التعليم واللغات > اللغويات

الرُّضَّع يتعلمون مفهومات عن عالمهم بالأصوات حتى قبل تعلم اللغة!

ما يهمنا ليس الكلمات فقط بل أصواتها أيضًا

ويشمل ذلك الأطفالَ والبالغين على حد سواء ممن يستطيعون ربط الأجزاء السمعية الدقيقة في اللغة (ونقصد بها حروف العلة المنطوقة من الجزء الخلفي أو الأمامي من الفم بنغمة عالية أو منخفضة) مع الأشياء الحادة أو المدببة أو مع الأشياء الكبيرة أو الصغيرة أو مع الأشياء سريعة الحركة أو طويلة المكوث.

هل تنطبق هذه المبادئ ذاتها على الرضع؟ وهل تتعلق فقط بما هو ملموس أم بما هو مجرَّد أيضًا؟

الجواب هو نعم، وهذا ما تُشير إليه دراسة جديدة أجراها (مارسيلا بينيا) و(جاك ميلر) و(مارينا نيسبور) من المدرسة الدولية للدراسات المتقدمة في (تريستي) في إيطاليا والجامعة الكاثوليكية في تشيلي، وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يبرهن فيها الباحثون أن خصائص الكلام الفيزيائية تُربط مع المفهومات المجردة (أكبر وأصغر في هذه الحالة) في مرحلة مبكرة جدًّا من حياتنا.

عمل الباحثون مع 28 رضيعًا في سنِّ أربعة أشهر من عائلات تتحدث الإسبانية، وجلس كل طفل في حضن والديه (وكان الأهالي مقنعين) في غرفة عازلة للصوت واستمعوا لمقاطع صوتية مختلفة بلا معنى مؤلفة من حروف ساكنة يتبعها حرف صوتي (I، O، E، A)، وفي الوقت ذاته عُرض على الأطفال أشكال مختلفة الأحجام (أكبر وأصغر) والألوان، منها دوائر ومربعات ومثلثات وأشكال بيضوية، وسجل الباحثون باستخدام جهاز تتبع العين أيَّ شكل نظر إليه الأطفال أولًا وكم المدة التي حدَّقوا في خلالها إلى كل شكل.

تشير دراسات سابقة أُجريت على أشخاص تربوا في بيئة متعددة اللغات أن هناك صلة بين صوتي I وE مع الأشياء الصغيرة، وصوتي O وA مع الأشياء الكبيرة، وفي هذه الدراسة عُرضت على الرضع أشياء تبدو أكبر أو أصغر بالنسبة لبعضها بعضًا، ومنذ البداية وطوال مدة التجربة وجَّه الرضع نظراتهم وحدَّقوا وقتًا أطول إلى الأشياء الصغيرة عند سماع مقاطع تحتوي على صوتي I وE وحدَّقوا إلى الأشياء الأكبر عند سماع مقاطع تحتوي على صوتي O وA.

تقول الباحثة (بينيا): "نحن لا نعلم إن كان هذا شيئًا فطريًّا أم مكتسبًا، ولكنها مقدرة مبكرة جدًّا في كل الأحوال"، وتشدِّد (بينيا) على أن الرضع لا يتعلمون الكلمات "أكبر" أو "أصغر" أو "كرة" أو "مثلث" بحد ذاتها، بل هم يستغلون الخصائص الفيزيائية لصوتٍ ما ليساعدهم على تصنيف الخصائص التجريدية للبيئة المحيطة.

لماذا هذا الاكتشاف مهم؟ "لأن التطور المعرفي المبكر يُعدَّ شبه مجهول بالنسبة لنا، ونحن نريد أن نفهم كيف يمتلك الرضيع فكرة عن المفهومات في مرحلة مبكرة جدًّا من حياته." وتشير هذه النتائج حسب قول الباحثة إلى أن جزءًا من تعلم اللغة مبنيٌّ على الخاصية الفيزيائية للمحفز بحدِّ ذاته وليس فقط على التفكير الرمزي [أي القائم على معالجة الرموز والربط المنطقي].

تمنح الدراسة الباحثين منهجيةً جديدة لاكتشافِ آلية تطور اللغة والمفهومات وإلقاءِ نظرة على الأسئلة التي ما تزال مطروحة في علم النفس المعرفي واللغويات؛ إذ تسأل (بينيا): "ما طبيعة اللغة؟ وهل يُعدُّ كل شيء رمزيًا أم اعتباطيًا؟" "أو هل توجد جوانب فيزيائية معينة للتعلم نستغلها" وذلك للبدء بفهم عالم كبيرٍ معقدٍ وجديدٍ بالنسبة لرضيع صغير؟

المصدر: 

هنا

هنا