علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

العلاج بالمعنى -الجزء الثاني-

تحدّثنا في المقال السابق عن العلاج بالمعنى، وعن تعريفه ونشوئه وبعض مبادئه وافتراضاته. سنكمل في هذا المقال حديثنا عن تقنيات هذا العلاج، وكيفية استخدامها في الجلسات العلاجية، وعن تجربةٍ تُثبِت فعالية هذا العلاج.

التقنيات العلاجية التي يستخدمها:

- النوايا المتناقضة: يتعلّم الفرد من خلالها مواجهة هواجسه وقلقه عن طريق تحييد نفسه عند تقييم هذه الهواجس والمبالغة في روح الدعابة في ما يتعلّق بهذه الهواجس، ما يؤدي إلى كسر الحلقة المفرغة للأعراض والحدّ من تضخيمها.

- إلغاء المراقبة: تعيق المراقبة الذاتية العمليات الغريزية التلقائية، وهو أمرٌ يساعد على زيادة ومضاعفة الأحاسيس؛ وخاصّةً الغضب والحزن وغيرها. والهدف من هذه التقنية صرفُ انتباه الفرد بعيداً عن هذه المشاعر أو الأعراض (فتقلُّ مراقبته لها).

- الحوار السقراطي وتعديل المواقف: تكون توقّعات الفرد ومواقفه أحياناً عائقاً أمام خلق معنىً للحياة وظروفها، وهو أمرٌ يزيد من حدّة الاضطرابات ويساعد على خلقها. لذلك يعي الفرد مواقفَه بتوجيهٍ من المعالج أو الطبيب وباستخدامِ الحوار السقراطي، ويدرك ما إن كانت هذه المواقف تساعد على خلق المعنى أم لا. والشرط الأساسي القائم على هذه التقنية أنه لا يقدّم معانٍ أو إجاباتٍ جاهزةٍ للفرد؛ بل يساعده عن طريق الحوار (أسئلة) للوصول إليها بنفسه وفق ما يناسبه. (1)

في العلاج:

- يؤكد العلاج بالمعنى أولاً على حرية الفرد في الاستجابة لمواقفه ومشكلاته، ويوعّي الفرد بأنه يتحمّل مسؤولية هذه الاستجابة، ويقدّم بعض الوسائل لتحقيقها. وأحياناً يصرُّ بعض الأفراد على عدم امتلاكهم الحرّيةَ في الاستجابة للمواقف، وهنا تبرز أهمية دور المعالج في توضيح الآليات والطرق التي تمكّن الفرد من استغلال حريته المتبقية باستخدام المعنى والتكيّف.

- يهتمُّ هذا النوع من العلاج بالمعايير التي تحقّق السلامة؛ لا السلامة الجسدية فحسب؛ بل النفسية والروحانية أيضاً، إذ تكون المسؤولية والأخلاق والمعنى متاحِين للجميع. ولتوضيحِ ذلك قيل: إذا تعاملنا مع الإنسان على أنه حيوانٌ يمكن تعليمه أو آلةٌ يمكن تعديلها فإنه سيصبح كذلك، وإذا وعّيناهم بمصادرهم الروحانية فإننا نساعدهم على الارتقاء بإنسانيتهم. بمعنىً آخر يحترك الفرد المعالج عندما يقدّم له الفرصة للتعامل مع مواقفه الحالية بروحانية.

- يكون الفرد في هذا العلاج نشيطاً ومُشارِكاً، أي يكون فاعلاً ومسؤولاً عن تحقيق أنماط التكيّف الجيدة، وإضفاء معانيه الخاصة لحياته الشخصية. ويساعد المعالج الفرد على تحقيق هذه العملية؛ فهذا العلاج يمنح الفرص ويوضحها بدلاً من السعي إلى إصلاح الفرد. 

سلسلة العلاج:

هناك أربع مراحلٍ أو خطواتٍ أثناء العلاج؛ أوّلها التمييز بين الفرد وأعراضه، ويكون ذلك بعدم المبالغة بتشخيص حالته فهو كأي إنسانٍ عرضةٌ للوقوع في العقبات، ولديه القدرة على تجاوزها واختبار معناه الشخصي من خلال تجربتها. تتضمّن الخطوة الثانية موقف الفرد تجاه هذه الأعراض، فمن الواجب عدم التركيز على هذه الأعراض وإنما تحويلها خارجاً، والوعي حول خيارات التعامل معها (إلا في حالاتٍ شديدةٍ كالانتحار؛ إذ يضع المعالج الطرق للفرد مباشرةً وفوراً). فبعد أن يُحدّدَ المعنى الخاص بكلِّ فردٍ يستخدم الفردُ هذه المعاني لتحديد كيفية الاستجابة أو التكيف لهذه الأعراض عن طريق أسئلة المعالج؛ مثلاً: ما الخيارات المتاحة للتعامل مع موقف ما؟ ما هي المعاني الخاصّة بالمريض؟ والخطوة الثالثة تكمن في الحدِّ من الأعراض التي ستحدث غالباً تلقائياً بعد تغيير المواقف تجاهها، وتُحدّدُ تقنياتٌ أخرى للحدِّ من الأعراض. أما الخطوة الأخيرة فتتضمن الحفاظ على الصحة العقلية بواسطة التوجّه المستقبلي وخلق الوعي المستمرِّ حول المعنى والهدف من حياة الفرد. 

تجربة:

نُفّذت 9 جلساتٍ من العلاج بالمعنى لمدّة 90 دقيقةً بمشاركة 30 أمٍّ يعانين الاكتئاب والقلق بسبب إصابة أبنائهم بمرض السرطان. شملت الدراسة اختباراتٍ قبليةً وبعدية، واختباراتٍ خاصّةً بالقلق والاكتئاب للقياس. وبناءً على النتائج وُجِد أن هذا العلاج فعّالٌ في الحدِّ من القلق والاكتئاب لدى الأمّهات بنسبةٍ عالية. سوعدت الأمّهات، لا فقط على اختبار القيم المحتملة، بل أيضاً على تحمّل المسؤولية والالتزام بمهمّةٍ محدّدةٍ وتغيير المواقف السلبية (من: سيموت طفلي، إلى: سيتعافى طفلي)، ومساعدة أنفسهنّ (أنا الشخص الذي سيحلُّ المشكلة).

علاقة العلاج بالمعنى بغيره من أنواع العلاج: إن ما يقدّمه هذا النوع من العلاج يتركّز في كيفية تأثير المعنى في صحة الفرد وعافيته، فكلّما ازداد الإحساس بالمعنى اقترب الفرد من الرفاه النفسي والجسدي. اتُّفق على أن الروحانيات (أي القيم والمعاني التي اهتمَّ بها العلاج بالمعنى) أصبحت ذات صلةٍ متزايدةٍ بأنواع العلاج النفسي الحديث، وأنها مرتبطةٌ بالصحّة الإيجابية للفرد، وقد شَدَّد هذا النوع من العلاج مراراً على أهمية المعنى كالأمل والإيمان والفكاهة والمرونة في تفسير الشدائد والتعامل معها. 

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا