الطب > زراعة الأعضاء

ماذا بعد الزرع؟

عمليةُ زرع الأعضاء جراحة معقدة، تكون تحت التخدير العام، وتنطوي على مضاعفات كثيرة، وقد تكون خطيرة؛ فإزالةُ العضو التالف وحده قد يحمل خطر حدوث مضاعفات عديدة كالنزف وغيره، وقد تنخفض في أثناء الجراحة قِيَم ضغط الدم، وحرارة الجسم، ومستويات الغلوكوز والكالسيوم، ولكن يدبر فريق الزرع هذه المخاطر عادة بدقة ونجاح.

وقد تستغرق عملية زرع الكبد 4-8 ساعات تقريبًا، في حين أنه يستغرق زرع الكلية 3 ساعات تقريبًا.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية؛ أدَّى النجاح في تطوير الصادات الحيوية، والإستراتيجيات الوقائية، والعوامل المثبطة للمناعة، وتعزيز طرائق الرصد إلى تحسّن ملحوظ في معدلات نجاح زراعة الأعضاء الصلبة، وبقيَ كلٌّ من التقبُّل الثقافي، والطلب، ولوجستيات التوزيع أكبر المشكلات التي تواجه مجال زراعة الأعضاء حاليًّا.

ما يحدث في أثناء العمل الجراحي:

سنتطرق إلى الحديث عما يحدث في أثناء زرع بعض الأعضاء، وسنتناولها بالتفصيل مع غيرها من الأعضاء في مقالاتنا اللاحقة:

أولًا : في أثناء زرع الكلية:

تُجرى العملية تحت التخدير العام؛ إذ يُجري الجراحُ  شقًّا جراحيًّا في الجزء السفلي في أحد جانبي البطن، ويضع الكلية الجديدة في الجسم، أما لدى الكليتَين المريضتَين ففي حال لم تتسبَّبا بمشكلات، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو حصيات كلوية متكررة، أو ألم، أو إنتان؛ فإنهما قد تُتركان في مكانهما.

ثم يُعاد ربط الأوعية الدموية للزرعة مع الأوعية الدموية في أسفل البطن أعلى إحدى الطرفين السفليين، وكذلك يُزرع الحالب الجديد على المثانة.

ثانياً: في أثناء زرع الرئة:

كذلك الأمر، تكون العملية تحت التخدير العام، وبوجود تنبيب فموي للقصبة الهوائية؛ للمحافظة على التنفس، ثم يُجري الجرَّاح شقًّا في الصدر لاستئصال الرئة المريضة، وبعد ذلك توصل الأوعية الدموية والطريق الهوائي لهذه الرئة بالرئة المزروعة الجديدة، وكذلك توصل الأوعية التي تصل الرئة بالقلب

بعض عمليات زرع الرئة، وقد يكون ذلك بوجود جهاز القلب والرئة الاصطناعي الذي يعمل على أكسجة الدم وتوزيعه إلى الجسم عوضًا عن القلب.

ثالثًا: في أثناء زرع نِقي العظم:

يحدث زرع نِقي العظم بعد إجراء عملية تكييف conditioning (التي تتضمن القضاء على أي ورم خبيث في الجسم، والتثبيط المناعي، وتحضير نِقي العظم لاستقبال الخلايا الجذعية الجديدة)، وفي يوم عملية الزرع -الذي يسمى اليوم صفر- تُضَخُّ الخلايا الجذعية عن طريق خطٍّ مركزي إلى الدم، ثم تجد الخلايا الجذعية طريقها إلى نِقي العظم، وتبدأ بإنتاج خلايا دموية جديدة، وتستغرق هذه العملية أسابيع عدة.

وتكون عملية زرع النِّقي دون تخدير؛ إذ إنها غير مؤلمة، ومن المهم جدًّا أن يبقى المتلقي في المشفى أسابيع عدة بعد الزرع تحت المراقبة؛ إذ تُجرى اختبارات مكثفة لضمان نجاح عملية الزرع، وعدم وجود أية مضاعفات خطيرة، ولحمايته من الإنتان.

المضاعفات بعد العمل الجراحي:

تنقسم اختلاطات عمليات زرع الأعضاء إلى اختلاطات القصيرة الأمد، وتحدث في الفترة التالية للزرع مباشرةً، والطويلة الأمد تحدث لاحقًا في أشهر أو سنوات.

ويمكن تقسيمها إلى اختلاطات صغرى وكبرى حسب شدة خطورتها، وسنذكر هنا أهمَّ هذه الاختلاطات:

أولاً: الاختلاطات الجراحية:

وهي الاختلاطات ذاتها التي تحدث في أثناء -أو بعد- أي عمل جراحي كالنزف، والتسريب من أماكن المفاغرات وغيرها من المشكلات المتعلقة بتكنيك العمل الجراحي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن اختلاطات -كالتضيق- على مستوى المفاغرات الوعائية (أو الحالب في حال الكلية، والطرق الصفراوية في حال الكبد) قد تُهدِّد بقيا العضو المزروع. 

 

ثانيًا: داء الطعم تجاه المضيف Graft-versus-host disease:

اختلاط خطير ومُهدِّد للحياة، وقد يحدث في زرع نِقي العظم، وبحال أندر يحدث في زرع الأعضاء الصلبة، تُهاجم فيه الكريات البيضاء للمتبرع خلايا وأنسجة المتلقي، وقد يحدث هذا الاختلاط في أية مرحلةٍ بعد الزرع.

