الطب > زراعة الأعضاء

رحلة عضو من المتبرع إلى المتلقي - الجزء الأول

التبرع بالأعضاء هو عملية استئصال عضو أو نسيج من شخص ما (المتبرع) ووضعه جراحيًّا لدى شخص آخر (المتلقي)، وتنتج الحاجة إلى الزرع بسبب فشل العضو لدى الشخص المتلقي أو تعرضه للتلف بسبب مرض أو أذية ما.

ولما كنا نتحدث عن الزرع؛ فلا بدَّ من معرفة الأشخاص الذين يشكلون محور العملية؛ ألا وهم: "المعطي (المتبرع) والمتلقي (الآخذ)".

أولًا: المتبرع

 هو الشخص المتوفى أو الحي الذي استُئصل منه عضو واحد على الأقل أو جزء منه (خلايا أو أنسجة) لتحقيق الغرض من الزرع. وكما ذكرنا يمكن أن يكون حيًّا أو متوفيًا أو متوفيًا دماغيًّا. وسنُفصِّل بأنواع التبرع بعد قليل.

ثانيًا: المتلقي (الآخذ)

 هو الشخص الذي خضع لعملية زرع خلايا أو أنسجة أو أعضاء من متبرع خيفي allogeneic بدلًا من أعضائه التي لم تعد تعمل على نحو صحيح.

يستطيع متبرع واحد التبرع بما يصل إلى 8 أعضاء منقذة للحياة منها الكلى والكبد والرئتين ونقي العظام والقرنية والقلب والبنكرياس، وغيرها. ويمكن للأشخاص باختلاف أعمارهم التبرع بأعضائهم بشروط معينة. ويعدُّون مانحين محتمَلين؛ إذ يملأ الأشخاصُ الراغبون بالتبرع سجلًّا خاصًّا يمنحهم موافقة قانونية على الهبة التشريحية للأعضاء والأنسجة والعينين، وبعد وفاة الشخص تُقيَّم ملاءمة أعضائه الممنوحة بناءً على عمره وتاريخه الطبي.

أنواع المتبرعين

1- المتبرع الحي

كما ذُكر سابقًا؛ يمكن أن يتبرع شخص حي؛ إذ تُسجل سنويًّا قرابة 6000 حالة تبرع من أشخاص على قيد الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية. 

تعد الكلى والكبد أكثر الأعضاء شيوعًا من حيث التبرع من معطٍ حي؛ إذ يمكن للإنسان أن يتبرع بإحدى كليتيه أو جزء من الكبد، وتؤدي الكلية المتبقية الوظائفَ الضرورية. ويمكن للكبد أن يتجدَّد ليعوض عن الجزء الذي فُقد في عملية الزرع، ويعود إلى حجمه الأصلي ويؤدي وظيفته الاعتيادية. ويمكن لشخص حي التبرع بالدم والجلد ونقي العظم أيضًا.

هناك نوعان من التبرع بالأعضاء من أفراد على قيد الحياة:

1- تبرع موجّه Directed donation

هو أكثر أنواع التبرع من معطٍ حيّ شيوعًا. في هذا النوع يوجه المتبرع العضوَ إلى آخذٍ محدد، وقد يكون المانح:

2- تبرع غير موجّه Nondirected donation

ويسمى أيضًا التبرع الإيثاري؛ إذ لا يُحدِّد المانح متلقيَ العضو المتبرَّع به وتستند العملية إلى الحاجة الطبية والتوافق.

3- التبرع المقترِن وسلاسل التبرع Paired donation and donation chains

في بعض الأحيان قد لا يحدث توافق بين المتبرع والآخذ (غالبًا ما يكون التبرع موجهًا)، وعندها يمكن اللجوء إلى التبرع المقترِن (أو التبادل المزدوج) إذ يتبادل آخذان ليتلقى كل منهما العضوَ من المتبرع المفترَض إلى الآخر بغية الحصول على العضو المتوافق، وقد يُستعان بمتبرع غير موجه لإتمام هذه العملية.

في حال تكررت هذه العملية بين أكثر من زوج (معطٍ - آخذ) يطلق على هذه العملية سلسلة التبرع كما هو موضح في الصورة:

تُظهر هذه الصورة التبرع المقترِن: قد لا يكون متبرع حيّ وآخذ معين متوافقَين لحدوث الزرع، إلَّا أنَّ المتبرع من كل زوج (متبرع - آخذ) قد يكون متوافقًا مع آخذٍ من الزوج الآخر، وفي حال موافقة الأطراف الأربعة يمكن أن يحدث تبادل للمتبرعين.

صورة لسلسلة تبرع، تبدأ السلسلة عندما لا يتمكن معطٍ حي من التبرع مباشرة لآخذ معيّن بسبب عدم التوافق، إلا أنَّه يقرر التبرع لآخذ آخر متوافق معه مع الاستعانة بمعطٍ آخر غير موجه متوافق مع الآخذ الأول، وتستمر السلسلة على هذا المنوال.

مخاطر عملية التبرع

تنقسم المخاطر المرتبطة بالتبرع إلى مخاطر قصيرة الأمد ومخاطر طويلة الأمد:

تشمل المخاطر القصيرة الأمد: الألم والإنتان والنزف والفتق والخثرات ومضاعفات الجرح وغيرها، وفي حالات نادرة قد تسبب الوفاة. 

في حين أنَّ المعلومات المتوفرة عن المخاطر الطويلة الأمد للتبرع من معطٍ حي لا تزال محدودة؛ إلا أنَّ المتبرعين الأحياء أظهروا تحملًا جيدًا حتى الآن.

أما المشكلات النفسية؛ فقد يتعرض المعطي لأعراض القلق والاكتئاب، وفي حال فشل العضو المُتبَرع به؛ قد يُولِّد ذلك مشاعرَ أسف واستياء أو غضب لدى المتبرع.

أما الآخذ فغالبًا ما يكون الإجراء منقذًا للحياة لذا تكون خطورة الجراحة لديه منخفضة.

2- المتبرع المتوفى والميت دماغيًّا 

المتبرع المتوفى هو شخص حدث موته ضمن شروط محددة، في أغلب الأحيان يأتي المريض إلى المشفى بعد تعرضه لحادث ما أو حادث وعائي دماغي أو بعد صراع مع مرض معين، ويبذل الفريقُ الطبي قصارى جهده لإنقاذ حياة المريض سواء أكان متبرعًا مسجلًا أم لا؛ إذ إن اختيار الشخص للتبرع لا يعني أن يحصل على رعاية مختلفة أو أقل.

في حال فشلت كل الجهود المبذولة في الحفاظ على حياة المريض؛ يُشكل الأطباء لجنةً لتقييم الوفاة بناءً على معايير محددة تُختار حسب حالة المريض كما يأتي:

أ- المعطي المتوفى ذو القلب النابض (الموت الدماغي): وتُعلن الوفاة وفق معايير عصبية.

وقد حددت الرابطة الأمريكية لعلم الأعصاب (AAN) موت الدماغ من خلال ثلاث علامات أساسية هي: 

1- اختبار توقف التنفس: وهي عدم قدرة المريض الميت دماغيًّا على التنفس بمفرده باستقلال عن التهوية الاصطناعية، ويتم وفق شروط محددة تهدف إلى اختبار سلامة مركز التنفس في جذع الدماغ.

2- غياب منعكسات جذع الدماغ: وتُتحرَّى هذه المنعكسات رسميًّا بعد حدوث توسُّع ثابت في الحدقات وغياب منعكسات الأعصاب القحفية لأكثر من 4 ساعات.

3- الغيبوبة: تُقيّم بغياب الاستجابة للتنبيهات المؤلمة. 

