الطب > متلازمات طبية

الجلطات المبكرة ومتلازمة أضداد الشحوم الفسفورية

بات من المعروف أنّ كلًّا من التدخين وارتفاع الضغط الشرياني وداء السكري وارتفاع الكوليسترول والشحوم في الدم والسمنة، إضافة إلى وجود تاريخٍ عائلي لأمراض القلب؛ هي عوامل خطورةٍ تزيد احتمالية تعرُّض الإنسان للجلطات القلبية والسكتات الدماغية، لكن ما الأسباب المؤدية إلى الجلطات لدى الأصحاء في عمرٍ مبكرٍ مع عدم وجود أية سوابق مرضيَّة؟

نبدأ الإجابة عن هذا السؤال بتقديم نبذةٍ بسيطةٍ عن مكونات الدم؛ إذ يتكون الدم من كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفيحات الدموية والبلازما، في حين تتكون البلازما من الماء ومواد أخرى؛ منها البروتينات والشوارد، وأحد هذه البروتينات هو من عوامل التخثر التي يُصنِّعها الكبد، وهي التي تُسهم في تكوين الخثرة بمساعدة الصفيحات الدموية على وقف النزيف من الوعاء الدموي المصاب، وكذلك يحتوي الدم على العوامل المضادة للتخثر والتي تجعل الدم في حال متَّزنة، فلا تتكون الخثرات إلا عند وجود إصابة تستدعي تكوينها. لكن هنالك بعض الحالات المرضيَّة التي تزداد فيها الأهبة لتشكُّل الخثرات؛ إذ يختل الاتزان، وتبدأ عوامل التخثر بتكوين الجلطات دون وجود إصابةٍ أو جرحٍ في الأوعية الدموية، ويكون بعض هذه الحالات وراثيًّا وينتقل على مرِّ الأجيال؛ إذ يكون هنالك خللٌ في الجينات المسؤولة عن تصنيع عوامل التخثر، ممَّا يجعلها مقاومة لنظيرتها المضادة للتخثر، ونذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر-: طفرة عامل التخثر الخامس (عامل لايدن)، وطفرة البروثرومبين. ومن تلك الحالات ما هو مكتسب؛ أي ليس له علاقة بالوراثة كمرض البيلة الدموية (PNH) والمتلازمة النفروزية Nephrotic syndrome؛ إذ يخسر الجسم البروتينات المضادة للتخثر بسبب خلل في الكلى، مما ينجم عنه اختلال اتزان الدم وزيادة الأهبة لتكوين الجلطات، وكذلك متلازمة أضداد الشحوم الفسفورية التي هي جلّ اهتمامنا في هذا المقال؛ فلنتعرفها من كثب أكثر. 

متلازمة أضداد الشحوم الفسفورية Antiphospholipid syndrome هي اضطراب مناعي ذاتي تُصنِّع فيه الخلايا المناعية أجسامًا مضادةً للمركبات الدهنية الموجودة على سطح خلايا الدم المختلفة؛ مُسببةً بذلك زيادة الأهبة لتكوين الخثرات الوريدية والشريانية في أعضاء الجسم المختلفة. 

لا يوجد إحصائياتٌ دقيقةٌ لمدى انتشار هذه المتلازمة في العالم ولكنها تقدّر بقرابة 40-50 حالة لكل 100000 شخصٍ في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وتُعَدُّ النساء أكثر عرضةً لهذه المتلازمة مقارنةً بالرجال. وتبدأ الأعراض بالظهور في أغلب الأحيان في عمر الشباب (20-50 سنة)، ولكنها قد تصيب الأطفال والمسنين أيضًا. لم يُكتَشَف حتى الآن أيُّ سببٍ واضح للإصابة بهذه المتلازمة، ولكن يُعتقد أنها تنتج من تفاعل العوامل البيئية مع العوامل الوراثية المختلفة، فأغلب الحالات هي حالات فردية، ثم إنَّ هذه المتلازمة لا تورث للأجيال بطريقةٍ مباشرةٍ كما تُورّث الأمراض الوراثية الشائعة كالثلاسيميا، ولكنَّ وجودَ تاريخٍ عائلي للخثرات الوريدية والأمراض المناعية الأخرى يزيد من احتمالية الإصابة بهذه المتلازمة. أمّا المثبت عن الإصابة بها هو أنّها تترافق مع اضطرابات في تشكيل ثلاثة أضداد؛ وهي مضاد التخثر الذئبي، ومضاد الكارديوليبين، ومضاد الغليكوبروتين B2. وفي حال أبدى أحدٌ ما إيجابية تجاه الأضداد الثلاثة السابقة ولم يبدِ أي تجلطات ندعوه حاملًا لأضداد الفوسفوليبيدات. وكذلك قد تؤدي العدوى الجرثومية والفيروسية دورًا في توليد هذه الأجسام المضادة كالفيروس المضخم للخلايا CMV، والجرثومة الإشريكية القولونية، ثم إنّ بعض الأدوية قد تتسبب بحدوث هذه المتلازمة عند بعض الأشخاص كموانع الحمل الفموية وأدوية الصرع.

تختلف أعراض هذه المتلازمة باختلاف العضو المتأثر بالخثرة الدموية، وقد يبقى هذا المرض صامتًا دون أيّة أعراض إلى حين تكوّن الجلطات القاتلة. نذكر من هذه الأعراض:

-      الجلد:

قد يظهر على الجلد علامات تُنذر بوجود هذه المتلازمة، وتكون ناتجة عن تشكّل خثراتٍ صغيرةٍ داخل الأوعية الدموية، نذكر منها : الزُرَق الشَبَكي  livedo reticularis (وهي عبارة عن تلون الجلد باللون الأحمر والأزرق على شكل شبكةٍ تختفي بمجرد الضغط عليها لبرهة من الزمن ثم تعاود الظهور مع زوال الضغط المطبّق عليها).

 انظر الصورة :

 

وقد تظهر أيضًا تقرحاتٌ جلديةٌ ناجمةٌ عن تخثّر الأوعية الدموية المغذية للجلد، وتكون هذه التقرحات عرضةً للنزف والالتهاب وقد يصل الأمر إلى الإصابة بغرغرينا وسقوط الإصبع بالكامل.

- خثارٌ وريديٌ عميق، وهو الأكثر شيوعًا من بين الأعراض؛ إذ يتجلط  أحد الأوردة العميقة -أوردة الأطراف السفلية غالبًا- مما يؤدي إلى ألم ٍ شديدٍ وانتفاخٍ واحمرارٍ في الساقين. وتلك التجلطات معرضة لأن تُهاجر إلى الشريان الرئوي مسببةً انصمامًا رئويًا حادًا.

- انصمامٌ رئويٌ؛ إذ يعاني المريض من صعوبة في التنفس، وازرقاق الشفاه، وصداعٍ ودوار مع سعالٍ دمويٍ، وألمٍ شديدٍ في الصدر.

 -السكتات الدماغية التي ينجم عنها شلل الأطراف، وثقل اللسان، وفقدان القدرة على الكلام، و تدهور القوة البصرية. وعلى المدى الطويل فإن هذه التخثرات قد تؤدي إلى الخرَف واضطرابات في الإدراك والذاكرة والسلوك. إضافةً إلى الجلطات القلبية واضطرابات الدم كفقر الدم ونقص الصفيحات الدموية. ومن أعراضها أيضًا قصور ٌكلويٌ مزمنٌ  و قصور الغدة الكظرية و أعراض ٌ عصبيةٌ متمثلةٌ باضطراباتٍ في الحركة والتوازن وخللٍ في الرؤية.

 يقوم التشخيص على أخذ السيرة المرضية التي تُؤكد وجود جلطاتٍ سابقةٍ، أو مضاعفات خلال فترة الحمل بالنسبة للنساء، مع وجود تحاليل مخبرية تُثبت وجود الأجسام المضادة للشحوم الفسفورية 

أما من حيث تأثيرها على الحمل والولادة فما يميز هذه المتلازمة أنَّها تؤدي إلى عدة مضاعفاتٍ تُعد أحد المعايير الأساسية للتشخيص. فهي  أحد أسباب الإجهاض المتكرر للجنين في الثلث الأول من الحمل (قبل اكتمال الأسابيع العشرة الأولى من الحمل)، وكذلك قصور نمو الجنين أو ولادته ميتًا. وإن النساء المصابات بهذه المتلازمة أكثر عرضةً لارتفاع الضغط  الشرياني والارتعاج الحملي (تسمم الحمل) والولادة المبكرة.

 أمَّا العلاج فتبقى المميعات ومضادات التخثر هي الركيزة الرئيسة للعلاج، وقد يحتاج المريض إلى أخذ هذه الأدوية مدى الحياة، كذلك فإن هنالك بعض الإجراءات الوقائية التي يُفضَّل اتباعها لتفادي تكرار حدوث الجلطات، والتي من شأنها أن تحافظ على سلامة الشرايين والأوردة، إذ يُنصح باتباع أسلوب حياة صحية؛ وذلك بالحفاظ على وزن صحي، واتباع حميةٍ غذائيةٍ مناسبة، والإقلاع عن التدخين، إضافة إلى علاج الأمراض الأُخرى التي تزيد من احتمالية تصلُّب الشرايين كارتفاع الدهنيات وضغط الدم وداء السكري. أما المرأة الحامل على وجه الخصوص، فيُفضّل متابعة الحمل منذ البداية لتفادي حدوث الإجهاض والمضاعفات الأخرى سابقة الذكر؛ إذ يمكن الوقاية من هذه المضاعفات بوضع خطةٍ علاجيةٍ تعتمد على سوابق الإصابة بالخثرات، مع الالتزام بتناول مميعات دموية معينة دون غيرها طيلة فترة الحمل وذلك تحت إشراف الطبيب المختص وإرشاده.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا

8- هنا