علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

ماذا إن نظر علم النفس إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟

ازداد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في العقدين الماضيين، إلى أن وصلنا إلى مصطلحٍ كبيرٍ وهو "الإدمان"، فتبعته آثارٌ سلبيةٌ عديدةٌ انعكست على حياة أشخاصٍ كثيرين، فبتنا نرى أعراض "الاكتئاب"، ومن هذه الأعراض تبحَّرنا قليلاً في علم النفس فوصلنا إلى كلماتٍ رنَّانةٍ عديدةٍ إحداها "تقدير الذات". من بين هذه الكلمات أردنا أن نبدأ مقالنا، كون هذه الكلمات التي أبت أن تكون مجرد حروف فقط، بل تجلَّت فيها إشاراتٌ واتّهاماتٌ وُجّهت إلى وسائل التواصل الاجتماعي. 

بدايةً يُعرَف الإدمان على تطبيقات الإنترنت بأنه رغبةٌ مُلحّةٌ لا يستطيع الفرد التحكّم بها، ولها آثارٌ سلبيةٌ تعترضه في حياته اليومية. فبات الإدمان على التواصل عبر الإنترنت كأيِّ إدمانٍ آخر له أنماطٌ وأنواع، فمِن المستخدمين من أدمن على الألعاب، ومنهم على المراسلة أو التسوّق أو متابعة حسابات الآخرين متضمنة صور ومقاطع فيديو. كلُّ هذه الأمور في المتناول، إلا أن الإدمان لم يكتفِ بالوقوف عند حدٍّ معيّن، بل هو يتطوّر، فكانت الدرجةُ التالية الاكتئابَ والشعورَ بالوحدة وقلةَ الرضا عن الحياة الواقعية. لذلك انطلقت الدراسات في أبحاثها، وأخذت من العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب حجرَ أساسٍ لهذه الأبحاث، فوجدت أن الاكتئاب سببٌ جدّيٌّ لميل المصاب به لاستخدام تطبيقات الإنترنت، وفي الوقت نفسه نجد لدى مستخدم تطبيقات الإنترنت ميلاً شديداً للإصابة بالاكتئاب، ولكنها توصّلت إلى نتيجتين مختلفتين، نعرض كلّاً منهما:

الأولى: انخفضت مستويات الاكتئاب بعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها تتَّسم بالسهول؛ فهي تُعدُّ أسلوباً من أساليب الرفاهية.

أما الثانية: ازدادت مستويات الاكتئاب لدى الأشخاص المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي لما فيها من شططٍ عن الحياة الواقعية، وزيف الأشخاص الذين نتواصل معهم أحياناً. وإضافة إلى ذلك حملت العديدُ من الدراسات على عاتقها بحثَ العلاقة بين تقدير الذات ووسائل التواصل الاجتماعي، بافتراض أن تقدير الذات عاملٌ مهمٌّ للحفاظ على الصحّة العقلية والنفسية. وكذلك توصّلت الدراسة إلى نتيجتين مختلفتين.

الأولى: انخفض تقدير الذات لدى مستخدمي تطبيقات الإنترنت، ونُسبَ السبب إلى النرجسية المتوقّع أن ينالها المستخدم من الدعم المُزيّف لحسابه الشخصي. 

الثانية: ارتفع تقدير الذات لدى مستخدمي تطبيقات الإنترنت الذين نالوا دعماً وتشجيعاً من عائلتهم وأصدقائهم عبر حساباتهم الشخصية على هذه التطبيقات. 

وكوننا نتحدّث عن الذات هنا، فلا بدَّ من أن نشعل فانوس الوعي لنلقي الضوء على نظرية الوعي الذاتي التي تقول: لطالما ترتكز الأبحاث على جعل الذات هدفاً لبحثها، وهكذا ستصل حتماً إلى نتائج مختلفة وربما متناقضة، لذلك علينا وضع الذات موضوع نقاش.

أُجريت كلُّ هذه الدراسات على مجتمعٍ محدودٍ إن صحَّ التعبير، أما الدراسات الأوسع فقد ركّزت أكثر على نوع التطبيق في دراساتها، فمنها من تناولت فيسبوك مضماراً للبحث، ومنها من اعتمدت تطبيق إنستغرام. وقد أُسّست شبكة فيسبوك عام 2004 ومنذ ذلك الحين نال الموقع شعبيةً كبيرةً لا سيما بين الأطفال والمراهقين، فوصل حالياً عدد الناشطين على شبكة فيسبوك إلى مليار مستخدم، ومن المتوقّع زيادة العدد في المستقبل؛ وذلك لأنه يخدم الأعمال التجارية والمراسلات الشخصية ومشاركة الأفكار، لهذا خصَّته الدراساتُ النفسية بأبحاثها، ووصلت إلى نتائج عديدةٍ؛ كان منها: إنَّ تلقي المستخدم للدعم من أصحابه وعائلته أمرٌ إيجابي، فهو يُعزَّز التواصل معهم ويزيد من تقديره لذاته، ولكن عندما يصبح فيسبوك ملجأً للهروب من الواقع، وعندما يتلقى المستخدم الدعم من أشخاصٍ مجهولي الهوية، فإن ذلك سيؤثر ذلك سلباً في حياته الشخصية، ويزيد احتمال ظهور أعراض الاكتئاب والوحدة.

أما إنستغرام فقط حظي باهتمامٍ كبيرٍ من الباحثين والمؤلفين، على الرغم من قلّة الدراسات التي شملته. ومن المعروف أن إنستغرام منبرٌ للتواصل الاجتماعي أُطلِق عام 2010. ويتيح هذا التطبيق نشر الصور ومقاطع الفيديو وإضافة تعليقاتٍ عليهما. وكذلك يتيح استخدام الرمز (#) للوصف ورمز (@) للإشارة إلى مستخدمين آخرين، ما يمكّن المستخدم من متابعة أي حسابٍ أو منشور، وتظهر للمستخدم اقتراحاتٌ لحساباتٍ ذات علاقةٍ بما يتابعه المستخدم، ما يُفسح المجال للتوسّع. وهكذا تمكن إنستغرام في حلول عام 2016 من جمع 500 مليون حسابٍ في أنحاء العالم، وحاز على الدرجة الثالثة بين تطبيقات التواصل الاجتماعي، والمرتبة الثامنة بين أكثر الفئات المنتشرة شعبياً. وشكل هذا دافعاً للدراسات لتبحث عمق ارتباطه بالصحة النفسية، وكانت النتائج كالآتي:

الأولى: إنستغرام من التطبيقات المُتّهمة بظهور أعراض الاكتئاب واضطرابات الأكل والسلوك، وذلك بسبب إشارة (@) والكلمات التي تعقبها مثل اللياقة أو الصحة الخ. فلهذه الكلمات وغيرها تأثيرٌ مهمٌّ في الأشخاص المهتمّين بها؛ ما أدى إلى الانتقاص من تقدير الذات ورفض تقبّل الصورة الحقيقة، وهو ما غدا واضحاً من الصور الشخصية ذات المقياس الواحد، فبتْن غالبية الفتيات والنساء يُقسنَ بمعايير محددة كان أحد أسبابها تطبيق إنستغرام. وقد غاب عن بال الكثيرين أن هذا الموقع مجرد موقعٍ اجتماعيٍّ غير معتمدٍ أو مُسند لأي مصدرٍ علمي، فكثيرٌ من الأشخاص اعتمدوا برامج غذائيةً نصح بها بأحد المستخدمين، وكانت النتائج غير مُرضِية. 

الثانية: يمكن أن يُعزى لإنستغرام إيجابية كونه انتشل عدداً لا يُستهان به من الوحدة، وذلك من خلال متابعة الصور ومقاطع الفيديو، فكانت بذلك شريكة وقت الفراغ. 

الثالثة: أكدت أن لإنستغرام علاقةً بالإدمان لأنه تطبيقٌ ترفيهي. ففي عام 2017 صُنّفت الدوافع لاستخدام إنستغرام، وكانت: 

. بابٌ للرفاهية والابتعاد عن أي عملٍ يحتاج الجهد.

. تزجيةٌ للوقت. 

. تحقيقٌ للذات. 

. بابٌ للتواصل الاجتماعي. 

. بابٌ للمعلومات. 

وغالباً كان الدافع تتبّعَ الصور والمنشورات التي تلفت انتباه المستخدم. 

ظهرت دراساتٌ كثيرةٌ كان هدفها تفسير الرابط بين وسائل التواصل الاجتماعي وأعراض الإدمان والاكتئاب وعدم تقدير الذات، وتوصّلت إلى نتائج عرضناها سابقاً، إلا أن الأسئلة ما تزال قائمة، بل غدت أعمق مما كانت ولم نتمكن حتى اللحظة من الحصول على إجاباتٍ واضحة، عاقدين الآمال على دراساتٍ أخرى في المستقبل.

ونهايةً، مهما كثًرت التطبيقات وازداد الوقت الذي نقضيه بصحبة هواتفنا المحمولة أو أمام شاشة الحاسوب، لا بدّ لنا من أن نتذكّر دوماً فكرةً بسيطة: لا يمكن لهذه التطبيقات أن تحلّ محلّ التواصل اليومي والتفاعل المباشر مع الآخرين.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا