كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب "وعي الحداثة" في تبيان مظاهر الشعر الحديث (الجزء الأول)

"على الرغم من أنَّ الرواية العربية قد احتلت مكانة خاصة في النقد الأدبي العربي المعاصر فإنه يمكن التوكيد أن موضوع الحداثة الشعرية هو الموضوع الأكثر إشكالية وحرارة في ذلك النقد"، بهذه الجملة افتتح الدكتور كتابه؛ إذ إنه وضع المعضلة الأولى في البداية حتى ينوِّه بالسبب الرئيس لتأليف الكتاب وهو إشكالية الحداثة الشعرية وما لها من أسس جديدة وما بُنِيَت عليها أحوالها الأدبية والنقدية.

يُقدِّم هذا الكتاب تحليلًا مفصَّلًا لشعر الحداثة على مستوى الأنموذج النقدي والفني، وهو مفيد لمن يرغب الاطِّلاع على التقدمة الإيجابية لشعر الحداثة ومعرفة بعض الموضوعات الفنية والنقدية المتعلقة به.

ويتوزع هذا الكتاب على خمسة فصول تحمل العناوين الآتية:

الفصل الأول: الحداثة الشعرية في النقد الأدبي المعاصر.

الفصل الثاني: الوعي الجمالي في الحداثة الشعرية.

الفصل الثالث: جمالية الرمز الفني في شعر الحداثة.

الفصل الرابع: جمالية النموذج الفني في شعر الحداثة.

الفصل الخامس: الخطاب الشعري والأيديولوجية.

تضمن الفصل الأول شرحًا مفصَّلًا للنهج الحداثي في الشعر المعاصر وتحدَّث عن النقد ونشأة الحداثة، وقال إن النقد المعاصر قد فسَّر ظهورالحداثة ونشأتها لعدَّة مذاهب مختلفة، وهي: التفسير التأثري التثاقفي، والتفسير الاجتماعي، والتفسير الفني-الذوقي.

ثم أفاض في شرح هذه التفسيرات ومصدر كل منها وأثرها في بلورة الحداثة الشعرية، وتحدَّث بعدها عن الأنساق النقدية وعدَّدها، وهي: النسق الموسيقي، والنسق الأسطوري، والنسق الصوري، والنسق الرؤيوي؛ إذ إن الحداثة الشعرية قد اشتملت على عدة مقاربات نقدية إضافة إلى تفسيرات مختلفة وعديدة.

إلى هنا ينتهي الفصل الأول الذي كان بداية حديث عن الحداثة وإلى ما آل إليه الشعر الكلاسيكي وكيف تحوَّل من شكله القديم إلى الشكل الحديث الذي أثار فضول النقاد وقسمهم إلى مؤيد له ومعارض.

أما الفصل الثاني من هذا الكتاب فقد كان مختصًّا بالرؤيا الجمالية في الشعر الحداثي؛ أي إن الكاتب قد زاوج بين علم الجمال والشعر الحداثي، وقد توجَّه برؤية نقدية جمالية وما حواه هذا الشعر الحديث من تجارِب جمالية.

إذ إن الشعر الحديث قد اعتمد في تحليله على النقد الجمالي خصوصًا فكان الوعي الجمالي يُشكِّل حجر الأساس الذي انطلقت منه الحداثة الشعرية، لكنه بقي -في واقع الحال- ثانويًّا بالنسبة إلى النقد الأدبي المعاصر، ويعود السبب في ذلك -بحسب الكاتب- إلى قلة عناية هذا النقد بعلم الجمال تنظيرًا وتطبيقًا، فلم يربط بين الظاهرة الشكلية وأساسها الجمالي.

ومع تقصير النقد العربي المعاصر في التطبيق الجمالي على النصوص الأدبية كان الوعي الجمالي أحد تلك الصور الذهنية التي راحت تتشكل في المجتمع العربي المعاصر؛ إذ كانت هناك حاجة اجتماعية تتصل بالوعي الفني لهذا النوع من الوعي الجمالي، فكان هذا التصنيف الجمالي ما هو إلا بلورة فنية وتمثيل جمالي للفن الحديث والمعاصر.

وقد تميز الوعي الجمالي في الحداثة الشعرية العربية بعدَّة سمات فتميَّز بذلك عن الشعر الكلاسيكي:

1- التجادلية: التي تعني "منظور التناقض وتبادل التأثير فيما بين الظواهر والأشياء والعناصر"، فينفي بذلك الشعر الحديث سمةَ الاستقلالية عنه، فلا يوجد شيء بمعزل عن محيطه الذي وجد فيه.

2- الدرامية: عندما كان الشعر الكلاسيكي والتقليدي المعاصر له موقف غنائي من العالم؛ والغنائية هنا هي موقف انفعالي يتمحور حول الذات الفردية للأديب التي ترى العالم وتتأثر به. أما الدرامية فقد اتجهت إلى التعبير عن مسائل ذات طابع عام "لا ترتبط بالضرورة بشخص المبدع الذي يستتر دائمًا وراء شخصياته الدرامية".

كانت بذلك الحداثة الشعرية ذات طابع غنائي-درامي؛ فهي بذلك لا تلغي الذاتية بمطلقها بل تلغي نمطًا معيّنًا في التعامل معها، وقد قُسِم الطابع الغنائي-الدرامي إلى: النمذجة الفنية -وهي محاولة التعبير عن الوعي الغنائي الفني الموصوف بالدرامية-، والبناء الشعري الدرامي الذي رأى فيه د. عز الدين إسماعيل الميل الواضح إلى الطول، ويُقصد بالطول هنا التعقيد والشمول فلم يكن الطول هو الطول الكميُّ بالضرورة.

3- الكليَّة: فلها العلاقة الوثيقة بكل من التجادلية والدرامية؛ إذ لا نستطيع أن نتعامل مع الظواهر والأشياء بوصفها أجزاء ووحدات منفصلة مستقلة، بل ينبغي أن تُرى بوحدة كُلية ذات إطار واحد.

وقد ظهرت هذه السمة في مستويات عدة من مستويات النص الحداثي، وقد عرض الكاتب مستويين اثنين فقط وهما الموضوع الفني والتقويم الجمالي.

فالموضوع الفني هو المحرِّض الجمالي الذي تنطلق منه الذات المبدعة إلى الخلق بما يتلاءم وطبيعة التحريض، وبما يتلاءم أيضًا وطبيعة الاهتمامات الذاتية، لكن ماهي المحرضات؟

هي ذلك الشعور الذي يتولد لدى الفنان إزاء أمر ما ويجعله يُبدع عمله.

لكنَّ الشعر الحداثي -النص على نحو أدق- لا يُعالِج عادة موضوعًا محددًا واحدًا "إنما يُعالج تجربة روحية أو نفسية أو اجتماعية أو كلها معًا … وبذلك فإن الميل إلى الكلية قد دفع بالنص الشعري إلى أن يكون نصَّ تجربةٍ لا نصَّ موضوع".

أما التقويم الجمالي فقد مهَّد للشعر الحداثي؛ إذ إنه نشأ عن تقويمات جمالية مختلفة عن التي نشأ منها الشعر العربي التقليدي المعاصر، فأصبح الشعر يطرح قيمة جمالية واحدة لموضوعه الفني وأوضح مثال على ذلك هو الأغراض الشعرية إذ يختص الجمال بالغزل والتراجيديا بالرثاء والهجاء له القبح والكوميديا.

أما الفصول الأخرى فسنوردها في مقال لاحق.

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: وعي الحداثة.

اسم الكاتب: د. سعد الدين كُليب.

دار النشر: مطبعة اتحاد الكُتّاب العرب (دمشق).

تاريخ النشر: 1997 ط 1.

عدد الصفحات: 161 صفحة.