البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

علاج متلازمة المبيض المتعدد الكيسات قد يكون أقرب إلينا مما نتخيل

تبدأ قصتنا منذ عدة قرون:

بدأت رحلة البشرية في عالم الميكروبات سنة 1674 عندما جال في ذهن "أنطوني فان ليفينهوك" العالم والمخترع المبدع الهولندي أن يستخدم مجهره المتميز والمتواضع على حد سواء ليستكشف العالم المكروي المتواري في قطرة ماء؛ إذ بدأ كل شيء بعبارة: "إني أرى جزيئات حيوانية تسبح في الماء".

ومنذ ذاك الوقت شهد عالم الأحياء الدقيقة كثيرًا من التطورات، أهمها اكتشاف طريقة لدراسة البكتيريا غير القابلة للزرع في أطباق بتري التقليدية -التي تشكل الأغلبية الساحقة-؛ ألا وهي سَلسَلة جزء من جين  16S rRNA على يد العالم Carl woese في أواخر ستينيات القرن العشرين، هذا الجين الموجود لدى البكتيريا كلها والمميز لكل نوع في آنٍ واحد.

ومع إمكانية تحديد الأنواع البكتيرية الموجودة في أية عينة، كانت بداية عهد الأحياء الدقيقة الحديث وبدأ مفهوم "الميكروفلورا" يتبلور في عقول عديد من العلماء؛ إذ بدأوا يستكشفون المجتمعات البكتيرية المختلفة وعلاقاتها مع الأحياء الأخرى وصولًا إلى البشر، ولاقت ميكروفلورا الأمعاء اهتمامَ كثير منهم، فهي على عكس الغالبية العظمى لأعضاء الجسم؛ تكون على تماس مباشر مع عناصر الطبيعة، إضافة إلى أنها تشكل موطنًا للكثير من الأنواع البكتيرية.

ومع اكتشاف دور البكتيريا المستوطنة في الجهاز الهضمي في إنتاج الهرمونات والفيتامينات واستقلاب الطعام، بدأ بعض العلماء بالتفكير في إمكانية أن يكون لشركائنا اللطيفين علاقة بالأمراض الاستقلابية المختلفة كالسكري والبدانة وغيرها.

ولعل أهم هذه الأمراض متلازمة تعانيها قرابة 10% من النساء النشيطات جنسيًّا (في سن الإنجاب)؛ ألا وهي متلازمة المبيض المتعدد الكيسات.

تكمن أهمية هذه المتلازمة في كون أسبابها الدقيقة غير معروفة وفقًا لشبكة الصحة الهرمونية، إضافة إلى إمكانية التسبب بالعقم لدى النساء اللواتي يعانينها وعدم وجود علاج؛ مما قد يؤثر سلبًا في صحتهن النفسية والجسدية.

لمعرفة المزيد عن المتلازمة؛ يمكن الاطلاع على المقال الآتي: هنا

وهنا تأتي هذه الدراسة حاملةً في ثناياها بريق أمل لكل امرأة واقعة تحت رحمة هذه المتلازمة الشرسة.

ففي آذار العام الجاري درس فريق من العلماء في مدرسة سان دييغو للطب في جامعة كاليفورنيا العلاقةَ بين ميكروفلورا الأمعاء والمتلازمة، وذلك ضمن نماذج حيوانية فأرية أُحدِث فيها هذا الاضطراب الصماوي الشائع لدى النساء.

ووجدوا أنّ أعراض المتلازمة تتحسن عند التعرض لبعض أنواع البكتيريا المعوية المفيدة، أمرٌ مثير للدهشة أليس كذلك؟! إذ لطالما عُدَّت هذه الكائنات المجهرية العدوَّ الأول والأهم للصحة والنظافة الشخصية، وسببًا لكثير من الأمراض المزعجة والمستعصية.

وقد بُنيت هذه الدراسة على بحث سابق للباحثين ذاتهم مفاده أنّ ميكروفلورا الأمعاء لدى الإنسان -أو بكلمات أخرى؛ التركيب البكتيري لأمعاء البشر- أقل تنوعًا لدى النساء اللواتي يعانين متلازمة المبيض المتعدد الكيسات، إضافة إلى تغاير عالٍ بين الأنواع. وإن دل هذا على شيء فإنما يشير إلى اختلال كبير في توازن البيئة المعوية والافتقار إلى البكتيريا المفيدة المنظمة والمسؤولة عن هذا التوازن الحيوي الشديد الأهمية.

"تقترح دراستنا الجديدة أنّ تغيير تركيب ميكروفلورا الأمعاء عن طريق متممات غذائية بكتيرية أو خمائرية probiotics  أو مواد غذائية ضرورية لنمو هذه المتممات البكتيرية prebiotics، قد تكون علاجًا مرجحًا لمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات" صرّحت كبيرة الباحثين في هذه الدراسة الأستاذة  Varykina Thackray.

كيف أُجريت الدراسة؟

قد وصلنا الآن إلى الجزء الأكثر متعة في مقالنا هذا، لنتعرف معًا على نحو مبسط مراحلَ التجربة: 

1- عُمِل على مجموعتين من الفئران:

     - فئران إناث تمر بمرحلة البلوغ وأُحدِث لديهن متلازمة المبيض المتعدد الكيسات عن طريق تثبيط تحول التستوستيرون إلى إستروجين، ومن ثم ارتفاع مستويات التستوستيرون وظهور الأعراض الرئيسة لهذه المتلازمة.

     - مجموعة أخرى مرجعية/شاهدة من الفئران أُعطيت مادة ذات فعالية معدومة.

2- وُضِعت فأرتان ضمن كل قفص بالترتيب الآتي مدة خمسة أسابيع: 

    - فأرة مريضة + فأرة مريضة

    - فأرة سليمة + فأرة سليمة

    - فأرة مريضة + فأرة سليمة

الهدف من هذه الخطوة هو تعريض الفئران لميكروفلورا بعضها البعض.

إذًا؛ إلامَ توصلت الدراسة؟

انطوت هذه الدراسة على نتائج شديدة الأهمية؛ إذ أكد الفريق البحثي أنّ مستويات التستوستيرون لدى الفئران المريضة التي سكنت مع الفئران ذات الميكروفلورا المعوية الصحية تحسنت على نحو ملحوظ، إضافة إلى تحسن أعراض أخرى؛ فقد لوحظ انتظام في الدورة الشهرية والإباضة، وانخفاض في الوزن، وانخفاض مستوى سكر الدم الصيامي والأنسولين، وانخفاض مقاومة الخلايا للأنسولين (وهو عامل خطورة مهم للغاية في السكري النوع الثاني)، وذلك مقارنةً بالمجموعة التي سكنت فيها الفئران المريضة معًا.

والأهم من ذلك، أكد الفريق البحثي أنّ تناول الميتفورمين أو البروبيوتيكس يؤدي إلى تحسين أعراض الدورة الطمثية وانخفاض مستويات الأندروجين وتلطيف مقاومة الأنسولين، وقد كان هذا التحسن على ارتباط وثيق بتغيير تركيب التجمعات البكتيرية المعوية.

المصادر:

1-  Improved PCOS symptoms correlate with gut bacterial composition | Endocrine Society [Internet]. Endocrine.org. 2020 [cited 13 December 2020]. Available from: هنا.

2- 2. ZHANG B، SHEN S، BI Y، ZHU D. Gut Microbiota as a Potential Target for Treatment of Polycystic Ovary Syndrome. Diabetes. 2018;67(Supplement 1):2454-PUB.

3- I Contain Multitudes، Ed Yong، 2016، an imprint of HarperCollins Publisher