كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "الشيخ والبحر": رحلة الحظ والكفاح وأشياء أُخرى

إنَّ رواية (الشيخ والبحر) صالحة للقراءة من الفئات العمرية كلها؛ فكلٌّ سيجد فيها ما يُمتِّعه سواءً أقُرِئت قراءةً عميقة أم عابرة، ولعلَّ ذلك هو ما جعلها مُقرَّرة في منهج اللغة الإنجليزية للصف الأول الإعدادي (الصف السابع) في مصر، وقد طُبِع منها إصدار في سلسلة (مكتبة الطلاب)، وكانت موجَّهة إلى الفئة العمرية بين الحادية عشرة والخامسة عشرة بترجمة (منير البعلبكي)؛ الذي تتسم لغته ببعض الصعوبة وإن كانت لا تخلو من أسلوب أدبي مميز، وقد حصل مؤلِّفها الأمريكي (أرنست همنغواي) على جائزة نوبل للآداب عن روايته هذه عام 1954، وجائزة (بوليترز) الأمريكية أيضًا.

وتغلب السوداوية على أدب همنغواي، فحتى روايته التي هي موضوع حديثنا اليوم لم تنجُ من ذلك، وهي تبدأ بحظِّ شيخنا السيء الذي ظلَّ يذهب إلى الصيد مدة أربعة وثمانين يومًا دون أن يصطاد سمكة واحدة، وكان يعاونه في شؤونه غلامٌ تعلَّم الصيد منذ أن كان في الخامسة من عمره على يد سانتياغو؛ ولكن، وبعد مرور أربعين يومًا دون صيد سمكة واحدة، أمره أهله ألَّا يستمر في العمل مع الشيخ وأن يبحث عن قارب آخر ليعمل فيه، ولم يملك الصبي إلا الإذعان إلى أمر والديه، وأصبح الشيخ سانتياغو يذهب إلى الصيد وحده دون مُساعِد، وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت الصداقة بينهما، فقد عرض عليه الصبي عند عودته من الصيد في اليوم الرابع والثمانين أن يعود إلى الصيد معه على الرغم من رفض والده؛ لإيمانه بأنَّ سانتياغو سيعود إلى أيام مجده قريبًا، فقد مرَّ معه في موقف مشابه حين ظلوا دون سمكة واحدة سبعة وثمانين يومًا؛ ولكن، تدفَّقت عليهم الأسماك الكبيرة طيلة ثلاثة أسابيع بعد ذلك، ولكنَّ الشيخ أبى إرادة الصبي حتى لا يخالف أمر والده، وذهب إلى الصيد وحده هذه المرة أيضًا على أمل أن يصطاد سمكة كبيرة كالتي تذكَّرها مع الصبي في أول رحلة صيدٍ حين كان عمر الصبي خمس سنوات، فقد كانت مغامرةً لا تُنسى؛ إذ كادت السمكة تقتل الصبي حين كان ذنَبُها يضرب ويخبط القارب وقد قذفت بالصبي إلى مُقَدِّمة المركب.

وتتضمن الرواية في طيَّاتها معانٍ جميلة كالصبر والإيمان والإتقان والتكافل وطاعة الكبير، ويتجلى ذلك في امتثال الصبي لأمر أبيه على الرغم من محبته للشيخ ورغبته في العمل معه، وفي تفكير أهل القرية في حال الشيخ وتفكيره في أحوالهم، وفي كرم صاحب السطيحة المُتمثِّل في تزويد الشيخ بحاجاته كلها من طعام وشراب إلى أن يحالفه الحظ وينجح في صيد سمكاته، وشكر الشيخ له بقوله إنَّه سيعطيه لحم البطن من السمكة الكبيرة التي يأمل في صيدها، وعديدٍ من المواقف الأخرى.

وانطلق الشيخ بقاربه في البحر، وكانت هناك قوارب أخرى مُبحِرة من سواحل مختلفة، وكان صوت مجاديفها يؤنس صمت البحر وظلمته، ولكنَّ الشيخ توغَّل أبعد من المعتاد، وصار مع قاربه وحدهما في البحر دون وجود لقوارب الصيادين الآخرين حوله، فتوحَّد مع البحر وجلس يؤنس نفسه ببعض الكلمات المُشجِّعة والباعثة على الأمل والإيمان بقدراته، ورأى قبل شروق الشمس أعشابَ الخليج تتوهَّج في الماء توهجًا فسفوريًّا في منظرٍ بديع.

 وفيما هو يجدِّف انتهت إلى سمعه ذبذباتُ الأسماك الطائرة وهي تنبثق من الماء، وصفير أجنحتها القاسية وهي تحلِّق في الظلام، وقد كان مولعًا جدًّا بالأسماك الطائرة؛ لأنَّها كانت صديقته الرئيسة في عرض المحيط.

وما إن أشرقت الشمس حتى غدا باستطاعة الشيخ رؤية القوارب الأخرى الأقرب منه إلى الشاطئ، ورأى طريقتهم في إمساك خيوطهم، فكانوا لا يستطيعون التحكُّم بها مع قوة التيار، أمَّا الشيخ فقد كان يمسك خيوطه بإحكام ومهارة، والتقطت سمكةٌ طُعمَه أخيرًا، وهنا تبدأ الرحلة الحقيقية في محاولته جذب سمكته إلى القارب والعودة بها إلى البر، فهل ينجح في ذلك؟ هذا ما سنتركه لكم لتكتشفوه بأنفسكم.

معلومات الكتاب:

عنوان الكتاب: الشيخ والبحر.

اسم المؤلف: إرنست هيمنغواي.

ترجمة: منير البعلبكي.

عدد الصفحات: 136 صفحة.

نُشر عبر: دار العلم للملايين، 2002.