وينقسم المرض إلى شكلين: حاد، ومزمن، وأنواع أخرى مختلطة، فيحدث الحادُّ في الأشهر الأولى بعد الزرع، ويصيب نموذجيًّا الجلد والأنبوب الهضمي والكبد، في حين يتأخر الشكل المزمن بالحدوث، ويصيب أعضاء عديدة.

ويعتمد العلاج على زيادة التثبيط المناعي، وإيقاف أي أدوية أو صادات مُثبِّطة للنقي مع دعم إنتاج الدم منه.

ثالثًا: العدوى:

من الشائع أن يُصاب المتلقي بخمج بعد عملية الزرع، ولكن معظم الالتهابات الناجمة عن أخماج ما بعد الزرع تُعالج بسرعة، ومن المواقع الشائعة حدوث التهابات فيها:

1. البطن.

2. الأعضاء التناسلية والبولية نتيجة استخدام القثاطر.

3. الرئتان.

وفي الشهر الأول التالي للزرع قد تحدث أخماج في أماكن متعددة، ولكن يمكن علاجها أو تلافيها باستخدام المضادات الحيوية الجرثومية، أو الفيروسية، أو الفطرية.

رابعًا: اختلاطات ناتجة عن العلاج الدوائي: 

تحمل بعض الأدوية المستخدمة بعد الزرع سمِّية كلوية، مثل السيكلوسبورين، عدا عن أن التثبيط المناعي واستخدام الكورتيزون يحملان زيادة في خطورة حدوث العدوى والإنتانات الانتهازية.

خامسًا: الاكتئاب:

قد يُصاب بعض الأشخاص بالاكتئاب بعد الزرع بسبب تأخر الشفاء، والعودة إلى الوضع الطبيعي؛ ما يسبب لهم البؤس، ولكن مع مرور الوقت وباللجوء إلى موفري الرعاية الصحية يمكن أن يبقى الشخص متفائلًا، ويتجنب المشكلات النّفسية.

سادسًا: الرفض المناعي للمضيف:

الرفضُ المناعي وسيلةُ الجسم لمهاجمة أيِّ جسم أجنبي كالجراثيم مثلًا، ويمكن أن يحدث عند تلقي عضو مزروع جديد؛ إذ يعدّه الجسم غزوًا أجنبيًّا ينبغي مهاجمته وتدميره، ويكون الرفض إما حادًّا يحدث بسرعة كبيرة، أو مزمنًا وهو فشل بطيء للعضو المزروع.

وعلى الرغم من الاختبارات والإجراءات العديدة قبل الزرع لضمان التطابق بين المتبرع والمتلقي، فلا بُدَّ من حدوث رفض للعضو المزروع من الجهاز المناعي للمتلقي، فيُسَيطَر عليه بالأدوية المثبِّطة للمناعة. 

ومع ذلك؛ يمكن أن يتعرض العضو لهجمات من الجهاز المناعي، ومن الضروري الحفاظ على توازن مناعي في جسم المتلقي؛ ليُسيطَرُعلى الهجمات، وكذلك الحفاظ على صحة المريض من حدوث إنتانات ناجمة عن نقص المناعة.

ويمكن أن تشمل علاماتُ الرّفض الحمى وألم في منطقة العضو المزروع، ولكنها علامات متأخرة؛ إذ يمكن أن يحدث الرفض دون ظهور أعراض (على الأقل في البداية)، لذلك من الضروري إجراء اختبارات متكررة ومنتظمة بعد الزرع لضمان عدم حدوث متضمنة اختبارات الدم.

وفي حال الشك بحدوث رفض مناعي؛ فمن الضروري إجراء تصوير مقطعي محوسب CT Scan، وكذلك خزعات من العضو (الكبد أو الكلى)، وحين التأكد يُكثِّف فريق الزرع التثبيط المناعي مؤقتًا حتى يُسيطَر على الرفض، وغالبًا يستخدم الميتيل بريدنيزون methylprednisone.[1]

الحياة بعد الزرع:

يعود معظم الأشخاص بعد الزرع إلى ممارسة حياتهم الطبيعية ونشاطاتهم المفضلة ما قبل مرضهم واحتياجهم إلى عملية زرع، ويقدّم فريق الزرع نصائحَ للأشخاص المتلقّين عن البقاء بصحة جيدة بعد مغادرة المشفى؛ ومنها:

• الالتزام بالمواعيد مع فريق الزرع؛ لإجراء الفحوصات والتحاليل، ولكن بعد الأشهر الستة الأولى قد لا يحتاج الشخص إلى مراجعة فريق الزرع كثيرًا في حال كانت الصحة جيدة.

• اتباع نظام غذائي صحي.

• يجب على المريض استشارة فريق الزرع فورًا دون تأخير عند الشك في حدوث أعراض رفض.

• يجب استشارة فريق الزرع في حال استخدام أي دواء جديد؛ لأن أدوية عديدة قد تتداخل مع الأدوية التي يستخدمها المرض، وبذلك تؤثر في صحته.

• يمكن للمتلقي ممارسة الجنس الآمن؛ للتقليل من انتقال العدوى.

ختامًا، يمكن القول بأن عملية زرع عضو جديد ليست أمرًا سهلًا، ولكنها على الرغم من ذلك تُعدُّ علاجًا مميزًا، وأملًا واعدًا لكثيرٍ من المرضى الذين يعانون فشلًا عضويًّا يعيقهم عن ممارسة حياة طبيعية وخالية من المرض.

مصادر المقال:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا