كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (داخل المكتبة.. خارج العالم): فنّ القراءة بعيون الأدباء

اختار المترجم السّعودي الشّاب راضي النماصي تسع مقالاتٍ لتسعة كتّابٍ عالميين تتناول موضوع القراءة؛ الأداة الأوليّة لتحصيل المعرفة، التي لم يقلِّل من أهمّيتها ازديادُ وسائط التعلم في عصرنا الحديث وتنوعها. ويفتتح النماصي الكتابَ بالحديث عن هدفه من تجميع هذه المقالات، راغبًا بأن تترك تأثيرها في كل قارئ وأن تغيّر من منظوره لفعلِ القراءة نفسه، ثم يقول: "لا أطلب منكَ أن تتبعَ ما قالوه -وإن أردتَ فهذا خيارك- لكن لا تقرأ كما كنت تفعل، أو على الأقل لا تقرأ لأجل ما كنت تقرأ لأجله."

اختار النماصي ثلَّةً من الأدباء من مختلف دول العالم، وهم: الروائية الإنجليزية فيرجينيا وولف، والكاتب الروسي-الأمريكي فلاديمير نابوكوف، والروائي الأمريكي هنري ميللر، والكاتب الإنجليزي نيل جايمان، والكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، إضافة إلى أربعة منهم قد حازوا جائزةَ نوبل للآداب: الأديب الإنجليزي رديارد كيبلنغ (حاز الجائزة عام 1907)، والروائي الألماني هيرمان هيسه (1946)، والكاتب الروسي-الأمريكي جوزيف برودسكي (1987)، والروائي والناقد الأمريكي ماريو بارغاس يوسا (2010). وفي النهاية اقتباسٌ مُقتَطعٌ من محاضرة للكاتب بورخيس.

تختلف مقاربة كلٍّ من الكُتّاب لموضوع القراءة، نظرًا لكون المقالات مكتوبةً في مناسبات مختلفة، ولكن يوحّدها الخلفية نفسها؛ ألا وهي الحديث عن فنّ القراءة. ففي حين يرى هنري ميللر أن القراءة هي فعلٌ نوظّفه في طريقنا للبحث عن أهدافنا، قائلًا "إنَّ الكتابَ، وكأيّ شيءٍ آخر، يخدمنا باعتباره وسيلةً للبحث عما نريده حقاً"؛ يرى بورخيس أنَّ الغاية الأساس من فعل القراءة هي المتعة: "أؤمن بأن مصطلح "القراءة الإلزامية" يحوي تعارضاً بين كلمتيه، إذ يجب على القراءة ألا تكون إلزامية. هل رأيتم أحداً ذات مرة يتحدث عن "متعة إلزامية"؟ ولأي سبب؟ لم تُفرض المتعة على أحدٍ يوماً، فالمتعة شيءٌ نبحث عنه... يجب أن تكون القراءة إحدى أشكال السَّعادة الخالصة."

أما الكاتب ماريو بارغاس يوسا فقد بيّن في مقالته الرّائعة أهميّة الأدب من جوانب عدة، إذ يؤدّي الأدب دورًا بارزًا في التّمرد على كل أشكال الظّلم واللّاعدالة في حياة الأمم: "دون الأدب، سيعاني العقل النقديّ، وهو المحرّك الحقيقيّ للتغيير التاريخيّ والحامي الأقوى للحرية، من خسارةٍ لا تعوّض. هذا بسبب أن الأدب الجيد كله متطرف، ويطرح أسئلةً حادّةً عن العالم الذي نعيشه". أضف إلى ذلك، يسهم الأدب في إثراء المخزون اللغوي لقارئيه، ومنحهم القدرة على التعبير عن انفعالاتهم ومشاعرهم كافة؛ حتَّى الدّفينة منها. تتقاطع هذه الفكرة عن ارتباط الأدب باللغة عند يوسا بقصّةٍ سردَها ألبرتو مانغويل عن نفسه، ففي مقاله يقصّ علينا مانغويل بداياته في القراءة منذ الصغر، ثم يتطرّق لتأثير قراءاته في عمر المراهقة على تجارب حياته، فيقول: "أدركت أنَّ الكتب التي كنت أقرؤها كانت تعلمني وتخبرني عن أشياء لم أجرّبها بعد. فأنا لم أجرّب العيش في جزيرة صحراوية في ذلك الوقت، ولم يتوفّ أحد أصدقائي، ولم أقع في الحبّ. ولكن عندما كنت أقرأ عن كل تلك الأشياء في القصص التي بحوزتي، عشت ما حدث فيها، وصرت قادراً على ضمها إلى تجاربي. ولما مررتُ بكل تلك الأمور لاحقاً، كنت أمتلك الكلمات اللازمة لوصف ما أشعر به."

يحتاجُ القارئ كلّ فترةٍ إلى إعادة مساءَلة نفسه بشأن هذه الغواية؛ غواية القراءة، إلى إعادة فهمها، بل وربما إلى إعادة تعريفها. فنحن لا نقرأ للسبب نفسه في كل مرحلة عمريّة وحياتيّة، لا بل يجب أن ينضج فهمنا للقراءة مع مرور الوقت والتجربة. لذلك فَكتبٌ من أمثال (داخل المكتبة.. خارج العالم) هي المكان المثالي الذي قد يلجأ إليه القارئ ليعيد بلورة المفهومات المتعلقة بالقراءة ولينهل من معينِ أهمّ صنّاع الأدب في العالم وأشهرهم. 

معلومات الكتاب:

عنوان الكتاب: داخل المكتبة خارج العالم! نصوص عالمية حول القراءة.

المؤلف: مقالات لتسعة مؤلفين.

المترجم: راضي النماصي.

نُشر عبر: دار أثر للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 2018.

عدد الصفحات: 152 صفحة.