العمارة والتشييد > العمارة المستدامة

كيف نقلّل انبعاثات الكربون من المباني؟

تتزايد في وقتنا الحالي انبعاثات الغازات الدفيئة باطِّراد، وفي مقدِّمتها غاز ثنائي أوكسيد الكربون، ويُعدُّ قطَّاع البناء والتَّشييد المسؤول الأكبر عن هذه الانبعاثات بنسبة 39%.

إذ تُقسم هذه النسبة إلى 28%  ناتجة عن الإشغال اليومي للمبنى بما يشمل التَّكييف والتَّدفئة وتسخين المياه وغيرها، و 11% ناتجة عن عملية البناء بدءًا من استخراج المواد ونقلها، وصولاً إلى آخر مراحل التَّشييد.

وبذلك تقع على كاهلِ المهندسين والمصمِّمين ومستخدمي المباني مهمَّةُ تقليل انبعاثات الكربون قدر الإمكان.

وإليكم متابعينا بعض الإجراءات المُقترحة لتحقيق ذلك:

أولاً: في أثناء مرحلة التَّصميم:

يُمكن في هذه المرحلة وضع تصاميم صديقة للبيئة، ويُمكن أن يُجرى في نهايتها عملية تقييم لقياس بصمة المبنى الكربونيَّة (كميَّة غاز الكربون التي ينتجها المبنى خلال تشييده والنشاطات المقامة فيه).

وبناءً على نتيجة التَّقييم يُمكن تعديل بعض الخيارات التَّصميميَّة.

ومن أبرز النقاط التي يجب دراستها في هذه المرحلة:

1. موقع المبنى وتوجيهه:

لموقع المبنى تأثيرٌ مباشر في بصمته الكربونية الإجماليَّة؛ إذ يجب الابتعاد عن تدمير البيئة الإيكولوجية لإقامة المشاريع الهندسية باختيار موقعٍ بعيدٍ عن الغابات الطبيعية، ويُفضَّل أن يكون قريبًا  من المواصلات العامَّة لتخفيف التلوُّث الناتج عن النقل.

ويُفضَّل أيضًا توجيه المبنى بموازاة اتجاه شرق-غرب، لتحقيق أكبر فتحاتٍ ممكنةٍ للواجهتين الشماليَّة والجنوبيَّة؛ وذلك لتأمين التَّهوية والتَّشميس المطلوبين تبعًا للمنطقة الجغرافيَّة والمناخيَّة (على سبيل المثال: يُحبَّذ توجيه الفراغات المستخدمة بكثرة -مثل المعيشة في الأبنية السكنيّة- نحو الجنوب في نصف الكرة الأرضيَّة الشمالي ويُحبَّذ العكس في نصف الكرة الجنوبي) الأمر الذي يقلِّل الحاجة إلى التَّكييف والتَّدفئة.

2. اختيار المواد:

تستهلك عمليات استخراج مواد البناء وإنتاجها ونقلها كميَّاتٍ هائلةً من الطَّاقة والكربون؛ ففي البرازيل مثلًا تسبِّب صناعة الحديد الصلب 35% من انبعاثات الكربون، في حين يسبِّب إنتاج الإسمنت 19%

وتستهلك إعادة تدوير مواد مثل الصلب طاقةً أقل بكثيرٍ من الطَّاقة المستهلكة في صناعة الصلب التقليديَّة، وتقلِّل مخلَّفات التَّعدين بنسبة 97%.

وعلى الرغم من تفضيل استعمال المواد الطَّبيعيَّة (كالحجر الطَّبيعي والخشب) لانخفاض أضرار عمليَّة إنتاجها، لكنَّ نقلها لمسافات طويلة إلى موقع البناء قد يكون مضرًّا أيضًا.

وبهذا يُعدُّ اختيار مواد محليَّة طبيعيَّة أو صناعيَّة وقابلة لإعادة التَّدوير الحلَّ الأمثل.

3. العزل:

يجب على العزل المائي والحراري للمبنى أن يكون مستمرًّا في العناصر الإنشائيَّة جميعها، لتلافي حالات الجسور الحراريَّة (مناطق انقطاع العزل التي يزداد فيها النقل أو التسرُّب الحراري).

إذ يسمح لنا العزل المستمر بالتَّحكم بكمية الحرارة والرطوبة، ممَّا يقلِّل الحاجة إلى التَّكييف والتَّدفئة، و يسهم في تقليل البصمة الكربونية للمبنى، ويوفِّر الكثير من فواتير الطاقة على مدى عمر المبنى.

4. الإضاءة:

تشكِّل الطَّاقة المستعملة في الإضاءة 40% من إجمالي الطاقة المستعملة في المباني، لذا يُفضَّل اللجوء إلى تأمين الإنارة الشمسيَّة الطبيعيَّة.

مع الانتباه إلى أنَّ الكسب الشمسي المفرط في الصيف يسبِّب ارتفاع درجة الحرارة ويزيد الحاجة إلى التَّبريد.

وللتَّغلب على ذلك، يُنصَح باستعمال أغطية التَّحكُّم الشمسي على النوافذ " Solar control window films" التي تتحكَّم بكمية الحرارة المُمتصَّة وتصدُّ الأشعة فوق البنفسجيَّة، أي تقلِّل الطاقة المُستهلكة بنسبة 30%.

5. استعمال المياه:

تستهلك عمليات تزويد المبنى بالمياه ومعالجتها كميَّةً من الطاقة يُمكن تقليلها باستعمال تجهيزات سباكة تمنع تسرُّب المياه أو تدفُّقه الزائد، وباستعمال أنظمة جمع مياه الأمطار التي توفِّر 50% من المياه ولا تحتاج ضخًّا لمسافات طويلة.

ويمكن إنشاء حدائق خارجيَّة أيضًا تعتمد في ريِّها على مياه الأمطار أو المياه المُعاد استعمالها.

6. الطَّاقة المتجدّدة:

يمكننا التَّقليل من البصمة الكربونيَّة للمبنى عن طريق الحصول على الطَّاقة من مصادر نظيفة (كالشمس أو الرياح).

إذ يُمكن اعتماد حلول عديدة كاستعمال سطح المبنى أو جدرانه الخارجيَّة لتسخين الهواء بالطاقة الشمسيَّة، أو استعمال نظم الطاقة الشمسيَّة الكهروضوئيَّة (solar PV system) لتوليد الكهرباء أو نظام تسخين المياه بالطَّاقة الشمسيَّة.

وتُعَدُّ هذه النظم -على الرغم من تكلفتها المرتفعة نسبيًّا- متينةً وذات عمر افتراضي يبلغ من 25 إلى 30 عامًا.

7. التَّكييف والتَّدفئة:

يسبِّب نظام التَّدفئة والتَّكييف والتَّهوية الميكانيكي (HAVC) مايقارب 40% من انبعاثات الكربون، ويُمكن تقليل هذه النسبة باللُّجوء إلى التَّهوية الطبيعيَّة أو أنظمة الاستشعار التي تقيس جودة الهواء الداخلي، وتحدِّد مقدار التَّهوية المطلوبة دون زيادةٍ أو هدر.

ثانياً: في أثناء مرحلة التَّشييد.

يجب في هذه المرحلة أن نأخذ بالحسبان التَّأثيرات السلبيَّة للآليات الثقيلة والموِّلدات الكهربائية وعمليات نقل المواد والنفايات الناتجة، وأن ندرس طرائق التَّخلُّص السليم منها بأقل ضرّرٍ بيئيٍّ ممكن.

أمثلة يُحتذى بها:

مركز بيركلي للمهارات الخضراء  Berkeley Green Skills Center

صمَّمته شركة "Hewitt Studios" ليكون بيئةً تعليميَّةً، ومثالًا للاستثمار المُجدِّد.

ويتميَّز المشروع بعناصره المستدامة الآتية:

●   واجهةٌ كهروضوئيَّةٌ متكاملة (BIPV) لتوليد الكهرباء وتظليل الواجهة وتخفيف الرياح.

●   غلاف المبنى فعَّالٌ حراريًّا لتقليل استهلاك الطاقة.

●   نظام تهويةٍ مبتكر لاستعادة فقدان الحرارة المناسبة.

●   إضاءة LED.

●    هيكلٌ خشبيٌّ وأرضيَّاتٌ خشبيَّةٌ مصنوعةٌ من الخشب المستدام (الخشب المُستصلح والمُعاد تدويره أو المُحصَّل بصورة مستدامة دون قطعٍ جائر للغابات). 

تجديد مدرسة ويست بورو الابتدائيَّة " Westborough Primary School"

جُدِّدت المدرسة من قبل شركة Cottrell & Vermeulen المعماريَّة المحدودة.

واعتمد تصميمها على تقليل إجمالي متطلَّبات الطاقة، واستعمال مصادر الطاقة المتجدِّدة وتوظيف الموارد بكفاءة.

وتُظهِر الدِّراسات أنَّ عملية إنشاء مبنى جديد يسبِّب انبعاث أربعة أضعاف كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي ينتج عن عملية التَّجديد والإصلاح لبناءٍ قديمٍ قائم.

وختامًا قد يبدو للقارئ في الوهلة الأولى أنَّ معظم الإجراءات مُكلفة وغير إلزاميَّة، وهنا يجب علينا الإشارة إلى أنَّ معظم الدول المتقدِّمة فرضت تطبيق هذه الإجراءات قانونيًّا، وأثبتت التَّقارير أنَّ المباني الخضراء والصديقة للبيئة تعزِّز صحَّة المستخدمين وراحتهم وإنتاجيتهم، ممَّا يشكِّل إضافةً قيِّمةً للمُستثمر عوضًا عن عَدِّه تكلفةً ماليَّةً إضافية.

فما رأيكم؟ هل يمكنكم البدء بتطبيق هذه الإجراءات في بلادكم؟

المصادر: 

هنا

هنا

 P.14

هنا

هنا

هنا