الطب > طب العيون

الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، مسؤولية شخصية أم قضية عامة؟

تَشغل العين أقل من (٢%) من مساحة سطح الجسم، لكنَّها تمثل النظام الوحيد الذي يسمح للضوء بالاختراق والدخول عميقًا في جسم الإنسان.

وتتعدد آليات حماية العين الطبيعية ضد العوامل الخارجية، ومنها: تمركزها المحكم والمحمي جيّدًا في جوف حجاج العين، والانثناءات الجلدية كالجفون، وتوضُّع الحاجبين والرموش. وعلى الرغم من تضيُّق حدقة العين لتقليل تدفق الضوء ومنعكس إغلاق الجفون الذي يكون ردَّ فعل على ضوء مرئي ساطع ومبهر، فإنّها تبقى محدودة في الحماية من أشعة الشمس المباشرة أو المنعكسة.

وما الضوء الذي يجب أن نخشاه سوى ذلك الذي يأتي فوق اللون الذي ندركه؛ إنَّه الشُّعاع الضوئي فوق البنفسجي! وهو مقسوم إلى ثلاثة أجزاء، ولا يُوقِفُ غلافُنا الجوي -بطبقة الأوزون المتهالكة- سوى جزءٍ واحد فقط منه، في حين يعبر الجزئين الأكثر خطورة. 

ندركه بعد فوات الأوان:

يملأ الكون.. إشعاعٌ كهرومغناطيسي ذو طول موجي أقصر من الضوء المرئي وأطول من الأشعة السينية، هذا الطيف ذو التردد العالي يبدأ بعد اللون الذي نراه بنفسجيًّا، وندركه متأخرين بحروق سطحية متوسطة ومؤلمة، ناتجة عن تعرض قصير لإشعاع شديد.

ولكن ماذا عن التعرض المنتظم الطويل الأمد وتأثيره في عيوننا وخصوصًا الأطفال؟

يقضي الأطفال حوالي ثلاثة أضعاف الوقت في الخارج مقارنةً مع البالغين؛ أي يأخذون جرعات الأشعة فوق البنفسجية السنوية مضاعفةً ثلاث مرات، ويتلقى مَن هُم دون (٢٠) عامًا قرابة (٨٠ %) من الجرعة المطلوبة مدى الحياة، وهو العمر الذي تكون فيه الأوساط الشفافة للعين كالقرنيَّة والعدسة صافيةً تمامًا، وتُمرّر الأشعة على نحوٍ كبير مقارنةً بالأعمار المتقدمة.

 القاعدة الذهبية: عندما يصبح ظلك أقصر منك.. تَنحَّ عن ضوء الشمس.

إنّه لا يصل الشبكية بسهولة ولكنه يؤذي مَن يعترضه:

١- الجفون و الورم الميلانيني فوق البنفسجي:

يؤثر الضوء فوق البنفسجي على الأنسجة الضامَّة الخارجية، وجفون العين هي جزء من الجلد شأنه شأن جلد الوجه فهو الأكثر تعرضًا لضوء الشمس، وبناء عليه فهو الأكثر عرضة للإصابة.

٢- القرنية والملتحمة (photokeratitis): 

يصيب طبقات العين الأمامية وخصوصًا القرنية الشفافة أو الطبقة الغشائية الخارجية لكرة العين والمسمَّاة بالملتحمة، التي تتأثر حتى بانعكاسات ضوء الشمس على الأسطح العاكسة كالرمال والأسطح المائية أو الجليدية أو الثلوج، الذي يسبب ما يُدعى بـ "عمى الثلج المؤقت أو المستمر"،  وهو يشبه العمى الذي تسببه أقواس اللحام، أو بعض المصابيح المتوهجة، ويتسبب بحروق عينية خارجية تلتئم عادةً في غضون أسابيع. 

أشارت بعض الدراسات (جونسون و تاير) إلى ارتباط (UVR) الأشعة فوق البنفسجية بـ (CDK) اعتلال القرنية المناخي؛ المرتبطِ بمناطق جغرافيه معينة كالقطب أو المناطق التي تحوي ثلوجًا معظم السنة أو الصحارى. 

٣- الظفرة والشحيمة (pterygium, pinguecula):

الظفرة أو الجناح هو مرض معروف يتمثل  بتمددٍ حميدٍ لخلايا بياض العين باتجاه القرنية الشفافة وقد يصل إلى مجال الرؤيه، ويُرجَّح أنَّ الدورَ هو لسقوط أشعة الشمس فوق البنفسجية من الناحية الجانبية للعين وانكسارها وخروجها من الطرف المقابل، وهو ذو ميول التهابية يمكن استئصاله، ولكنها عملية ناكسة عادة،

والشحيمة تتوضع عادة في الجهة الأنفية الداخلية من بياض العين.

٤- الساد (cataract):

وهو العرَضُ الأهم للأشعة فوق البنفسجية؛ إذ يصيب ما لا يقل عن (١٦) مليون شخص في أنحاء العالم، وهو الأسوأ أيضًا لأنَّه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية يتطور في قرابة (٢٠ %) من الحالات إلى فقدان رؤية. وله ثلاثة أنواع مختلفة حسب توضع الخلل (قشري، ونووي، وتحت محفظة) مع ارتباطِه بالعوامل الوراثية والبيئية والعادات السيئة للبشر كالتدخين وغيره، لكنَّ معظم الدراسات تؤكد دور الأشعة في التركيب البروتيني السيتوبلازمي، والكشف عن الصبغات وتشابكها وتراكمها وتغييرها للقوام الشفاف لعدسة العين، ويمكن طبعًا إزالة الساد جراحيًّا وزرع عدسة في العين.

٥- اعتلالات الشبكية:

اعتلال الكسوف الشمسي: وسببه الرئيس هو التحديق المباشر بالشمس خلال الكسوف، وممَّا هو جدير بالذكر أنَّ ثمة حالات مسجلة لشبكية مصابة بالاعتلال نفسِه نتيجةَ التعرض لضوء مجهر جراحة العين في أثناء العمليات، وفي معظم هذه الإصابات تستعيد العين قدرة الإبصار بمرور بعض الوقت. 

أشارت أكاديمية الأمراض الجلدية إلى أهمية الحماية الضوئية بواسطة زجاج النوافذ والسيارات، إضافة للنظارات الشمسية.

ومعروف أن صناعة الزُّجاج هذه قد قطعت أشواطًا في مجال الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، وهنا ننصح أصحاب السيارات أو المشترين الجدد بالاطلاع على المعلومات الخاصة بمستويات حماية الأشعة فوق البنفسجية، ليس في الزجاج الأمامي فحسب، بل في النوافذ الجانبية أيضًا، فقد خلصت دراسات موسعة للأكاديمية نفسها على أنواع عديدة من السيارات الحديثة إلى نتائج صادمة وتفاوتٍ كبير في مستويات الحماية.

وبالاطلاع على دراسة صادرة من أفريقيا وبالذات نيجيريا (IVDS) شملت (٤٥٠) سائقًا لمركبات تجارية ثقيلة؛ أوضحت بالأرقام تأثيرَ الأشعة فوق البنفسجية عليهم، إذ يُصاب هؤلاء بالأمراض العينية الآتية:

ارتفاع ضغط العين (زرق)، وإِعتام عدسة العين (ماء أبيض) بنسبةٍ محدودة، وبنسبٍ أعلى التهاباتُ ملتحمة العين.     . 

وبالنظر إلى طبيعة عمل هذه الفئة وحجم المخاطر المرتبطة بإصابتهم باعتلالات الرؤية؛ نجد أنَّ حماية العين والوقاية والفحص الدوري لا يقتصر على أهواء الشخص وظروفه، وإنَّما يتعدى ذلك إلى مسؤوليةٍ مجتمعية ودولية للتوعية، والحد من مخاطر الحوادث وحماية الأرواح.

إنَّ ارتداء النظارات الشمسية حتى الساعة هو الحل الأنجح، ويُشترط مواءمتها للوجه وتغطيتها للعين، وشرط توفر الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، والانتباه إلى أنَّ درجة العتامة لعدسة النظارة ليست ذات دور أساسيّ، فكثيرٌ من العدسات الطبية أو العدسات اللاصقة الحديثة الشفافة تحمي حمايةً مطلقةً من الأشعة مع أنَّها ليست داكنة، وهنا يبرز دور مادة كيميائية غير مرئية  تدخل في تركيب العدسة المصنَّعة (ANSI). 

سواء كنتم ممَّن يعملون ساعاتٍ طويلة في الخارج أم ممّن يخطط لقضاء إجازة صيفية تحت ضوء الشمس وأطفالكم معكم، فربّما يعنيكم أن تدخلوا بعض المواقع عبر أجهزتكم الذكية، أو تحمّلوا بعض التطبيقات المتاحة مجانًا، التي تحدد لكم كميات الأشعة فوق البنفسجية تحديدًا آنيًّا، ولن يضير الابتعاد عن هذا الهجوم غير المرئي بضعَ ساعاتٍ وقتَ الظهيرة حتى وإن اختبأت الشمس خلف الغيوم!

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا