كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (التخلف الاجتماعي؛ مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور): ما بين التسلُّط والقهر يولد التخلُّف. (الجزء الثاني)

بعد دراسة (الملامح النفسية للوجود المتخلف) في القسم الأول من الكتاب، يبدأ د.مصطفى حجازي القسم الثاني من كتابه قائلًا: "ينتج عن اختلال التوازن الوجودي وانعدام تحقيق الذات، حالة مفرطة من التوتر والقلق وانعدام الاعتبار الذاتي. وتبرز الحاجة ماسة إلى حلول لمجابهة هذه الوضعية المأزقية، حلول تعيد بعض التوازن وتؤمن بعض الكبرياء وتجعل الوجود محتملًا ومبررًا".

2.  القسم الثاني (الأساليب الدفاعية): يتناول هذا القسم الأساليب الدفاعية التي يتولّاها الإنسان المقهور بوصفها وسيلة للتأقلم والتواؤم مع وضعيته الراهنة بحيث يخفّف من وطأتها ويكفل شيئًا من الانسجام الوجودي وتحقيق الذات الظاهري، ويقسم هذا القسم من الكتاب بدوره إلى خمسة فصول، أربعة منها تتناول الأساليب الدفاعية والفصل الأخير يتناول وضعية المرأة.

●  الفصل الخامس (الانكفاء على الذات): يتناول أولى الأساليب الدفاعية؛ إذ يعرض لنا صورة التقوقع والانسحاب التي يلجأ إليها الإنسان المقهور ردّةَ فعلٍ على ما يعانيه من عجز وقلّة حيلة وفشل في مختلف الجوانب الحياتية.

تتمثل إحدى الصور في التمسك بالتقليد والرجوع إلى الماضي المجيد، ويصف الدكتور ذلك بقوله: "التمسك بالتقليد يحمي الإنسان المقهور من مشاعر الخزي الذاتي، المرتبط بالمهانة التي تتصف بها مكانته الاجتماعية"، ويكمل قوله: "إن الإنسان المقهور الذي لا شرف له يتخذ من التقاليد والأعراف مصدرًا للشرف والاعتبار".

صورة أخرى يقدمها هذا الفصل تتمثل في الذوبان في الجماعة والعلاقات الدمجية، فإنها "تعوّض كثرة العدد عن ضعف الفرد"، وأخيرًا صورة الوضعية الاتكالية بما تتضمنه من تبعية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والدينية.

●  الفصل السادس (التماهي بالمتسلط): وهو ثاني الأساليب الدفاعية التي يعرضها الكتاب، فالإنسان المقهور هنا -على عكس الحالة الأولى- يصل حد التنكر التام لوضعيته الذاتية ويذوب في عالم المتسلط ويتماهى بأحكامه ويسقط كل ضعفه وعجزه على الحلقات الأضعف منه، ويحاول جاهدًا تبني قيم المتسلط وأسلوب حياته فيقع ضحية عقدة الاستعراض ويتحول إلى "هارب دائم من ذاته".

●  الفصل السابع (السيطرة الخرافية على المصير): يعرض ثالث الأساليب الدفاعية في محاولة بائسة للإنسان المقهور للسيطرة الخرافية على الحاضر عن طريق التعلُّق بالأولياء ومقاماتهم وتقديم النذور والطقوس المتعلقة بطرد الجن والشياطين وإزالة الحسد واستخدام السحر، ومواجهة قلق المستقبل عن طريق الإيمان بالقَدَرِيَّة والتطير وقراءة الطالع.

●  الفصل الثامن (العنف): وهو رابع الأساليب الدفاعية ضد وضعية القهر، يتناول هذا الفصل الحديث عن مظاهر العنف (العنف المقنَّع، العنف الرمزي، السلوك الجانح، التوتر الوجودي والعلاقات الاضطهادية)، ثم يتابع حديثه عن النظريات النفسانية في العدوانية والعنف، ويكمل في محاولة لفهم العنف في المجتمع المتخلِّف؛ إذ إنَّ مرد هذا العنف يعود إلى علاقة التسلط والقهر الممارسة على الإنسان المقهور التي تفجّر كوامن العدوانية عنده على شكل التشفي الذي لا يعرف الارتواء لأن هذا العنف يردّ إليه شيئًا من اعتباره الذاتي المفقود.

●  الفصل التاسع (وضعية المرأة): في المجتمع المتخلف ويبدأه بقوله: "المرأة هي أفصح الأمثلة على وضعية القهر بكل أوجهها ودينامياتها ودفاعاتها في المجتمع المتخلف. في وضعيتها تتجمع كل متناقضات ذلك المجتمع، وفي سلوكها وتوجهها تظهر كل الأوليات التي عددنا"

ويبدأ الحديث عن ملامح وضعية القهر التي تعاني منها المرأة في الوسط الكادح والطبقة المتوسطة والفئة ذات الامتياز في المجتمع. ثم يتناول أوجه القهر الذي تتعرض له المرأة؛ إذ تعاني استلابًا اقتصاديًّ وتبخيسًا لجهودها، واستلابًا جنسيًّا وما يفرضه عليها المجتمع من قيود وعَدِّها ملكية للغير، وأخيرًا أخطر أنواع الاستلاب وهو الاستلاب العقائدي وهي أن تتبنى المرأة وضعية القهر التي تعانيها كجزء من طبيعتها وترضى بها وتتكيف معها. وهذا ما يشكِّل عائقًا أمام تخليص المرأة من هذا القهر الممارس عليها، ومن ثَمَّ تكون هي "المتواطئة الأولى على مصالحها الحقيقية".

ويؤكد الدكتور أن: "لا تطوير دون تغيير وضعية المرأة، ولا تغيير لوضعيتها دون تمزيق حجب الاستلاب العقائدي التي تمنع عنها رؤية ذاتها، ورؤية العالم على حقيقته"

أما عن الاختزال التي تتعرض له فهو يعني اختصار كيان المرأة في جانب سلبيّ أو مثاليّ وإلغاء الجوانب الأخرى ومن ثَمَّ تبرير القهر الذي يمارسه الرجل عليها.

وفي مقابل هذا القهر المُمارس على المرأة لا بد لها من وسائل دفاعية تتخذها لحفظ توازنها الداخلي، وأهم هذه الوسائل تتمثل بالتضخم النرجسيّ بإحساسها بأنها كائن على درجة عالية من الأهمية بشكل مبالغ فيه، وأسلوب السيطرة غير المباشرة على الرجل عن طريق التظاهر بالضعف والمرض واستخدام سلاح التنغيص على حياة الرجل.

وفي النهاية يختتم الدكتور هذا الفصل بقوله: "لا يمكن للرجل أن يتحرّر إلا بتحرّر المرأة ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرّر وارتقاء أكثر فئاته غبنًا، فالارتقاء إما أن يكون جماعيًّا عامًا أو هو مجرد مظاهر وأوهام".

قراءة غنية يحملها هذا الكتاب وجهد مستحق للإلمام بجوانبه، وآفاق كثيرة يفتحها أمامك يحفز فيها وعيك للنهوض وراء تغير حقيقي وتنمية فعلية لنا ومن ثم لمجتمعاتنا.

معلومات الكتاب:

الكتاب: التخلف الاجتماعي (مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور)

الكاتب: د. مصطفى حجازي

عدد الصفحات:٢٨١ صفحة.

دار النشر: معهد الإنماء العربي، بيروت، 1981