البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

هل يمكن علاج السرطان باستخدام خلايا ميتة؟

كما نعلم جميعنا؛ غالبًا ما يتضمن علاج مرض السرطان العلاجَ الإشعاعي أو العلاجَ الكيميائي أو كليهما، ونعلم أيضًا الآثار الجانبية الكبيرة غير المرغوب فيها، ومنها: قتل الخلايا السليمة إلى جانب الخلايا السرطانية.

لذا؛ قد سعى الباحثون منذ فترة طويلة إلى إيجاد طرائق لتحفيز الخلايا السرطانية على قتل نفسها أو لجعل أجهزة المناعة لدى المرضى تهاجم الأورام.

وقد استطاع الباحثون في تجاربهم الأخيرة على الفئران قدح رد الفعل المناعي لمهاجمة خلايا سرطانية في عدة مواقع في الجسم وتقليل حجم الورم، وأنجزوا ذلك بطريقة جديدة ومبتكرة تعقد الآمال عليها لتصبح علاجًا فعالًا للسرطان بالتعاون مع العلاجات المناعية المتوفرة الهادفة إلى تعزيز قدرة الجسم على مهاجمة السرطان مستقبلًا.

أما في هذه الدراسة الجديدة؛ ركز العلماء على فكرة امتلاك الخلايا البشرية عددًا من التقنيات المختلفة لقتل نفسها استجابةً لظروف محددة؛ وبالتحديد نوع واحد من موت الخلايا المبرمج والمعروف باسم النخر (necroptosis)، وهو هندسة الخلايا لتموت وتصبح مليئة بالثقوب؛ مما يدفعها إلى إطلاق المواد الكيميائية الالتهابية (سيتوكينات cytokines وجاذبات كيميائية chemokines) التي تحتجز الخلايا المناعية للقضاء على الخلايا التالفة، واعتمد مبدأ الطريقة على دفع الخلايا لتتنخر وحقنها مباشرة في منطقة الورم.

بُدِئت التجارب بالتسبب بأورام لدى الفئران عن طريق استخدام خلايا سرطان الجلد أو خلايا سرطان الرئة، ومن ثم أخذ الخلايا الورمية من النوع نفسه وبرمجتها لتتنخر بتفعيل أنزيم RIPK3 كيناز في المختبر. يلي ذلك العملية الأهم التي تتمثل في حقن هذه الخلايا في الورم حتى تتعرض للموت الخلوي (apoptosis) في الجسم الحي.

أما في السبيل الآخر؛ صمم الباحثون في هذه التجربة نمطًا فعالًا جدًّا لـ RIPK3 كيناز؛ إذ كان قادرًا على تحفيز التنخر السريع في الخلايا السرطانية، وقد حُمِّل جين هذا الأنزيم على فيروس من نمط الفيروسات المرتبطة بالفيروسات الغدّانية AAVs، ثم حُقِن ضمن الورم غير المعدل.

لوحظ بعد حقن هذه الخلايا والفيروسات أنها فعّلت الجهاز المناعي لمهاجمة الورم وقللت من نمو الورم وزادت من مدة حياة الفأر أيضًا. وما أثار دهشة الباحثين أكثر هو ملاحظتهم لانخفاض نمو الورم عند وضع خلايا نخرية من نوع مختلف من الخلايا المولدة لليف (fibroblasts) الفأرية، وخصوصًا أنها لا تحتوي على أي من المستضدات الموجودة في الورم.

وكان تفسير الباحث Andrew Oberst -الكاتب المساعد لهذه الدراسة- أنّ الخلايا النخرية ضمن البيئة الميكروية (الدقيقة) للورم TME تنتج السيتوكينات والجاذبات الكيميائية التي تنشط البلعمة من قبل الخلايا المتغصنة (dendritic cells) والبلاعم (macrophages) وتحتجزها؛ ويكون كلٌّ منهما مسؤولًا -على نحو أساسي- عن تقديم المستضدات إلى الخلايا التائية النوعية.

إنّ تنشيط هذه الخلايا يؤدي إلى أخذ المزيد من المواد من الورم المحيط، وتقديم مستضدات مشتقة من الورم بسهولة أكبر إلى الخلايا التائية القاتلة +CD8 المحلية، وبعد ذلك؛ يمكن لهذه الخلايا التائية المفعّلة أن تتحكم في الورم، وأن تتصرف على المستوى الجهازي متحكمةً في الأورام البعيدة أيضًا.

ويشير هذا إلى أنّ الخلايا النخرية تؤدي فعلها على البيئة الميكروية للورم عوضًا عن الخلايا التائية النوعية للمستضدات الخاصة بهذه الخلايا؛ إذ إنها ليست بحاجة إلى حمل أي مستضد مرتبط بالورم، بل هي تفعّل البلاعم المقيمة في منطقته، وهذا ما يعزز الاستجابات المناعية للورم.

أما فيما يخص آفاق هذا المشروع مستقبلًا؛ فتكمن في تطوير فيروسات AAVs التي تحفز التنخر المبرمج مباشرةً وإمكانية توصيل هذه الجينات إلى أورام ذاتية المنشأ وغير معدلة، وذلك باستخدام نماذج لأورام أكثر ملاءمة من الناحية الفيزيولوجية.

إضافة إلى ذلك؛ تشير النتائج إلى أنّ تفعيل هذا الأنزيم في الخلايا يؤدي إلى إنتاجها سيتوكينات وجاذبات كيميائية -على نحو أساسي- أكثر من تنخر الخلايا بحد ذاتها. لذا؛ إنّ فهم طريقة موازنة الخلايا بين الانتساخ الالتهابي (إنتاج السيتوكينات المسؤولة عن الحادثة الالتهابية) وموت الخلايا عند تفعيل RIPK3 كيناز، إضافة إلى معرفة المتحكم الرئيس بهذه القرارات، وكيف أن أنواع الخلايا الأولية أو السرطانية المختلفة تشارك هذه المسارات؛ تكون جميعها على القدر نفسه من الأهمية عند الرغبة في تطبيق هذا المشروع على أورام أخرى.

وكأي بحث آخر، تكمن تعقيدات هذا البحث في اعتماده على أورام الخاصرة المزروعة transplanted flank tumors حصريًّا، وهي خلايا الورم التي تُحقَن تحت جلد الفئران لتنمو بعد ذلك وتصبح أورامًا؛ إذ تُستخدَم هذه النماذج على نطاق واسع، وهي مفيدة لأنها سهلة في العمل وتعطي نتائج سريعة، إضافة إلى كونها بالعموم أقل تعقيدًا وأسهل علاجًا من نماذج الأورام الأصلية.

لذا؛ هناك حاجة إلى عمل إضافي مهم للتحقق من نجاح هذه الأفكار في النماذج التي تحاكي الأورام البشرية عن كثب.

المصادر: 

1- هنا

2- هنا

3- هنا