علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الكتابة الواضحة تعكس التفكير الواضح

تتعدد المصطلحات المستخدمة في مجال علم النفس مما يؤدي في بعض الأحيان إلى استخدامها بنحو خاطئ أو حدوث التباسات، خاصةً عند استخدامها في كتابة المقالات والبحوث العلمية؛ إذ يمكن أن تُنقل هذه الالتباسات أفكارًا خاطئة للقراء، وهذا بعيد عن مستلزمات التفكير العلمي الذي يتطلب الوضوح في الكتابة.

بدايةً سنذكر سلبيات الاستخدام الخاطئ للمصطلحات النفسية التي تكمن في نشر معلومات خاطئة باستخدام مصطلحات غير دقيقة أو غامضة مما يؤدي إلى تشجيع التفكير غير الواضح، وعند السماح للطلاب باستخدام لغة غير واضحة في المفهومات النفسية فإن تفكيرهم سيحذو حذو لغتهم نفسه، إضافة إلى أن استخدام مصطلحات خاطئة يعرقل التقدم العلمي والتفكير الواضح بين الطلاب .

وُضعت المصطلحات والمفهومات التي يجب تجنبها في خمس مجموعات وهي استخدام مصطلحات غير دقيقة أو مضللة، أو استخدام كلمات بطريقة يُساء فهمها أو استخدام مفهومات غامضة أو الترادف الخارجي أو الحشو.

المجموعة الأولى التي تحوي مصطلحات غير دقيقة ومضللة غالبًا ما تُعطي انطباعًا خاطئًا للقارئ عن المعلومة الصحيحة بسبب عدم شرح المعنى الحقيقي للمصطلح أو ما المقصود به والتغاضي عن أسس علم النفس. فمن الشائع استخدام مصطلحات لا تعطي وصفًا صحيحًا للاضطراب؛ مثل قول وباء التوحد بدلًا من اضطراب طيف التوحد واضطراب الشخصية المتعددة بدلًا من اضطراب الهوية الانفصالية، أو إطلاق تسمية اختبار كاشف الكذب؛ إذ إن هذا الجهاز في الواقع لا  يقيس الكذب بحد ذاته بل يقيس الإثارة الفيزيولوجية النفسية، إضافة إلى استخدام المصطلحات المرتبطة بالوراثة التي تتجاهل دور البيئة في التأثير في سيكولوجية الفرد، وفي الكثير من الأحيان تستخدم مصطلحات غير دقيقة بغية التسويق الدوائي مثل تسمية الأدوية المضادة للاكتئاب؛ إذ إن هذه التسمية تفرض أن هذه الأدوية تعالج جميع حالات الاكتئاب، في حين هي في الواقع تعالج فقط حالات الاكتئاب الشديد، إضافة إلى إسناد العديد من الاضطرابات إلى وجود خلل كيميائي الذي يستدعي المعالجة الدوائية.

 ومن المصطلحات المستخدمة أيضًا التي تتعارض مع مبادئ وأسس علم النفس التي يجب الابتعاد عنها "لا فرق بين المجموعات واختبار الشخصية الموضوعية والتعريف الإجرائي والوثوقية والصلاحية" .

 أما المجموعة الثانية فهي تتضمن مصطلحات يُساء فهمها؛ إذ إن استخدام هذه المصطلحات بطريقة غير صحيحة أو دون توضيح يغير كليًّا المعنى المقصود؛ مثل مصطلح "التصرف بدافع" الذي يستخدم للإشارة إلى نوع السلوك الخارجي أو المعادي للمجتمع ولكن المعنى الحقيقي هو أن السلوكيات المحظورة ظاهريًّا تكون من قِبل الأنا العليا للشخص، أو استخدام مصطلح "الميل الشهواني" للإشارة إلى التفضيلات العامة للشخص تجاه كائنات أو أفكار أو أشخاص معينين، في حين أن الاستخدام الصحيح يكون للتعبير عن حالة نفسية  تتميز باضطراب شديد ومستمر وإعاقة نفسية للإثارة الجنسية المستمدة من أشياء غير حية .

تتكون المجموعة الثالثة من مصطلحات غامضة، بعض هذه المصطلحات يجب تحديدها على نحو أدق للحصول على المعلومة الصحيحة مثل "التفاعل" يجب أن يكون الكاتب صريحًا في نوع التفاعل المقصود، وعند استخدام "الاختزالية" -أيضًا- يجب على علماء النفس الذين يستخدمون هذا المصطلح أن يكونوا صريحين في أي شكل من أشكال الاختزالية يستشهدون به ضد زملائهم .

في مجموعة الترادف الخارجي غالبًا ما يُخلَط بين الكلمات المستخدمة لتكوين المصطلح على الرغم من أن هذه الكلمات منفصلة تمامًا أو متعارضة؛ مثل "الانحدار التدريجي الهرمي" على الرغم من التشابه بينهما إلا أن الانحدار التدريجي والانحدار الهرمي إجراءان مختلفان كليًّا، ويظهر هذا أيضًا في مصطلح "تحليل عامل المكونات الأساسية"؛ إذ إن  تحليل المكونات الأساسية مختلف تمامًا عن تحليل العوامل الأساسية من حيث تحليل البيانات . 

وفي المجموعة الأخيرة "الحشو" تستخدم المصطلحات بطريقة خاطئة لوصف حالات مشابهة للحالة الأساسية مثل "التخاطر العقلي" الذي أصبح يستخدم للإشارة إلى وجود أشكال غير ذهنية من التخاطر؛ أي تنكر وظيفة العقل في حدوث التخاطر، أو استخدام "البيانات التجريبية" في بعض الأماكن التي قد ينشأ عنها التباس بينها وبين البيانات الاختبارية أو الكمية، وفي مواضع أخرى ينكر مصطلح "التأثيرات البيولوجية والبيئية" أن التأثيرات البيولوجية قد تكون غير وراثية مثل الفيروسات والتعرض للسموم .

من أهم المفهومات التي تُستخدَم بنحو خاطئ على نطاق واسع هو مفهوم "الاضطراب العقلي" أو "المرض العقلي". على الرغم من كل التعريفات الحديثة له ما يزال البعض يستخدمه بنحو خاطئ نتيجة لأفكار المجتمع الموجودين ضمنه فينسب الاضطراب العقلي إلى الانحرافات عن الأفكار العادية والمنطق والمشاعر والمواقف والإجراءات التي تكون محددة غالبًا وفقًا لقواعد المجتمع بغض النظر عن وجهة نظر علم النفس عن ذلك، وغالبًا ما تُربَط الأمراض العقلية بالأمور المتعلقة بالشر ما أدى في معظم المجتمعات إلى وصم المرضى النفسيين .

من ناحية أخرى يختلف العلماء في بعض الحالات في تعريف بعض المصطلحات تبعًا لمجال دراستهم ما يسبب بعض الالتباسات للقراء. فالتطور لدى علماء الأحياء يعني النمو التدريجي للكائن البشري من الحمل حتى النضج، وعلى ذلك فإن الشيخوخة لا تصنف من مراحل التطور. ولكن من وجهة نظر علماء النفس التطور ليس فقط عملية بيولوجية بل أيضًا نفسية تستمر طول الحياة فالشيخوخة لديهم هي مرحلة من مراحل التطور. لذلك من أجل تخفيف هذا الالتباس يمكن الاعتراف أن الشيخوخة ليست فكرة أحادية البعد فهي ذات ثلاث أبعاد وهي: شيخوخة زمنية، وشيخوخة بيولوجية نفسية، وشيخوخة نفسية اجتماعية .

في النهاية لنقل المعلومة الصحيحة يجب اتباع أسلوب واضح لشرحها باستخدام مصطلحات ومفهومات بعيدة تمامًا عن الغموض الذي من الممكن أن يسبب الالتباس والفهم الخاطئ للقارئ. وهذا يُجنب انتشار المعلومات الخاطئة والأفكار بين القراء من جهة والباحثين في المجال نفسه من جهة أخرى.

المصادر:

1- Lilienfeld, Scott et al. “Fifty Psychological and Psychiatric Terms to Avoid: A List of Inaccurate, Misleading, Misused, Ambiguous, and Logical Confused Words and Phrases.” Frontiers in Psychology. 3 August 2015. هنا

2- Radden, Jennifer. “Mental Disorder (Illness).” Stanford Encyclopedia of Philosophy. 2019. هنا

3- هنا