ساعد لاحقًا -وحتى وقتنا الحالي- في علاج كثيرٍ من أمراض القلب، وقاد إلى العديد من الاكتشافات الطبية التالية. 

هنا، بدأ الدكتور فورسمان تجاربه لإجراء قثطرة القلب، وهذا الإلهام قد أوحى له به رسمٌ في كتابه لعلم وظائف الأعضاء، إذ يُصوّر أنبوبًا رفيعًا مارًّا من الوريد الوداجي للحصان ليصل إلى قلبه، وذلك بقياس الضغوط عبر البالون، وهنا اقترح الدكتور فورسمان أنَّه من الممكن تطبيق هذا الأمر على الإنسان، ولكن ليس عن طريق الوداجي، بل من الأوردة في الذراع.

يصف الدكتور فورسمان تجربته قائلًا:

"كان حدوث توقف القلب في عدد من الحالات الإسعافية -كالأمراض قلبية أو التخدير أو التسمم- يتطلَّبُ علاجًا فوريًّا، وقد يضطر الطبيب إلى الحقن داخل القلب، التي قد تكون خطيرةً، فقد يؤدي ثقبُ جدار القلب إلى ضرر وثقب في الشرايين الإكليلية، ما سيؤدي بدوره إلى نزف داخل التامور، الذي قد يُحدِث سطامًا تاموريًّا حادًّا قد يكون قاتلًا، وربَّما يُسبّب ثقبَ جدار الصدر، مما يؤدي إلى ريح صدرية حادة. وكانت هذه المخاطر كلّها مصدرَ إلهام لي لإيجاد طريقة جديدة."

كانت الأجهزة المتاحة للتجربة في ظل التكنولوجيا المنخفضة نسبيًّا هي قثطرة بولية وأجهزة تصوير شعاعي ومعدات التنظير الفلوري المظلمة والمتوفرة في معظم المشافي آنذاك.

يكمل الدكتور حديثه قائلًا: "بعد الاختبارات الناجحة على الجثة؛ أجريتُ أوَّلَ دراسة على شخص حيّ في شكل تجربة على نفسي أوَّلًا، وبدأت باختبار أولي للطريقة، ولأجل ذلك وضع زميلٌ لي نفسه تحت تصرفي، وثقبَ الوريدَ أوّلًا أمام المرفق بإبرة كبيرة ثم طلبت منه إدخال قثطرة حالبية كبيرة الحجم في القنية داخل الوريد، وقد وجّهتهُ كما أجرينا سابقًا على الجثة؛ فكان مرور القثطرة لمسافةِ 35 سم سهلًا، ولكن بعد تلك المسافة اعتقدَ زميلي أنَّ مرورًا إضافيًّا قد يكون خَطِيرًا وأوقفنا التجربة.

لاحقًا وبعد أسبوع؛ أنجزتُ تجربة أخرى بنفسي مستخدمًا مخدّرًا موضعيًّا، وكان ثقب الوريد بإبرة كبيرة صعبًا إلَّا أن التجربة أُنجِزَت، وأدخلت القثطرة لمسافة 65 سم دون أي مقاومة، وقدّرتُ هذه المسافة بين المرفق الأيسر والقلب، ولم أشعر إلَّا بشعورٍ بسيط من الدفء عند انزلاق القثطرة على جدار الوريد وقد واجهتِ القثطرة أيضا مقاومةً جزئية عند الوريد تحت الترقوة، وعند قاعدة العنق، وراودني أيضًا سعالٌ طفيفٌ مزعج بسبب تحريض جذع المُبهَم، وقد صوّرتُ القثطرة بالأشعة السينية وسجّلتُ موقعها، ولاحظتُ تقدمها على شاشة التنظير الفلوري. ومن ثم بحثت بعناية عن وجود أي تأثيرات أو علامات لحدوث إثارة في القلب وهذا ما لم يحدث أبدًا. وكذلك لم يحمل دخول القثطرة وخروجها أيَّ آلام تُذكَر". 

تعرَّض الدكتور فورسمان لموجة من الانتقادات بسبب المخاطر الكبيرة التي حملها هذا الإجراء، ثم ترك الدكتور الجراحة القلبية واختص بالجراحة البولية. 

وفيما بعد؛ طبَّقَ العالمان ِAndré Cournand و Dickinson W. Richards تجربةَ الدكتور وتقنيته في تجارب على الحيوانات، ثم أُجرِيت أوَّلُ قثطرة قلبية لإنسان. 

وعن هذا الاختراع العظيم نال الدكتور فورسمان مع André Cournand و Dickinson W. Richard جائزة نوبل عام 1956 للفيزيولوجيا أو الطب، وفي العام نفسه؛ عُيِّن أستاذًا فخريًّا للجراحة وجراحة المسالك البولية في جامعة يوهانس غوتنبرغ، ماينز Johannes Gutenberg University, Mainz. 

توفي فيرنر فورسمان في 1 يونيو عام 1979 تاركًا وراءه تاريخًا طبيًّا يُحتذَى به واختراعًا عظيمًا ما زال حتى وقتنا الراهن أساسًا لكثير من الإجراءات الطبية القلبية.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا