الكيمياء والصيدلة > كيمياء

منع الماء من التجمد في درجة الحرارة تحت الصفر! كيف؟

الماء هو السائل الذي لا حياة لنا دونه بخواصه الفريدة الفيزيائية والكيميائية. ليس فقط حياة البشر؛ بل حياة جميع الكائنات الحية تقريبًا، ومن هنا كان لغز حياة بعض الكائنات الدقيقة في درجات حرارة منخفضة جدًّا شاغلًا تفكير الباحثين. كيف تؤدي هذه الكائنات عملياتها الحيوية في درجات الحرارة المنخفضة تلك والماء يتجمد في درجة حرارة صفر مئوية؟ ألا تحتاج هذه الأحياء الماءَ السائلَ أم أن هناك طريقة تبقي فيها الماء سائلًا غير متجمد؟

كان الجواب في بِنية الأغشية الخلوية وطبيعتها المكونة لخلايا هذه الكائنات. فقد درس فريقٌ من الباحثين في جامعة زيوريخ والمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا قدرةَ بعض الليبيدات الموجودة في هذه الأغشية الخلوية على تغيير سلوك جزيئات الماء في درجات الحرارة الأدنى من نقطة التجمد.

بالاستفادة من نتائج هذه الدراسات؛ اصطنع الباحثون ليبيدات جديدة تحتوي على مجموعات بروبيل حلقي Cyclopropyl بدلًا من الروابط الثنائية في النهاية الكارهة للماء من جزيئات الغليسرول أحادي الأسيل monoacylglycerol. منحت الحلقاتُ الثلاثيةُ الليبيداتِ صلابةً (حرية أقل في الحركة) أكبر وسمحت بتشكيل أغشية ثنائية الطبقة تحتجز الماء ضمن أقنية دقيقة.

تقول ليفيا سالفاتي ماني Livia Salvati Manni (إحدى الباحثين في هذه الدراسة): "استلهمت فكرة هذه الجزيئات من الليبيدات الموجودة في خلايا بعض الجراثيم، المعروفة بتكيفها مع درجات الحرارة تحت الصفر، فهذه المركبات لا تتبلور -بعكس باقي الليبيدات- في درجات الحرارة المنخفضة؛ وهذا ما يؤدي إلى عدم تبلور الماء داخل القنوات".

عند حجز الماء ضمن هذه الأغشية الليبيدية الصنعية ذات الخواص غير الاعتيادية يتثبط تشكل بلورات الثلج حيث تمنع تحول الماء إلى الحالة الصلبة حتى في درجات حرارة منخفضة تصل إلى -263 درجة سيلزيوس. قال الباحثون إن هذه النتائج قد تساعد على فهم أعمق لتفاعل الليبيدات مع الماء تحت هذه الظروف، وتسليط الضوء على إمكانية وكيفية بقاء بعض الأحياء الدقيقة على قيد الحياة في ظروف البرودة الشديدة.

أضاف سلفاتور أسينزا Salvatore Assenza (وهو عضو آخر في الفريق) بقوله: "يمكن لطبقات الليبيدات أن تتشكل ببنى مختلفة بوجود الماء، متضمنة الأطوار المكعبة والصفائحية cubic and lamellar phases. عادةً تمتلئ هذه الأطوار بالماء السائل وفي درجات الحرارة المنخفضة ويتجمد كلٌّ من الماء والليبيدات؛ ما يؤدي إلى تدمير بنيتها. والخاصية التي تميز هذه الليبيدات هي أنها عند إماهة منخفضة تُشكل بنى قادرة على الحفاظ على الطبيعة غير المنتظمة للماء مهما انخفضت درجة الحرارة نظريًّا".

استخدم الباحثون الهيليوم السائل والنتروجين السائل لتبريد العينات. وباستخدام تقنيات (كالأشعة السينية) كشفوا وجود الماء السائل حتى درجة الحرارة -10 درجة سيليزيوس في الطور المكعب والماء بالشكل الزجاجي glassy water حتى درجة -263 درجة سيليزيوس في الطور الرقائقي.

glassy water مصطلح يطلق على حالة فيزيائية للماء حيث لا يكون فيها الماء متبلورًا كما في الحالة الصلبة (الثلج)؛ بل تتجمع جزيئات الماء بشكل غير منتظم.

في النهاية؛ يقول جون سيدون أحد الباحثين في الكلية الملكية البريطانية: إضافة إلى دور هذه الليبيدات في فهم حياة الأحياء الدقيقة، يمكن استخدامها أنظمةً متوافقةً حيويًّا تحتجز الماء السائل وتمنع تخرب الناتج عن التجمد في العينات الحساسة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا