الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

التضخم المفرط؛ ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى

يعد التضخم المفرط من أخطر أنواع التضخم، ويحدث عندما يزيد معدل ارتفاع الأسعار عن 50% شهريًّا، إذ يرافقه عرضٌ نقديٌّ مفرط، وخصوصًا في حالات فقدان الثقة بعملة البلد وعدم قدرة البنك المركزي على الحفاظ على قيمة عملته.

كانت ألمانيا من أبرز الدول التي حدث فيها التضخم المفرط، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى بين عامَي 1922-1923؛ نتيجة اقتراضها مبالغ ضخمة لتمويل الحرب، واثقةً أنها ستربح الحرب. ولكنَّ ألمانيا لم تخسر الحرب فحسب، بل طُلب منها دفع مليارات الدولارات بوصفها تعويضات.

زادَ الأمرَ سوءًا قرارُ ألمانيا بتعليق المعيار الذهبي في بداية الحرب، الذي يحرر كمية الأموال المتداولة من قيمة الذهب الذي تملكه الدولة. وأدَّت هذه الخطوة المثيرة للجدل إلى تخفيض قيمة العملة، واضطرت الحكومة إلى طباعة مزيد من الأموال لدفع التعويضات للحلفاء ودفع الرواتب.

ومع عجز الحكومة الألمانية عن إيجاد طريقة بديلة لمعالجة الأزمة واصلت ضخ المزيد من النقود مما قاد إلى تضخم مفرط كان له أثار مدمرة على المجتمع الألماني. حيث انخفضت القوة الشرائية للعملة، وزاد حجم الأوراق النقدية الصادرة ليصل إلى 100،000،000،000،000 ℛeichsmarks وارتفعت الأسعار بشكل خرافي.

أثار الانخفاض السريع في قيمة العملة السخرية؛ إذ أبلغ رجلٌ عن طلبه القهوة لكنه علم أنَّ سعره قد تضاعف بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى مائدته، وانتظرت الزوجات في مصانع أزواجهنّ يوم تسليم الرواتب للتعجيل بصرفها.

أحضر العمال عرباتِ اليد وأكياسًا وحقائبَ للعمل لجمع أجورهم، واستخدم الأطفال الأوراق النقدية التي لا قيمة لها ألعابًا، واعتادت أمهاتهم على استعمالها لتشغيل المواقد والغلايات ولفِّ الكعك، حتى إنّها استُخدمت ورقَ جدران.

كان للتضخم الجامح آثارٌ أوسع على الاقتصاد، مما جعل صرف العملات الأجنبية شبه مستحيل. ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي من 4 ℛℳ في عام 1914 إلى أربعة تريليونات في نوفمبر 1923، ومع عدم وجود الذهب وجدت الشركات الألمانية أنه من المستحيل ممارسة الأنشطة التجارية مع الخارج.

أدى التضخم الجامح إلى تآكل المدخرات النقدية للطبقة المتوسطة المعتمدة على الاستثمارات والمدخرات والدخل من المعاشات أو الإيجارات إذ كانت الأكثر تضرُّرًا، وتضرر الموظفون في القطاع العام إذ إن الزيادة في أجورهم فشلت في مواكبة القطاع الخاص.

بالمقابل كان المزارعون وأصحاب الأعمال الذين صنّعوا وباعوا السلع المهمة الأقلَّ تأثرًا، فعلى الرغم من تقلب قيمة الأموال؛ فإنَّ القيمة الحقيقية لهذه السلع لم تتغير، فمَن يمتلكون السلع يمكنهم البيع أو المقايضة بشروطهم الخاصة. وقد استفاد أصحاب الديون الكبيرة من التضخم المفرط، إذ تمكنوا من سدادها بسهولة.

فرضت الأزمة انهيار مجلسَين للوزراء، إذ كان الوزراء يتشاجرون بشأن أفضل طريقة لإنهاء الأزمة. وانتهت الأزمة في نهاية المطاف بتشكيل بنك احتياطي جديد وإصدار عملة وطنية جديدة. وتبنى الجمهور الألماني العملة الجديدة، ممَّا سمح للأسعار والأجور بالعودة إلى المعدلات الطبيعية تدريجيًّا.

المصادر:

1- هنا

2- هنا