وبعد إثبات موت الدماغ وتسجيل وقت الوفاة يصبح التبرع ممكنًا؛ إذ تُقيّم أعضاء المريض من منظمات مكلفة بذلك (مثل OPO في الولايات المتحدة) مع التأكد من الموافقة القانونية على تبرعه وكذلك موافقة أسرته، وعند استكمال الشروط تجرى إجراءات عديدة لتحديد الآخذ المناسب وإيصال العضو إليه، ومن ثمّ يُقيِّم الجراح الذي سيجري عملية الزرع ما إذا كان العضو مناسبًا طبيًّا للمريض الآخذ أم لا؛ وذلك بناء على عدة عوامل منها زمرة الدم ونوع الأنسجة وحجم العضو والحالة الصحية للمريض المتلقي ومدى الاستعجال الطبي؛ ففي بعض الحالات تكون الحالة حرجة ولا يمكن إجراء الزرع، وقد تؤدي العوامل الجغرافية دورًا في نقل العضو بين الشخص المتبرع والمتلقي.

ب- المعطي المتوفى ذو القلب المتوقف (الموت القلبي): وتحدث الوفاة هنا نتيجة توقف القلب عن الخفقان، وتُعتَمَد معايير قلبية رئوية لإعلان الوفاة. وينطبق على المعطي هنا ما ينطبق على المعطي المتوفى دماغيًّا بعد إعلان الوفاة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ أخذ الأعضاء والأنسجة من المانح لا يؤدي إلى تشويه شديد في جثته، لأن الاستئصال يحدث بأيدي اختصاصيين طبيين مدربين.

في بعض الحالات لا يكون التبرع فقط بغاية مساعدة المرضى، وإنما قد يكون بغايات علمية للمساعدة في البحث العلمي؛ إذ تُجرى دراسات وتجارب على الأعضاء الممنوحة، وذلك بناءً على رغبة الشخص المتبرع، أو في حال لم يكن بالإمكان استخدام هذه الأعضاء في الزرع.

والآن ننتقل إلى ما يحدث على الضفة الأخرى؛ الشخص الآخذ

يُسجِّل المريض الذي يحتاج إلى تلقي عضو معين في قائمة انتظار، ثم يفحصه الأطباء في مشفى الزرع ويحددون ما إذا كان مرشحًا جيدًا لعملية الزرع ولكل مشفى أو بلد معايير خاصة بها في هذا التقييم.

إذا قرر فريق الزرع أن الشخص مرشح جيد للزرع يُضاف اسمه إلى قائمة الانتظار، ويمكن أن يسجل الشخص نفسه في العديد من المشافي، وذلك بهدف كسب فرص إضافية في الحصول على العضو الذي يمكن أن ينقذ حياته، وعندما يصبح العضو متاحًا يُقيّم جميع المرضى لتحديد التوافق والحالة الصحية.

بعد استئصال العضو المطلوب من الشخص المتبرع يحافظ فريق الزرع على صحة العضو ونقله بسرعة إلى المتلقي الذي يكون في غرفة العمليات مع فريق آخر يحافظ بأقصى جهده على حياة المريض حتى تلقيه العضو وزوال الخطورة عن حياته.

لسوء الحظ؛ فإن الحاجة إلى متبرعين بالأعضاء تفوق كثيرًا أعداد المتبرعين بالفعل؛ إذ إنه حسب إحدى الإحصائيات في الولايات المتحدة يموت يوميًّا 21 شخصًا بانتظار عضوٍ ما، وقد كان 114000 شخص في الولايات المتحدة ينتظرون تبرعًا بالأعضاء في آب (أغسطس) عام 2017. 

تؤثر العديد من العوامل في التبرع بالأعضاء، بما في ذلك ثقافة المجتمع ومدى معرفته عن هذا الموضوع، كذلك الأمر لكل من عمر المتبرع وتطور حالته الصحية وموقف أسرته من تبرعه بأعضائه؛ أضف إلى ذلك التحديات والعقبات والجدل عن مفهوم الموت الدماغي والعوائق القانونية في بعض البلدان، ولكن أهم طريقة لزيادة التبرع هي زيادة وعي المجتمع وثقافته عن طريق حملات التوعية والتي يمكن عن طريقها رفع الوعي بمدى أهمية تأدية شخص واحد ونبله، دون مقابل، إنقاذ حياة أشخاص عدة وعودتهم لحياة جديدة بعيدًا عن المرض.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا