علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

ما العاطفة؟

لا تخلو جوانب حياتنا من العاطفة، فهي تتحكم باتخاذنا القرارات والسلوك المناسب لجميع الحوادث التي نختبرها في حياتنا، وإضافة إلى أنها تؤثر في علاقاتنا الاجتماعية، والتحكمُ بها يفتحُ المجالَ للتلاعب ومحاولة التأثير في الآخرين على نحو كاذب.

فما العاطفة؟

العاطفة: هي استجابة عصبية مركزية تسببها المنبهات الحسية أو الذكريات التي بدورها تتحكم بمجموعة كبيرة من التغييرات السلوكية والمعرفية والجسدية.

ولكن ما هذه الحالة العاطفية على مستوى علم الأعصاب؟ وكيف تُفهم على مستوى تطوري؟

أول من درس الطبيعة الفريدة للتعبير العاطفي من الناحية الوظيفية والتطورية كان (داروين) في كتابه المعنون "التعبير عن المشاعر في الإنسان والحيوان" عام 1872، وافترض أنه يمكن التعرف إلى حالات التعبير العاطفي بسهولة ليس فقط لدى البشر، ولكنْ أيضًا في أنواع الثدييات ذات الصلة الوثيقة بالبشر مثل الشمبانزي، وكذلك في الحيوانات الأليفة المنزلية مثل القطط والكلاب. إن أردنا فهم العواطف من ناحية تطورية؛ يستخدم التطور أية وسيلة للبقاء والنجاح الإنجابي، وهنا يأتي دور العاطفة لتقدم استجابات سلوكية -وهو ما سنفصِّل به لاحقًا- بوصفها حلًّا للتحديات والتهديدات التي يتعرض لها الكائن لا سيما في التعامل مع الأصدقاء مقابل العدو، ومع تطور الكائنات الحية؛ ارتبطت العاطفة بالمراكز الإدراكية العليا (القشرة المخية الجبهية) المسؤولة عن الوعي، والمنطق وصنع القرار، فإنْ كنت تعتقد أن العاطفة هي حدث بعيد عما يسمى المنطق؛ فأنت مخطئ. 

والآن سنفصل بعض الشيء في هذه الآلية.

 وفقاً لـ (Panksepp and Solms) فإن العمليات العاطفية الرئيسة لـ (الجملة العصبية المركزية) تتكون من ثلاث مراحل: 

1- عواطف العملية الأولية.

2- عملية التعلم الثانوية والذاكرة. 

3-  الوظائف الإدراكية العليا.

فإذا فصلنا كلًّا منها على حدة: 

1- العمليات العاطفية الأولية (في المستوى تحت القشري؛ أي غير الواعي) -التي تتحفز استجابة لـ المشاعر العاطفية الأساسية (الخوف والغضب والفرح وأشكال مختلفة من الكرائب)، والدوافع الاستتبابية/التجارب التحفيزية (الجوع والعطش)، والتأثيرات الحسية (الألم والذوق ودرجة الحرارة والاشمئزاز)- هي دوائر عصبية موروثة تتوقع الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة وبذلك توجه عملية التعلم الثانوية والذاكرة، وقد أظهرت الأبحاث أن هناك نفور مشفر وراثي -في هذه المرحلة- للحالات التي تولِّد خوفًا وغضبًا وغيرها من الحالات السلبية لتقليل الأشياء المؤلمة وتعظيم أنواع التحفيزات الممتعة، وإضافة إلى أن هذه العملية يشترك فيها الإنسان والحيوان فهي غريزية.

2- عملية التعلم الثانوية والذاكرة (في شبكات العقد القاعدية، والفص الصدغي الإنسي للدماغ) تُنقّح فيما بعد الحلول الفعّالة للمعيشة، تبعًا لذلك، ترسل عملية التعلم المعلومات ذات الصلة إلى مناطق الدماغ العليا. 

3- تجري في مناطق الدماغ العليا (أي المستوى الواعي) -مثل القشرة المخية الجبهية- عملية الإدراك العليا التي تسمح بالتخطيط للمستقبل بناءً على التجارب السابقة المخزنة في الذاكرة الطويلة الأمد، وبذلك فإن الإدراك هو امتداد للعاطفة، تُدمج العمليات الثلاثة باستمرار للوصول إلى مستوى ناضج (وظائف الدماغ العليا) لتوقع قضايا البقاء على قيد الحياة على نحو أفضل، وبذلك السيطرة على الإدراك العاطفي، وبعبارة أخرى، فإن التطور العقلي لا يمكِّن الإنسان من التفكير فقط ولكنّه ينظم عواطفنا أيضًا.

ولا بدّ من ذكر أن مرحلة الإدراك هذه التي تُجرى على المستوى القشري الواعي:

ويُعتقد أنّ إحدى الآليات الرئيسة للاضطرابات النفسية لدى البشر -كاضطراب ما بعد الصدمة والرهاب (الفوبيا)- هي ضعف القدرة على تنظيم العواطف.

وإضافة إلى إن السيطرة الاختيارية على التعبيرات العاطفية لها دور في التواصل الاجتماعي؛ مما يفتح الباب أمام الخداع والتلاعب بالمؤثرات؛ إذ يمكن للبشر الماهرين القادرين على تزوير عواطفهم على نحو مقنع أن يحصلوا على رواتب تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات -هؤلاء الأشخاص هم الممثلون الذين نراهم على شاشات التلفاز- ومع ذلك هناك دليل ضئيل على الخداع العاطفي في الحيوانات الأخرى. 

باختصار؛ تعمل التجارب العاطفية على توجيه السلوك لتعزيز البقاء والنجاح الإنجابي إضافة إلى التوسط في الإدراك والانتباه والتعلم والذاكرة والتفكير وحل المشكلات، وتعدّ العاطفة مهمة لتعزيز الذاكرة واسترداد المعلومات بكفاءة، وهذا هو السبب في أنّ الذكريات العاطفية عادةً ما تكون أقوى وطويلة الأمد، وتسهم العاطفة في تحفيز العمل والدافع لفعل الأشياء وذلك عن طريق أحد أهم الأنظمة السبعة الأساسية للعاطفة وهو(SEEKING) (السعي للبحث)، ويسهل نظام (SEEKING) التعلم لأنه عندما يثار تمامًا فإنه يملأ العقل باهتمام يحفز الفرد بعد ذلك على البحث وتعلم الأشياء التي يحتاجها، يتوق إليها ويريدها. 

ومع ذلك، فإن هذا النظام يكون أقل نشاطًا في الإجهاد المزمن، كالمرض والاكتئاب، فجميعها من المحتمل أن تُضعِف التعلم ومختلف الإدراكات العليا، ومن ناحية أخرى، فرط نشاط هذا النظام يعزز السلوكيات الاندفاعية المفرطة التي تسببها أفكار الهوس والأوهام الذهانية.

ما الفرق بين العاطفة والمزاج؟

العاطفة هي استجابة لحافز محدد وواضح كرؤية مشهد مفزع إضافة إلى أنها تستمر فترة وجيزة فقط،

في حين أن المزاج يستمر فترة أطول ولا تتعلق الحالة المزاجية عادةً بحدث أو حافز محدد وواضح كأنْ تستيقظ بمزاج سيئ أو جيد.

ما الفرق بين العاطفة (Emotion) والمشاعر (Feeling)؟

العواطف -كما ذكرنا- هي عملية يسببها مثير تُحدِث استجابة في كامل جسدنا، في حين أن المشاعر هي نتاج إدراك دماغك لوجود العاطفة وتشكيل معنىً لها حسب رؤيتنا الخاصة للحياة التي تختلف عن رؤية غيرنا، فهي حبيسة ذهنك فقط. 

المصادر:

1-هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا