الرياضيات > الرياضيات

هل تحدّ معرفتنا الحياتية من فهمنا للرياضيات؟

يشتهر التفكير الرياضياتي بصفته ذروة التفكير التجريدي. مع ذلك؛ فإن قدرتنا على حل المسائل الرياضية مرتبطة ومتأثرة بشدة بمعارفنا وخبراتنا غير الرياضية، ما يوقعنا في الأخطاء. ومن ثم؛ يجب أن تؤخذ هذه النزعة في الحسبان عند وضع طرائق تدريس الرياضيات وتطويرها. فقد أكد باحثون من جامعتي (University of Geneva) في سويسرا و(University of Bourgogne Franche-Comté) في فرنسا هذه النتيجة، عن طريق تجربة صُمِّمت لاختبار مدى التشويش الذي تتسبب به معارفنا الحياتية على تفكيرنا وتحليلنا الرياضيين.

عرض الباحثون 12 مسألة رياضية على مجموعتين من المشاركين. تضم المجموعة الأولى أفرادًا تلقوا تعليمًا جامعيًّا، في حين تضم المجموعة الثانية مختصين في الرياضيات المتقدمة. أما المسائل فكانت جميعها مخصصة لمستوى الصف الخامس الابتدائي، إذ إن 6 مسائل تُفهَم بطريقة التصنيف في فئات، و6 مسائل أخرى تُفهم بالتمثيل على محور إحداثي أو خط أعداد. مع العلم أن لجميع هذه المسائل البنية الرياضية والقيم العددية والحلول ذاتها؛ الاختلاف يكمن بالسياق فقط. 

أي إن نصف المسائل جاء في سياق حساب عدد الحيوانات في قطيع أو سعر وجبة في مطعم أو وزن رزمة من الكتب (عناصر يمكن تجميعها في فئات). مثال: لدى سارة 14 حيوانًا من القطط والكلاب؛ لدى مهدي قطتان أقل من عدد قطط سارة، وعدد الكلاب ذاته. فكم حيوانًا لدى مهدي؟

أما النصف الآخر من المسائل جاء في سياق حساب المدة الزمنية التي يستغرقها بناء فندق أو لأي طابق يصل المصعد الكهربائي أو طول "سنفور" (عبارات يمكن تمثيلها على طول محور أفقي أو عمودي). مثال: عندما يصعد "السنفور الكسول" على الطاولة، يصل إلى ارتفاع 14 سم؛ "السنفور الغاضب" أقصر من "السنفور الكسول" بـ 2 سم، وصعد على الطاولة نفسها. ما الارتفاع الذي يصل إليه "السنفور الغاضب"؟

تُحَل كلتا المسألتين بعملية طرح وحيدة وبسيطة (14 - 2 = 12). لكن الحل يبدو أكثر وضوحًا في المسائل التي تُمثَّل على محور إحداثي (مسألة السنافر)؛ لكن في المسائل التي تصف فئات (مسألة الحيوانات) علينا أن نغير وجهة تفكيرنا التي تلجأ تلقائيًّا إلى محاولة إيجاد القيم الفردية في كل فئة فرعية، وهو أمر غير ممكن. ففي مسألة الحيوانات تتولد لدينا نزعة لإيجاد عدد الكلاب لدى سارة، وهذا غير ممكن؛ في حين أن العملية (14 - 2 = 12) تزودنا بالإجابة مباشرة. وهكذا توصل الباحثون إلى نتيجة أن إيجاد الحل في مسائل الحيوانات أكثر صعوبة من إيجاده في مسائل السنافر، على الرغم من بنيتهم الرياضية الموحدة.

أما نتائج التجربة فقد كانت كالآتي:

من فئة غير المختصين؛ أجاب 82% على مسائل (التمثيل على محور) على نحو صحيح، في حين أجاب 47% منهم فقط على مسائل (التصنيف في فئات) على نحو صحيح. في 53% من الحالات، اعتقد المشاركون عدم وجود حل للمسألة، ما يعكس عدم قدرتهم على فصل أنفسهم عن المعرفة التي يملكونها إزاء العناصر المذكورة في المسائل.

من فئة المختصين في الرياضيات؛ أجاب 95% على مسائل (التمثيل على محور) على نحو صحيح، لتنخفض النسبة إلى 76% فقط من أجل مسائل (التصنيف في فئات). مرة واحدة كل أربع مرات، اعتقد المشاركون المختصون عدم وجود حل للمسألة على الرغم من بساطة مستواها؛ فضلًا عن بطئهم في حل مسائل (التصنيف في فئات) مقارنة مع مسائل (التمثيل على محور).

قال البروفيسور ساندر: "وجدنا أن لطريقة صياغة المسألة الرياضية الأثر الكبير على الأداء من أجل إيجاد الحل، بما في ذلك أداء المختصين. ما يدعو للقول إننا لا نستطيع التحليل رياضيًّا بطريقة تجريدية بحتة". وختم بالمقترح: "إننا بحاجة إلى المبادرات التعليمية القائمة على طرائق تساعد الطلاب على فهم التجريد الرياضي. علينا فصل أنفسنا عن حدسنا غير الرياضي، وذلك بالعمل مع الطلاب ضمن سياقات غير حدسية".  

المصدر:

هنا