الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

علم المنطق: الحدود والقضايا (الجزء الثاني)

قد اطلعنا في الجزء الأول من المقال على أول أسس المنطق الصوري وتعريف الألفاظ والحدود المنطقية؛

هنا

لمراجعة الجزء الأول:

هنا

تتكوّن المفهومات الكلية من خمسة أجزاء تُسمَّى (الكليات الخمسة)، أهمُّها (الجنس والفصل):

الجنس: هو المفهوم الكلّي (له صفات مشتركة) المنطبق على أنواع مختلفة، أو الحقيقة المشتركة، مثل (الحيوان) هو حقيقة مشتركة بين الإنسان والأسد، فكل حيوان يمكن أن يكون إنسانًا أو أن يكون أسدًا، وهذه حقيقة كليّة (مشتركة).

مثال: الحيوان جنس، والإنسان نوع؛ إذا كان أحدُ الصنفين مندرجًا من الآخر كان الأول (الإنسان) نوعًا، والثاني (الحيوان) جنسًا، وكان الثاني أعمَّ من الأول؛ ويمكن أن يكون الجنسُ قريبًا أو بعيدًا تبعًا لكمّ الصفات المشتركة بين النوع والآخر.

وتترتّب الأجناس متصاعدةً والأنواع متنازلة على نحو مُتعاكِس، إذ يصل الجنسُ تصاعديًّا في النهاية إلى جنس لا يكون فوقه جنس آخر، والأنواعُ تنازليًّا إلى نوع لا يكون تحته نوع آخر.

يقول ابن سينا: "الجنس هو المقولُ على كثيرين مختلفين من الأنواع."

الفصل: هو ما يختص بالنوع، كـ (الزئير) عند الأسد، و(الناطق) عند الإنسان، و(الصاهل) عند الفرس، فما يفصل بينهم جميعًا هو ما يختصّ بنوع كلٍّ منهم، وهو ما يميّز الشيء من الآخر، وهو مرادف لمعنى "الفرق". 

وهناك معنى آخر للفصل عند المنطقيّين وهو ما يتميّز به الشيء في ذاته؛ أي في جوهره، فهو داخلٌ في ماهية الشيء ومقوّم لها، ويُشير إليه ابن سينا في كتابه (النجاة):

"وأمّا الفصل فهو الكلّي الذاتي الذي يقال على نوع تحت جنس في جواب أي شيء هو منه، كالناطق للإنسان؛ فيه يجاب أي حيوان هو؟"

ويمكن أن يكون الفصل قريبًا، فهو ما كان مميزًا عن المشاركات في الجنس القريب، مثل: الناطق للإنسان. أو أن يكون الفصل بعيدًا، وهو ما كان مميّزًا من المشاركات في الجنس البعيد فقط، كصفةٍ مشتركةٍ بين الإنسان وجنس بعيد عنه مثل (النباتات) ولكن يشتركان في صفة النموّ. 

يقول أرسطو:

"بين الحيوانات جميعًا، الإنسان وحده يتميّز بالكلام. وفي حين أنَّ الصوت لا يشير إلى الفرح والحزن -وهو من هذا المنظور يشترك مع بقية الحيوانات بخاصية مشتركة (باعتبار أن طبيعة هذه الحيوانات تجعلها تشعر باللذة والألم وباستمرارها)- فإنَّ الكلام يعبّر عمّا هو نافع وضار، وبالتالي عمّا هو عادل أو جائز."

4- مكونات القضية:

لتفهم مكونات القضية يجب أن تفهم استخدام مصطلحَي الجنس والفصل كما يستخدمهما المنطقيّون، وتنقسم مكونات القضية إلى:

الموضوع: الحد المنطقي الذي نخبر عنه، ويجب أن يكون اسمًا، مثل "الحرارة عالية" فإن الحرارة هنا هي الموضوع الذي نُخبر عنه، وهي اسم.

المحمول: الحد المنطقي الذي نُخبر به، ويمكن أن يكون اسمًا أو فعلًا أو صفةً، مثل "الحرارة عالية"، والمحمول هنا هو"عالية" وقد أخبرنا بهِ عن الحدّ الأول الذي هو الحدّ الموضوع، وهي صفة.

الرابطة: اللفظ الذي يربط بين الحدّ المحمول والحدّ الموضوع لإيضاح القضية، ويمكن أن يكون موجبًا يفيد الاتصال أو رابطة سالبة تفصل بين الموضوع والمحمول، مثل: الرجل ليس كريمًا.

وفي التحليل المنطقيّ تُعامَلُ القضايا بوصفها سبيلًا للوصول إلى الحقّ من خلال تقسيمها ودراستها، وهكذا يكوّن المنطق نهجًا فكريًّا يستند إلى دراسة الألفاظ والحدود والقضايا بوصفها وسيلةً للتحليل والبرهنة، فإن قلنا "دراسة منطقية" فإنّنا نؤكد أنَّ كل اعتبارات هذه الدراسة حُلِّلت تحليلًا منطقيًّا بعيدًا عن أيّ مغالطات أو تجاوزات، وهذا في سبيل الوصول إلى مرحلة أفضل من الدقّة والتحليل للقضايا المنطقية.

مصادر المقال:

[1] سعيد، جلال الدين. (2004). معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية. (د.ط). فلسطين، تونس: دار الجنوب للنشر. صـ 445 +صـ 394

[2] الحنفي، عبد المنعم. (2000). المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة. (ط.3). القاهرة: مكتبة مدبولي. صـ 280 - 282

[3] ابن سينا، أبو علي الحسين. (2008). كتاب المنطق. حققه وعلق عليه: محمد عثمان. (ط.1). مكتبة الثقافة الدينية. صـ 9 

[4] الفارابي، أبو نصر. (1968). الألفاظ المستعملة في المنطق. (ط2). بيروت: دار المشرق.

[5] جورج، صليبا. (1994). المعجم الفلسفي. (ط.1). (ج.1). بيروت: دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة. صـ 311+صـ 447