البيولوجيا والتطوّر > أخبار البيولوجيا

كريسبر وأمل جديد في محاربة السرطان

تمكن الباحثون عن طريق دراسة دامت أربعة سنوات من إعادة برمجة الخلايا السرطانية لتهاجم خلايا الورم الأصلي؛ فحسَّن ذلك من نسبة البقيا لدى فئران التجارب المصابة بأورام دماغية وكذلك الفئران التي تعاني سرطان ثدي مترافق بنقائل إلى الدماغ.

ولا تزال تلك الخلايا السرطانية التي أعيدت برمجتها لتهاجرعائدة إلى الورم الأصلي بعد أن ينتقل إلى مناطق بعيدة في الجسم، من أكثر الأمور المحيِّرة وغير المتوقعة في بيولوجيا السرطان. 

وتُدعَى الآليّة بالرجوع للمأوى الأصلي rehoming أو التلقيم الذاتي، وقد أدى هذا السلوك الذي تسلكه تلك الخلايا إلى استنباط أفكار لابتكار علاجات جديدة ومتنوعة؛ مثل أن تُحمَّل الفيروسات القاتلة للخلايا السرطانية أو جينات الانتحار suicide genes ضمن الخلايا السرطانية التي أعيد تلقيمها التي يجب أن تكون مقاومة لتأثير العوامل القاتلة، والتأمل بعد ذلك بأن تنقل هذه الخلايا حمولتها القاتلة إلى الخلايا السرطانية للورم الأصلي.

لقد حاولوا تطبيق معظم هذه التقنيات والدراسة الجديدة التي نُشِرت في Science Translational Medicine هي دراسة ابتدائية جدًّا وتأتي عادةً مع المحاذير المعتادة. إذا نفعت العلاجات السرطانية وأدت دورها لدى البشر كما تفعله عند فئران التجارب؛ فربما كان الربح في الحرب ضدَّ السرطان لصالحنا منذ سنين عديدة، ومع ذلك فإنَّ الفرصة في أن ينجح علاج تجريبي ويصبح موافَقًا عليه هو أمر لا تبلغ نسبة تحقيقه سوى 5%. وتأتي بعد ذلك خطوة دخوله ضمن التجارب السريرية، وقد تفشل العديد من أفكار العلاج مبكرًا دون أن تتخطى مراحل متقدمة من خطوات الموافقة والمصادقة عليها.

يقول البروفيسور خالد شاه المشرف على هذه الدراسة: "إن كل التحديات لن تردعه عن الوصول للهدف المنشود؛ إذ لأن الخلايا السرطانية المعاد تلقينها ذاتيًّا تستطيع أن تتعقَّب الورم الأصلي؛ فالأمر يعتمد على كيفية ترويض هذه الخلايا لإيجاد العلاج الأمثل"، كذلك يخطط شاه لبدء شركة لتحويل الخلايا المعاد تلقيمها إلى خلايا قاتلة للسرطان، كما حدث مع زملائه على مزيد من البيانات توضِّح كيف أن للخلايا المعاد تلقيمها ذاتيًّا عن طريق كريسبر القدرة على مهاجمة الورم.

في حين صرَّح بعض العلماء الذين تحروا تقنية الخلايا السرطانية المعاد تلقيمها بأنهم يجدون العلاج القائم على الخلايا الجوالة التي تتجوَّل عائدةً إلى موقع السرطان الأصل أمرًا واعدًا جدًّا؛ ليدخل ضمن مرحلة التجارب السريرية؛ إذ إنه بتوفُّر الموارد الكافية والخبرة المتطورة يمكن للفرد أن يرى أن هذه التقنية تُبرز نفسها وبقوة للدخول في مرحلة التجارب السريرية الأولى، وقد أدارت باحثة أخرى تُدعَى renata pasqualini من جامعة Rutgers وأشرفت على دراسة عام 2016 تعتمد على الخلايا المعاد تلقيمها ذاتيًّا من أجل إيصال المركبَّات المضادة للسرطان مباشرة إلى الورم البدئي والنقائل الورمية لدى الفئران، وقَلل ذلك من نموِّ الورم وخرَّب الأوعية الدموية التي يشكِّلها الورم ويحتاج إليها للبقاء، وكذلك استُهدِفت آلية تدمير ذاتي ضمن العديد من الخلايا الورمية (إذ إنه من المعروف أن الخلايا السرطانية تشذ عن القاعدة الطبيعية للخلايا باتباعها لقاعدة الموت الخلوي المنظم وتعتبر خلايا خالدة).

وسواء عاد الأمر إلى تقنيتها أو تقنية شاه؛ فكلا الفكرتين يجب أن تخضعا لقانون السلامة أولًا ويُتبيَّن مدى أمان هذه التقنية ثم يمكن لها من بعد ذلك أن تُجرَّب على البشر.

علام اعتمد شاه في تطبيق دراسته؟

من أجل تطبيق دراستهم أزال شاه وزملاؤه الخلايا الورمية من الفئران؛ أمَّا بالنسبة للمرضى من البشر؛ فيمكن أخذ عينة الخلايا من خِزعة أو من ورم أُزِيل جراحيًّا، ثمّ استخدموا تقنية التعديل الجيني كريسبر من أجل جعل الخلايا الورميّة تعبِّر عن جزيء يُفعِّل مستقبِل الموت الخلوي death receptor (التسمية المجازيّة له) على الجدار الخلوي؛ ليقود الخليّة نحو الموت الخلوي الذاتي، بالطبع من الممكن استخدام أي تقنية تعديل جيني للعمل لكن تقنية كريسبر هي التقنية الأسهل.

وبعد حقن الخلايا في فئران التجارب، شقّت الخلايا طريقها نحو موقع السرطان الأصلي وقد اختبر العلماء ثلاثة من أنواع السرطان وهي:

  1. الورم الأرومي الدبقي البدئي (يُعدُّ هذا السرطان من أخطر السرطانات التي تصيب الدماغ).
  2. الورم الأرومي الدبقي الناكس (وهو الذي يُعالَج فيه السرطان؛ لكنه يعاود الظهور لأن الورم أصبح مقاومًا ضدَّ العلاج الكيميائي التقليدي).
  3. سرطان الثدي الذي يتشكَّل له نقائل إلى الدماغ.

النتائج والإحصائيّات

ذكر الباحثون بأن هذه الخلايا المعاد برمجتها أظهرت نتائج ملحوظة ومهمة فيما يتعلق بنسبة البقيا لدى الفئران المعالجة، ومن آثار العلاج المميزة التي ظهرت لدى فئران التجارب المصابة بورم دماغي ناكس أن حجم الورم قد تقلَّص بوضوح كبير، وقرابة 90% من الفئران عاشت حتى أسابيع وأشهر بعد تلقِّي العلاج.

عادةً ما تبلغ نسبة الوفيات عند الإصابة بالأورام الأروميّة الدبقيّة قرابة 100% نتيجة لشدة خطورتها سواء لدى البشر أو الفئران، وقد كانت النسبة مساوية لفئران التجربة غير المعالجين، وفيما يخص الفئران المصابة بنقائل دماغيّة عاش نصفهم عدة أسابيع بعد تطبيق العلاج الخلوي المذكور، وذلك دليل على أن استخدام تقنية الخلايا المعاد برمجتها قد يكون ذا أثر علاجي.

ومن الأسئلة الجوهرية المطروحة لدى تطبيق هذه التقنية: ماذا يحصل للنقائل البعيدة حتى في حال نجاح تقنية كريسبر في مهاجمة الورم الأصلي؟

إن الإجابة على هذا السؤال بحسب معرفة علماء الأحياء هو أنّ الخلايا التي أُعيدَت برمجتها تقطع طريقها باتجاه واحد نحو الورم الأصلي وليس نحو النقائل البعيدة -التي يمكن أن تصيب عدّة أعضاء- وهذه النقائل غالبًا ما تكون مسؤولة عن 90% من وفيات السرطان وليس السرطان البدئي بحد ذاته.

سؤال آخر يدور حول أنه كيف يمكن ضمان أن الخلايا المعدّلة عبر كريسبر لن تُحدِث سرطانات جديدة وتحيد عن مهمّتها الأساسية التي عُدّلت من أجلها وهي قتل الورم الأصلي؛ ففي نهاية الأمر بكريسبر أو بدونه هي لا تزال خلايا سرطانية!

وقد زوّد شاه وفريقُه الخلايا المعاد برمجتها بزر إبطال kill switch بحيث يمكن عند تطبيق دواء بسيط التخلص من هذه الخلايا، بعد أن تؤدي مهمتها في القضاء على الخلايا السرطانية وقبل أن تنشر أي بؤر جديدة من السرطان، ولا يزال العمل جاريًا لمعرفة كيفية عمل وكفاء تقنية kill switch لدى البشر.

المصدر: هنا