الطب > زراعة الأعضاء

تحضير المريض والمتبرع لعملية الزرع

ماذا يعني مصطلح زراعة الأعضاء؟

عملية زراعة عضو ما هي العملية التي يُنقَل فيها جراحيًّا العضو من المتبرع إلى إنسان آخر مُشَخَّصٍ مسبقًا بفشل على مستوى العضو المصاب.

وقد تؤدي العديد من الأمراض إلى الفشل العضوي كأمراض القلب والسكري والتهاب الكبد والتليُّف الكيسي وتشمع الكبد، ويمكن أيضًا أن تؤدي بعضُ التشوهات الخِلقية إلى فشل عضوي.

ولكن السؤال المهم هنا؛ من هو الشخص المانح الأفضل لكي يتبرع بالعضو المراد زرعه؟ وهل جميع الأشخاص قادرون على منح أعضائهم؟ 

أولًا: المتبرع:

في كل عملية زراعة عضو توجد معايير خاصة للقبول وتخضع لشروط معينة وتحضيرات على العديد من المستويات والنواحي، وبدايةً سنفصل في شروط التبرع. 

يمكن لجميع الأشخاص التبرعَ بأعضائهم ويُعدُّون مانحين محتملين؛ إذ يملأ الأشخاص الراغبون بالتبرع سجلًّا خاصًّا يمنحهم موافقةً قانونيةً على الهبة التشريحية للأعضاء والأنسجة والعينين، ثم بعد وفاة الشخص يُقيّم مدى ملاءمة أعضائه الممنوحة بناءً على عمره وتاريخه الطبي. 

معايير اختيار المتبرعين الأحياء:

- العمر: عادة ما يكون المتبرع الصالح للتبرع بعضو ما في سنِّ الثامنة عشرة فما فوق، وقادرًا عقليًّا وإراديًّا على اتخاذ القرار.

- التدخين: هناك العديد من المخاطر الصحية الناجمة عن التدخين، أما فيما يخص العمليات الجراحية فيمكن للتدخين أن يتسبب بمضاعفات تنفسية مهددة للحياة في أثناء العملية أو فور التخدير، ويمكن أيضًا أن يزيد من خطر تطور الخثرات الدموية في أوردة الساق وهي التي يمكن أن تنحلَّ وتنتقل إلى الرئتين مؤدية إلى الوفاة. ثم إنه يُضعِف قدرة الجسم على الشفاء بعد العملية لتأثيره في الأوعية الدموية الدقيقة ووصول الأوكسيجين إلى الأعضاء.

ولا يُقبل المتبرع حتى يكون قد أتم أربعة أسابيع على الأقل دون تدخين في الفترة السابقة للعملية، وستة أسابيع بعد انتهاء العملية.

- استعمال المخدرات: يجب على الأشخاص المتبرعين عدمَ استخدام أيٍّ من المخدرات غير المشروعة متضمنة الاستعمال المتكرر لمخدرات مثل الماريجوانا بأي شكل كان (وحتى فمويًّا).

 قد يطلب الفريقُ الطبيُّ من المتبرع إجراء فحص لأنواع المخدرات إذا كان هناك شك في استخدام المخدرات عند المتبرع، وعدم إطاعة المتبرع للفريق الطبي بإجراء هذا الفحص؛ يعدُّ سببًا كافيًا لإلغاء عملية التبرع.

- البدانة: ترتبط بمشكلات صحية عديدة كارتفاع الضغط والداء السكري وغيرها. وتعد عامل خطر مستقل لأمراض الكلية.

لا يُقبل عادة المتبرعون أصحاب مؤشر كتلة الجسم BMI* الأكثر من 35 ما لم يكن الشخص المتبرع ذا كتلة عضلية كبيرة.

أما المتبرعون الذين يكون مؤشر كتلة الجسم لديهم تحت الـ 35؛ فقد يُطلب منهم أن يخفضوا وزنهم حسب توزع الوزن لديهم.

- مشكلات نفسية: قد تُرفض عملية التبرع عند المتبرعين الذين لديهم تاريخ من الأمراض النفسية وتاريخ من عدم الاعتناء الجيد بصحتهم.

- مشكلات صحية أخرى: ارتفاع ضغط الدم المعالج بالأدوية، والسكري، والسكري الحملي (في فترة الحمل)، والذئبة الحمامية الجهازية، وداء الكلى المتعدد الكيسات، وسوء استعمال الأدوية، واضطرابات الصحة العقلية، وأمراض القلب والصمامات القلبية والأمراض الوعائية المحيطية (أمراض الأوعية الدموية في الساق)، وأمراض الرئة المترافقة مع اعتلال الأكسجة أو التهوية، وسرطان حديث أو تاريخ لمعالجة غير كاملة من السرطان، وضعف وظيفة الكلية (تظهر بفحص الكرياتينين في البول)، وجود البروتين في البول بنسبة أكبر من 300 ميليغرام في 24 ساعة،  والتهاب الكبد B أو C ، والإيدز، واستعمال الأدوية المعروفة بإحداثها فشل الكلى، وتاريخ من الجلطات الدموية. 

هل تحتاج عمليات زراعة الأعضاء إلى اختبارات قبل البَدء بها؟ 

قبل أن تبدأ أية عملية زراعة أعضاء؛ لا بد من إجراء بعض التحاليل والفحوصات لتحديد مدى توافق المتبرع وقدرته على وهب العضو، وكذلك استقبال العضو من الطرف الآخر:

1) فحص توافق الزمر الدموية:

إذا كان المتبرع والمستقبل يمتلكان زُمرًا دموية متوافقة يُجرى الانتقال بعدها إلى دراسة التاريخ الطبي للمتبرع إضافة إلى فحص فيزيائي كامل.

صورة عن الزمر المتوافقة

2) تنميط الأنسجة tissue typing: 

يتحقق هذا الاختبار من التوافق النسيجي بين ست شيفرات موجودة على سطح خلايا المتبرع والمستقبِل (ما يُعرف بمعقدات التوافق النسيجي HLA)، وعلى الرغم من كون هذا الاختبار مطلوبًا من أجل زراعة الأعضاء؛ إلا أنه قد يُطلَب على نحو أقل في حالة المتبرعين الأحياء.

3) اختبار التوافق Crossmatching: 

هو فحص دم  يجرى لمعرفة ما إذا كان المستقبِل سيُحدث أي ردِّ فعلٍ على العضو المزروع، عندما يكون هذا الاختبار إيجابيًّا؛ فهو يعني أن المستقبِل والمتبرع غير متوافقين، وعندها ستهاجم الأضداد المناعية خلايا العضو المزروع مُسبِّبة خسارة العضو. أما إذا كان الاختبار سلبيًّا؛ يمكن عندها المضي بإجراءات الزرع.

عادة ما يجرى هذا الاختبار قبل عمليات زراعة الكلية والبنكرياس.

4) اختبار الأضداد المناعية Antibody screen: 

الضد هو مادة بروتينية تُصنعها منظومة الجسم المناعية استجابة لمولد الضد (مادة غريبة عن الجسم كعضو مزروع أو فيروس أو الجنين عند الأم الحامل).

يحدث في هذا الاختبار خلط الكريات البيض للمتبرع مع مصل من المستقبِل لنرى إذا كانت أضداد المستقبل ستُحدِث ردة فعل على مولدات الضد للمتبرع.

يُفضَّل أن يكون الزرع متوافقًا بين المتبرع والآخذ وفقًا للاختبارات السابقة. لكن زراعة الأعضاء غير المتوافقة أمر ممكن أيضًا في حالات معيَّنة كزراعة الكلية أو الكبد. وفي هذه الحالة يحتاج الآخذ جلسات علاج إضافية قبل الزرع لتقليل خطر الرفض.

5) فحص البول Urine tests: 

في حال التبرع بالكلية؛ تُجمع عينات من البول مدة 24 ساعة لتقدير وظيفة الكلية.

6) تصوير بالأشعة السينية: 

صورة شعاعية للصدر إضافة إلى اختبار مخطط كهربائية القلب لكشف أمراض القلب والرئة عند المتبرع.

7) صورة الشريان الشعاعية Arteriogram: 

يُجرى في هذا الإجراء حقن سائل مرئي (المادة الظليلة) تحت الأشعة السينية ضمن الوعاء الدموي لفحص العضو قبل التبرع به.

8) اختبار نفسي و/أو اختبار طبي نفسي: 

للمتبرع والمتلقي.

9) اختبار الأمراض النسائية:

 اختبار شامل لجميع المتبرعين من النساء، يُطلب أيضًا صورة للثدي للنساء في سن 32 فما فوق.

10) فحص دم نهائي: 

يجرى عادة في الثماني وأربعين ساعة قبل العملية، وهو اختبار التوافق نفسه حيث المقارنة النهائية بين خلايا المتبرع الدموية ومصل المستقبل للتأكد من أن المستقبل لا يكوِّن أي أضداد قد تُهاجم العضو المزروع.

تجرى هذه الاختبارات على نحو واسع، وقد تُطلَب اختبارات أخرى حسب الحاجة لضمان صحة العضو المزروع وتوافقه.

التحضيرات النفسية للتبرع بعضو:

التبرع بأحد الأعضاء هو قرار شخصي وإدراك للمخاطر والفوائد المحتملة، لذلك عند التفكير بهذا الأمر من الأفضل أن يتحدث عنه الشخصُ مع الأصدقاء والعائلة والمستشارين الموثوقين. 

وأيضًا يمكن لفريق زراعة الأعضاء الذي توفره بعض المشافي العالمية أيضًا مساعدته في استخدام إستراتيجيات مفيدة؛ مثل:

- الانضمام إلى مجموعة دعم للمتبرعين بالأعضاء، فالتحدث مع آخرين شاركوا التجربة نفسها يمكن أن يُخفِّف القلق والمخاوف. 

- مشاركة التجربة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

- اكتساب الثقافة والوعي الكافي وطرح الأسئلة عما يجهله المتبرع عن التبرع؛ فالمعرفة هي أساس التمكين. 

 

للتبرع بالأعضاء بعد الموت؛ يجب على الشخص الراغب التسجيل في سجل المتبرعين في بلده، أو أن يملأ بطاقة متبرع بالأعضاء عند حصوله على رخصة قيادة، أما عند المتبرع الحي فيمكن العمل مباشرةً مع أحد أفراد الأسرة أو مع فريق زراعة الأعضاء، ويمكن أيضًا التواصل مع أقرب مركز لزراعة الأعضاء والاستفسار لمعرفة من يحتاج إلى عضو.

أما المتبرع الميت؛ فيُجرى إثبات موت الدماغ ويُسجَّل وقت الوفاة وحينها يصبح التبرع ممكنًا وذلك بعد تقييم أعضاء المريض من منظمات مكلَّفة بذلك (مثل OPO في الولايات المتحدة) والتأكد من الموافقة القانونية على تبرعه وكذلك موافقة أسرته.

 ويمكنكم قراءة مقالنا السابق لمعرفة المزيد عن تقييم الموت الدماغي: هنا

مضادات الاستطباب العامة لعملية زراعة الأعضاء:

- الأمراض الخبيثة في العامين السابقين للعملية.

- نقص الدعم العائلي أو الاجتماعي المؤهل.

- عدم إطاعة التوصيات الطبية.

- مرض وعائي مركزي.

- داء خطير في الشريان التاجي.

- سوء التغذية الحاد.

- الدنف.

ما الأعضاء التي يمكن زراعتها؟ 

زراعة خلايا لانغرهانس: تجرى بعد استئصال البنكرياس بسبب التهابٍ بنكرياسيٍّ مزمن، وفيها تُؤخذُ الخلايا المفرزة للأنسولين من البنكرياس وتُعاد إلى الجسم.

زراعة القرنية: وفيها تُستبدل القرنيةُ المصابة بمرض أو القرنية المعطوبة.

زراعة القلب: يُعدُّ خيارًا للشخص المصاب بقصور القلب الاحتقاني غير المستجيب للعلاج الطبي.

زراعة الأمعاء: تُعدُّ خيارًا للأشخاص ذوي الأمعاء القصيرة أو المصابين بمتلازمة الأمعاء القصيرة أو مرض كبدي متطور.

زراعة الكلية: تُعدُّ خيارًا للمصابين بفشلٍ كلويٍّ مزمنٍ، قد تُجرى بعملية زراعة كلية - بنكرياس.

زراعة الكبد: قد تكون الخيار الوحيد للمصاب بداء كبديٍّ أدى إلى فشل الكبد.

زراعة الرئة: قد تُستبدل فيها إحدى الرئتين أو كلتيهما، وقد تكون الخيارَ الوحيدَ لمصاب بداء رئوي لم يظهر تحسنًا على الأدوية والمعالجات الأخرى.

زراعة نِقي العظم: يُلجأ إليها عند وجود مرض مخرب للخلايا في نِقي العظم، أو عند أخذ جرعات كيماوية أو إشعاعية عالية.

ننتقل الآن إلى الحديث عن الطرف الآخر لعملية التبرع؛ وهو الشخص المتلقي. 

ثانيًا: المتلقي:

بمجرد أن يعلم شخص بحاجة إلى عضو ما أنه مرشح لعملية الزرع؛ قد يعتقد أن بإمكانه الاسترخاء وانتظار مكالمة هاتفية لإخباره بموعد العملية، ولكن ذلك غير صحيح! فالفترة التي تسبق العملية هي أفضل وقت للتحضير النفسي والجسدي وكذلك التجهيزات المالية. 

التحضير النفسي:

زرع الأعضاء هو عالم جديد تمامًا ويجب على المتلقي أن يُراجع أية معلومات يُقدِّمها مركزُ الزرع الخاص به. 

يقول Gigi Spicer (مدير مركز فرجينيا لزراعة الأعضاء) أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر للمرشحين حتى يعتادوا على فكرة زرع العضو وكيف سيغير ذلك من نمط حياتهم. 

وكذلك من المفضل أن يختار المرشح للزرع شخصًا قريبًا له لديه الوقت والصحة والمرونة ليكون الداعم الأساسي له. 

التحضير الجسدي والمادي:

غالبًا يحتاج الشخص المرشح إلى الزرع لتغييرات عديدة في نمط حياته مثل تخفيض وزنه على نحو كبير أو بسيط، وكذلك من المهم أن يتوقف عن التدخين إذا كان مدخنًا.

يجب أيضًا الاهتمام بالناحية المالية وتأمين تكاليف عملية الزرع التي يمكن وصفها بـ "الباهظة الثمن"، وهي التي تتضمن نفقات الإقامة في المشفى وثمن الأدوية ومثبطات المناعة وغيرها، يمكن أن يساعد فريق الزرع بتأمين مصادر مساعدة في دفع التكاليف وخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة أو مرضى الكلى في مراحله الأخيرة. 

العناية الصحية للمتلقي:

يُشارك أطباء الرعاية الصحية كثيرًا في الاهتمام بالمرضى المتلقين للعضو.

أدى العلاج المثبط للمناعة إلى انخفاض كبير في معدلات رفض زرع الأعضاء، إلا أنه مسؤول عن أكثر من 50% من الوفيات المرتبطة بعمليات الزرع؛ وذلك بسبب الالتهابات والمخاطر الأخرى المرتبطة بالاستخدام الطويل الأمد. 

يوصى عادة بالحفاظ على ضغط الدم بحدود 80/130 ملم زئبقي وعلاج الستاتين في الكلى والكبد والقلب، ومن المهم أن تتجنَّب الإناث الملتقيات الحملَ مدة عام بعد الجراحة، ومن أفضل الطرائق لمنع الحمل الجهاز داخل الرحم. 

يجب أن يُحافظ أطباء الأسرة على علاقة دائمة مع المرضى وفريق الزرع والاهتمام بأي تغيير في الدواء أو التعرض لرفض العضو. 

على الرغم من أن عملية الزرع هي أمل واعد في المحافظة على حياة كثير من المرضى، إلا أنها تحتاج إلى رويَّة وعناية شديدة حتى تتم بالشكل الأمثل وبأقل خطورة ممكنة للوصول إلى الهدف المنشود منها. 

حاشية:

مشعر كتلة الجسم Body Mass Index BMI: هو حاصل قسمة وزن الجسم (بالكيلوغرام) على مربع الطول (مُقاسًا بالمتر)، وهو مشعر تُشير قيمه المرتفعة إلى البدانة، تقع القيم الطبيعية التي تدل على وزن صحي في المجال بين (١٨.٥ و٢٤.٩)، ويكون الشخص زائد الوزن إذا كانت قيمة BMI بين (٢٥ و٢٩)، وبدينًا إذا تجاوزت قيمة المشعر (٣٠).

المصادر:

1-هنا

2-  هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا

8- هنا

9- هنا

10- هنا

11- هنا

12- هنا

13- هنا